الى احرار الوطن وعليّة القوم ‘ الى اصحاب المحطات الفضائية والصحف و وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمكتوبة ‘ الى بائعي الاوهام من المثقفين وانصافهم ‘ الى اصحاب شركات غسيل الاموال وغسيل الضمائر ‘ الى معامل انتاج التخلف ‘ الى من يردح بإسم الوطن والدين والعقائد ‘ الى المشغولين بنفايات الاموال التي اقترفوها والقصور التي سكنوها وهي ليست لهم . بينما الشعب يئن ويوأد وعهودهم هواء في شبك وكلامهم خواء وتكرار حتى تمادى دينارنا بالهبوط واقتصادنا بالقنوط . اذا كان الوطن قد استوعب كل هذا العدد الهائل من المزورين والمهرجين والحثالات والنفايات فلماذا لا يستوعب المفكر والنزيه والشريف والطيب والمصلح والحكيم ؟. نقول هذا الكلام من قلب الوجع والالم ‘ من بيوت الطين وسكن التجاوزات والمصحات المتهالكة ‘ من انين الامهات ‘ من التكرار والصقل والاجترار ‘ من تحطم العلاقات والمؤسسات وتلوث الانهار والارصفة المهدمة واعمدة الكهرباء المتهاوية ‘ من اللغة التي تغيرت وفقدت كل معانيها العفوية والصادقة ‘ من الارض البور التي تفتقر الى الزراعة والاستثمار ‘ من المصانع المتوقفة عن الانتاج والعمل ‘ من السروج التي لم تجد خيلاً وخيالة ‘ من الادوية الفاسدة والمغشوشة ‘ من طلبة الجامعات وهم يمدحون الطاغية صدام في حين انهم لم يعيشوا حقبته ولكنهم يقولون كان قويا. هذا الذي يسمونه قويا كان يحاكم على النوايا بحيث يعدم الانسان اذا كانت لديه نوايا ضد النظام او ممكن ان يشملك قرار الاعدام اذا كنت تحلم مجرد حلم الاطاحة بالنظام . فكرة انتاج الحاكم المستبد كعقلية وثقافة ما زالت قائمة ومتناسلة . يقول الصحفي ماريو يوسا وهو من بيرو: الطاغية لا يأتي الا عندما نستدعيه. نعم هو لا يأتي من الفراغ بل يتم اعداده وتشكيله ذهنيا في ( المنزل والشارع والمدرسة والجامعة والعشيرة ) ليدخل في بيئة المراجل والقوة والاستحواذ والظهور حتى يصل الى المؤسسات والعمل وعندما يصل للسلطة تكون كل الفضاءات مهيئة لاستقباله وهو مشبعا بثقافة السيطرة والنفوذ والتحكم. يقولون لي ان الشعب ينتظر الحاكم المستبد والمستنير. قد نكون بحاجة الى محاكمة تلك الفترة محاكمة على مستوى النهج الفكري والثقافي من اجل تحصيل غايات استراتيجية . من هو المسؤول عما نعانيه من تراجع في القيم والاخلاق ومشاهد العنف والتطرف وتراجع نظام الافكار ؟ . تصرخ ولا تجد من يسمعك ‘ تمد يدك لتنتظر من يمسكها لتكتشف انك تمسك الفراغ ‘ تحاول ان تبحث عن كتف تتكأ عليه فتسقط في حفرة عميقة تم تجهيزها لك بعناية . لم يعد للاشياء معنى كما كانت . فبمن تلوذ وانت في منتبذك الغريب خلف سواتر العدو . كل تخندق في اتجاه هذا مع هذه الجهة وذاك مع تلك ‘ والذي يكتب عن الوطن يتهم بالتخلف ‘ ومن يكتب عن الثقافة يتهم بالجهل . تراجع دور الاعلام والفن والمسرح والسينما ولم يعد لهذه الامور اهمية في حياة الناس خاصة بعد ان هيمن المال الخليجي على سوق الاعلام والانتاج الفني بحيث انك لو قمت بأي منتج لا يحظى بمتابعة ولا دعم بسبب تلك الهيمنة على قنوات الانتاج والبث . الكل صامت حيث الرتابة والتكرار من يهتم للمعرفة والفكر والشعر والادب الرصين . لا احد يهتم بزوايا النظر للاشياء التي قد تفضي الى كشوفات مهمة ‘ اصبحنا نركز على العناوين الكبيرة والعريضة وعلى نوع السيارة والفيلا وماركة الساعة . هذه الامور لم يلتفت لها الخطاب السياسي وهو عادة خطاب انشائي يتستر خلف اغطية براقة ومثيرة . يقول الكاتب الامريكي جوليان غرين ( من يصنع المشهد ليست الجدران والكتل الكبيرة بل التفاصيل المهملة والمنسية لو قمنا بتفجير فكرة ربما يمكننا ان نحصل على ملحمة كبيرة كما تخلق حبة قمح حقل سنابل ) . لماذا اختفى خطاب الداعية الحقيقي ‘ وحلت البلاهة والسفه محل الايديولوجيا ‘ اختفى الجانب النظيف من الحياة . حيث لا تجارب حقيقية تهزك وتقلب كيانك . لم نعد نرى الا عقولا باهتة . اختفت التجارب الكبيرة بعد ان تصاغرت الاشياء . كنا نتوقف امام تجارب شعرية وفنية مثيرة لتبقى دهرا في حالة من البحث والنقاش . الى ان وصلنا لزمن البطولات في الزحف والضجيج والتبجح بكل ما هو مشين . لماذا استبدلنا حياتنا الحقيقية بحياة مزيفة ومن يستطيع ان يستعيد وجهه الحقيقي بعد ان ضاع وسط هذه الاقنعة ؟ واغربتاه
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
الشائعات الالكترونيةديسمبر 30, 2022