ثقافيةعراقية

” خنوعُ الفریسة، يُعينُ المُفترسَ على افتراسِها” ماذا يعني المجتمع الخانع؟  وما علاقة ذلك بوضعنا اليوم؟

بقلم : د . سعد صاحب الوائلي  

      بعض الحيوانات، كالأرانب، عندما تواجه حيوانًا مفترسًا يروم إصطيادها، يصيبها الخنوعُ التام، والاستسلامُ المطلق للوحش المفترس حتى قبل أن يتمكن منها، فتجدها تثبت في مكانها، ويُعجِزُهَا الجُبنُ عن الحركة تماماً، فتفقد حتى الفكرة بالهروب، وهذا أمرٌ يُعينُ الوحشَ المفترس على إصطياد تلك الفريسة.

فالفريسة تقنعُ نفسها بأنَّ الهروب لن يجدي، وتسلم مقاليدها بالكامل للوحش، مصرةً على ترسيخ فكرة انها وصلت المرحلة النهائية من كونها فريسة، وأن الوحش سيلتهمها لامناص، وتبدأ تفقد أيةَّ فكرة بالهروب او حتى المبادرة بالهروب أو بالمقاومة او المراوغة للتخلص من المفترس الذي في الحقيقة ما زال بعيداً نسبياً عن مكان الفريسة.  فتتلبد الأفكارُ الخانعة في ذهن الفريسة وتستحوذ على كل تفكيرها، ويتغول الاستسلام والانصياع لفكرة الرضوخ لحقيقة انها باتت (فريسة) حتى قبل ان تغدو (فريسة) في حقيقة الامر، وحتى قبل أن تتمكن مخالب الوحش المفترس منها ، وحتى إن كان المفترس على مبعدةٍ كبيرةٍ منها، وعلى بُعدِ مسافةٍ كبيرةٍ تمكنها من الهربِ او تتيحُ لها التملص من المفترس.

فتجدُ مثل هذا الحيوان مسلوبَ الإرادة، وعديمَ القوة، فيَتَسَمّرُ بالأرض، وهذا ما يُسمى بـ(هزيمة الذات)، او (فقدان الذات)، وفقدان (روح المقاومة)، و(انعدام الثقة بالنفس)، و(انعدام الإيمان بالنفس).

ذات هذا المثال، تمر به المجتمعات او الأمم احياناً، فتجد ان مجتمعاً ما، او أمةً ما، تفقد (قدرتها على المقاومة)، وتبدأ بالرضوخ التام للقوى القوية المهاجمة، فتنهزم ذاتياً ، وتفقد ثقتها بنفسها وبأبنائها، وتتسمر في مكانها بانتظار مخالب القوى المفترسة، فتجدها راضخة فاقدة الايمان بقوتها وبنفسها، منهزمة ذاتياً، مهزومة فكرياً، فتعينُ بذلك القوى المهاجمة على التمكن منها، فتستسلم وترضخ وتنبطح حتى قبل ان تتمكن القوى المهاجمة منها، فتعينها على نفسها.

في صراع الأمم، بعض الأمم الواثقة بقدراتها وبقوتها، تتمكن من هزيمة أمة أخرى بسبب ما يتوفر لديها من عوامل قوة وذكاء، وفي أحيان كثيرة، تعتمد على (الانهزام الداخلي) لدى الامة المستهدفة او المجتمع المستهدف كسلاح في المعركة، فالمجتمع الخانع بـ(هزيمته الذاتية) يُعين الأمة المهاجمة على نفسه.

فالدول الاستكبارية ( أميركا، الغرب ، إسرائيل) على سبيل المثال، تحاول ان تجعل الأمم والمجتمعات المستهدفة تفقد (قوتها الذاتية)، وتجعلها تعيش (روح الانهزام)، وتستشعر إبتداءاً بالخيبة والذل والهزيمة الداخلية، وبهذا تكتسب القوى الاستكبارية قوة مضاعفة لفرض اجنداتها وإراداتها على الأمم المستهدفة التي فقدت ثقتها بنفسها إبتداءاً.

والأمم او المجتمعات إذا ما استشعرت (الهزيمة الداخلية)، وعاشت (روحية الانهزام)، وتَلَبَّبَتْ فيها مخالبُ (الإنقياد) التام للمهاجم، فهي بذلك تفقد كرامتها وإيمانها ، وتــُفَرِّطُ بتأريخها وثوابتها. وبهذا تغدو لقمةً سائغة للقوى الاستكبارية وارضاً خصبة تتيحُ لإستنبات ونمو وتعاظم كُلّ التقاليد والممارسات المشبَّعةِ بالرذيلة وكل الأعرافِ الهجينة ، وجميع السلوكيات الشاذة التي تفرضها القوى الكبرى في اوساطها. وبهذا تغدو الأجيال والنشء في الأمم والمجتمعات المستهدفة نهباً للافكار الاستكبارية وللأمراض المجتمعية المراد تغلغلها في تلك الأمم المنهزمة والخانعة : كـالأمراض المجتمعية : المثلية، وإدمان المخدرات، وإدمان الخمور، وتغول العنف، وشيوع التفاهة، والتفكك الاسري، والعزوف عن الزواج، وشيوع الطلاق، وشيوع الانحراف، والعري، والإباحية، والتهالك على النزعة الاستهلاكية، والإنقياد للأفكار الهجينة، وتبني الرموز والنجوم والإيقونات والنماذج الغربية الشاذة والمنحرفة، وغير ذلك من الامراض المجتمعة، فيكفر حينذاك أبناء هذا المجتمع او تلك الامة المستهدفة بثقافتهم الاصلية وبمتبنياتهم الدينية والمذهبية، فتجدهم يستنكفون من تأريخهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويحاولون في كل حينٍ أن يلبسوا لَبوسَ المجتمع الغربي، متبعين خطوات عيشهم وانماط حياتهم، فيتبنون متبنياتهم لاسيما الغث منها، فيصبحون ألعوبة بيد القوى الاستكبارية توجههم حيثما تريد، وتفرض عليهم اجنداتها الفكرية، وتقنعهم بتبني متبنياتها، لينصاعوا بنهاية المطاف بالكامل للإرادات الغربية والاستكبارية المشبوهة برمتها، حتى يصبحوا من جُندهم ومن عملائهم دون ان يدركوا ذلك، في حقيقة الأمر.

 

وبنهاية المطاف، ينسلخ جيل المجتمع المستهدف، او شبيبة تلك الامة المستهدفة ينسلخون عن دينهم وثقافتهم وتقاليدهم وحتى جنسياتهم في أحيان، فيسخرون من تأريخهم ومن كتبهم ومن قادتهم ومن مذاهبهم واديانهم، ليسلموا مقاليدهم بالمطلق لإرادة المستكبر. ولعمري هذه هي إحدى وأهم وأعظم خدع الاستكبار، وأولى آلياته وأشد  أسلحته فتكاً في حربه الناعمة التي يشنها على مجتمعاتنا وأممنا. فيجعلون الجيل يستشعر البؤس والرفض لوجوده في بلده، حتى يكون شعوره بالبؤس في حقيقة الامر  اشد إيلاماً من ويلات البؤس نفسه، ويبيتُ الجيلَ يشعرُ على الدوام انه (يعيش جهنم) وهو في أرضه ووطنه، وأن بلدان الاستكبار هي (جنة الخالق) في ارضه، بخلاف الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى