
عبر التاريخ، حمل الشيعة العراقيون عبء المظلومية، فتحولت المرجعية الدينية إلى حصن لهويتهم. لكن بعد عام 2003، اصبح المكون يعيش حالة استقطاب وجودي حاد بين مشروعين متنافرين: الأول متجذر في الإحساس العميق بالاستهداف المذهبي للشيعة في كل مكان في العراق ايران لبنان اليمن البحرين السعودية ….ويطالبون بوحدة الساحات وتسليح الشيعة في كل مكان، وهو ما يشرعن تشكيل كيانات مضادة وينتج دولة متعددة الرؤوس وواهنة. ويدفع السنة الى ان يكونوا حاضنة للتنظيمات السنية المتشددة المعادية للشيعة ، والثاني يدعو إلى الدولة المدنية القانونية، وهو طرح يصطدم بالخوف الوجودي المشروع للشيعة، خاصة مع غياب الضمانات لسلامتهم اذا القوا سلاحهم ، خاصة مع صعود قوى متطرفة (كجبهة النصرة على الحدود).
وتتفاقم الأزمة بسبب شراكة الأهداف المتقاطعة؛ فالمشروع الشيعي محصور بين المشروع السني الهادف إلى استعادة السلطة وتهديم الدولة ومنع نجاح الحكم الشيعي، والمشروع الكردي الذي لا يتوقف عن التوسع وابتلاع الأرض والموارد تحضيرا لدولة كردية مستقلة. بين هذه المشاريع المهدِّدة، فقد المشروع الشيعي البوصلة، خصوصاً وأن قضية الفساد تحولت إلى سلاح تهديم ممنهج. ورغم مشاركة السنة والكرد بفعالية في منظومة الفساد ، فإن الإعلام يركز حصرياً على فساد الشيعة، مصوراً بقية الأطراف كـ”مظلومين” لا أصحاب مشاريع تعطيل وتدمير وتوسع.
وتتجلى الأزمة الشيعية في فراغ القيادة السياسية: فقادة الإطار التنسيقي أثبتوا أنهم قادة أحزاب لا قادة مذهب، حيث مصالحهم الخاصة تفوق الهم الشيعي. بينما المرجعية العليا (السيد السيستاني أدام الله بقاءه) بـإغلاق أبوابها السياسية، تركت الساحة دون مظلة جامعة. أما سماحة السيد القائد مقتدى الصدر، فكان انسحابه من البرلمان ومن الانتخابات بمثابة تجميد للأزمة لا حل لها، دون ان يقدم مشروع بديل.
والمحنة الكبرى تتجسد اليوم في عملية تشكيل الحكومة القادمة: فالعراق يواجه مقصلة الوصاية الدولية؛ إذ تصرّ قوى الضغط (أمريكا وإسرائيل) على رئيس وزراء “على المقاس” يجفف منابع العلاقة مع إيران ويحل الفصائل. وفي المقابل، يصرّ قادة الإطار على رئيس يضمن نفوذهم وامتيازاتهم، بينما يضع الشركاء شروطهم الإلزامية. والمواطن الشيعي الآن يتساءل: من هو القائد السياسي والمنقذ؟
القيادة الحقيقية ليست منصباً، بل مشروعاً ورؤية، وهذا ما يغيب. لذلك، يُرجى من المتصدين شيعياً مراجعة مواقفهم لإنتاج مرجعية سياسية غير حزبية، وإلا سيظل الشيعة فريسة لتناقضاتهم ومقصلة شركاء الفساد والمشاريع الدولية.




