مقالات

الشيعة العلويون مذهب العقل والعدالة في حضرة الإيمان.

🖋كتب إسماعيل النجار

في مدارات الفكر الإسلامي المتشعبة، حيث تتفرع الطرق وتختلف المذاهب، يبرز مذهب أهل البيت، المعروف بالتشيّع العلوي، كأحد التيارات الروحية والفكرية التي اتخذت من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قبلة للوعي، ومنهلاً للعدالة، ومشعلًا للهداية.
فليس التشيّع مجرد انتماءٍ طائفي، بل هو رؤية كونية أخلاقية تنبثق من عمق الرسالة المحمدية، وتتمثل جوهر الإسلام لا في ظاهره فقط، بل في لبّه الذي يتغذّى على الحب والعقل والجهاد ضد الظلم. علي بن أبي طالب.. النور الذي لا يُطفأ هو الإمام الذي عاش الإسلام في لحمه ودمه، لا في لسانه فقط. وُلد في جوف الكعبة، واستشهد في محراب الصلاة. كان القائد الذي لا يُهزم، والعابد الذي لا يلين، والحاكم الذي يخشى الله أكثر من جوره.جمع بين بلاغة الحكيم، وشجاعة الفارس، وزهد العارف.هو الذي فتح خيبر،وثبت يوم أُحد،وأفحم خصومه في ساحات المناظرة،وبكى في جوف الليل من خشية ربّه.وهو من قال> “يا دنيا غري غيري طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها”.
التشيّع لعلي اتباع لا ادعاء فالشيعة لا يرون في عليّ شخصية تاريخية فحسب، بل إمامًا مفترض الطاعة، اختاره الله بعد نبيّه،وأوصى به رسول الإسلام في يوم الغدير حيث قال> “من كنت مولاه، فهذا عليّ مولاه”.فهم لا يحبونه بالكلام، بل يُجسّدون في ولائهم له موقفًا واعيًا من التاريخ والدين والسياسة.إنهم يرون في إمامته امتدادًا للنبوة في الهداية،لا في التشريع، ويؤمنون أن أهل البيت هم سفينة النجاة التي أوصى بها النبي، حين قال> “إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله “وعترتي” أهل بيتي”.ما إن تمسكتُمآ بهما لن تضلوا من بعدي أبدآ.البعض يسأل ما يُميز الشيعة عن غيرهم من المسلمين؟ في خضم الانقسام الذي أصاب الأمة، برز التشيّع كـ”منهج نجاة”،تميّز عن غيره في عدة مستويات:
أهمها الولاء المحوري لأهل البيت
فالشيعة يجعلون الولاء لعلي وأبنائه المعصومين أصلًا من أصول الإيمان،لا مسألة هامشية. فهم يرون فيهم العترة الطاهرة، مصابيح الدجى، وورثة النبوة. زيارتهم، التوسل بهم، إحياء مناسباتهم، ليست طقوسًا سطحية، بل ممارسة إيمانية متجذّرة في الحب والتقديس المشروع.
العقل الحاكم على النقل عند الشيعة ليس خصمًا للوحي، بل دليله الأول. لا يُقبل النقل دون أن يُمحّصه العقل. فلا تجميد للفكر، ولا تقليد أعمى. بل اجتهاد مستمر، واستنباط حي، ومراجعة نقدية للنصوص وفق سياقاتها.
● لذلك أصبحت الإمامة بالنسبة للشيعه عدالة مُؤسسة، (لا شرعية مغتصبة)
يرى الشيعة أن الإمامة ليست مسألة سياسية، بل امتداد روحي وفكري للنبوة. فالأئمة الاثنا عشر عندهم معصومون، ليسوا معصومين كأنبياء، بل محفوظون من الزلل والخطأ في تفسير الشريعة وحفظ الدين. هذه الإمامة تمثّل مركزية العدالة ورفض الظلم والفساد.
موقف الشيعه من الصحابة والتاريخ واضح، فهم لا يُقدّسون كل الصحابة تقديسًا أعمى، بل يُقيّمونهم على أساس مواقفهم من العدل والحق.ولا يُنكرون فضل من ثبت، لكنهم لا يسكتون عن خيانة أو غدر أو مشاركة في جور، مهما كان موقع الفاعل.
العاطفة الدينية والوجدان الثوري عند الشيعه، يتميّز بحضور وجداني لا نجده عند غيرهم. البكاء على الحسين ليس ضعفًا، بل تجلٍّ لرفض الظلم والاصطفاف مع الدم المظلوم. زيارات الأضرحة ليست عبادة لقبور، بل تجديد للبيعة والتذكير بالرموز. أدعيتهم، كدعاء كميل وزيارة عاشوراء، مدرسة في التوحيد والروحانية.
● الاجتهاد الحي والمتجدد(هنا بيت القصيد) في الفقه، يتمتع الشيعة بمرجعية حيّة مرنة، تتفاعل مع الواقع، لا تحبس نفسها في قوالب تاريخية. لذلك تجد فقههم في تطور دائم، دون أن يفرّط في الثوابت. ورفض التكفير ومواجهة الاستكبار فالشيعة لا يُكفّرون المسلمين، بل يعارضون الفكر التكفيري الذي جرّ على الأمة الويلات. وهم تاريخياً في طليعة الثوار والمقاومين للصهيونية والاستكبار، من جنوب لبنان إلى العراق واليمن، لا يُطبعون، ولا يُساومون. كل هذه الخصائص تضعهم نقيضًا للفكر السلفي التكفيري، الذي يرى في نفسه الفرقة الناجية، وفي غيره “مبتدعًا” أو “كافرًا”. هذا التيار يغلق باب العقل، ويُقدّس الماضي دون فحص، ويفتي بسفك الدم باسم “التوحيد”، ويُخاصم المحبة بحجة “السنة”. التشيع عقلٌ نابضٌ بحبٍّ نقي والشيعة العلويون ليسوا طائفة منعزلة، بل ضمير حيّ في جسد الأمة. مشروعهم هو مشروع العودة إلى النبع الصافي للإسلام، حيث العقل يُنير، والحق يُقال، والعدالة تُطلب، والظلم يُرفض، والحق يُتبع، ولو كان ثمنه الدم.
هم لا يدّعون العصمة عن الخطأ، لكنهم يُصرّون على أن يكون الدين عقلًا نقيًا، وعاطفة صادقة، وجهادًا متصلًا بالحسين، وولاية لعلي، وولاءً لمحمد وآله.فليُسمع صوتهم لا كصدى طائفة، بل كنداءٍ أصيل من قلب الإسلام: فهم يقولون “لن نُبايع يزيد، وموتٌ في عزّ خيرٌ من حياة في ذلّ”. ويرفعون شعار هيهات منا الذلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى