حاكمية الشيعة استحقاق انتخابي أم مشروع مستهدف؟
قاسم الغراوي رئيس مركز انكيدو للدراسات والاعلام

منذ عام 2003، تحوّلت المعادلة السياسية في العراق إلى ساحة صراع معقدة، تتداخل فيها الإرادات الداخلية مع الحسابات الإقليمية والدولية. وفي قلب هذه المعادلة يبرز سؤال مركزي: هل تمثل حاكمية الشيعة نتيجة طبيعية لاعتبارات ديموغرافية وانتخابية، أم أنها باتت مشروعاً مستهدفاً يسعى خصوم الداخل والخارج لتقويضه؟
أولاً: الواقع الديموغرافي والاستحقاق الانتخابي
تشير الأرقام الرسمية إلى أن المكوّن الشيعي يشكل الأغلبية السكانية في العراق، وهو ما انعكس بشكل واضح في نتائج كل الانتخابات منذ 2005 وحتى اليوم. هذه الأغلبية لم تكن مجرد رقم انتخابي، بل مثّلت ترجمة لثقل اجتماعي وتاريخي وسياسي منح القوى الشيعية اليد الطولى في تشكيل الحكومات وصياغة التوازنات. وبذلك يمكن القول إن الحاكمية الشيعية كانت – بالأساس – استحقاقاً انتخابياً طبيعياً لا يمكن القفز عليه في نظام يُفترض أنه ديمقراطي.
ثانياً: الإشكاليات الداخلية
لكن هذا الاستحقاق سرعان ما اصطدم بإشكاليات داخلية؛ أبرزها الانقسام الحاد بين القوى الشيعية نفسها. فالتنافس بين الأحزاب الإسلامية، ثم بين الإسلامية والعلمانية ذات القاعدة الشيعية، حوّل الأغلبية من ميزة سياسية إلى عبء داخلي. إذ بدلاً من تقديم نموذج ناجح للحكم، انشغل الفاعلون بالصراعات على السلطة والمناصب والموارد، وهو ما أضعف صورة الحاكمية الشيعية أمام الرأي العام.
ثالثاً: الاستهداف الخارجي
من جانب آخر، لم يكن الخارج بعيداً عن هذه المعادلة. الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون نظروا بقلق إلى صعود الأغلبية الشيعية باعتبارها امتداداً للمجال الحيوي الإيراني، ما دفعهم إلى محاولة إضعاف هذه التجربة عبر:
1- الدعم السياسي والإعلامي لمعارضيها.
2- إثارة الهواجس الطائفية من خلال تغذية الانقسامات الداخلية.
3- توظيف أدوات العقوبات والضغوط الاقتصادية لإظهار فشل الحكومات ذات الغالبية الشيعية.
رابعاً: بين الاستحقاق والمشروع
النتيجة أن الحاكمية الشيعية تقف اليوم على مفترق طرق:
فهي من جهة استحقاق انتخابي يعكس الإرادة الشعبية. لكنها من جهة أخرى تحولت إلى مشروع مستهدف من الخارج، وإلى ساحة صراع داخلي من الداخل.
خامساً: السيناريوهات المحتملة
1- التماسك الداخلي: إذا استطاعت القوى الشيعية تجاوز خلافاتها وتقديم نموذج حكم ناجح، فإن الحاكمية ستترسخ كواقع سياسي يصعب تجاوزه.
2- الاستنزاف المستمر: إذا استمر الصراع الداخلي مع الضغط الخارجي، فقد تتحول الحاكمية إلى عبء على الشيعة أنفسهم، ويفتح الباب أمام إعادة صياغة المعادلة السياسية على أسس جديدة.
3-التحول إلى شراكة متوازنة: وهو سيناريو يقوم على إعادة تعريف الحاكمية ليس كاحتكار، بل كشراكة تعترف بحقوق بقية المكونات، دون التفريط في الاستحقاق الانتخابي.
الحاكمية الشيعية في العراق لم تأتِ من فراغ، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي وسياسي، إلا أن بقاءها مرهون بقدرة القوى الشيعية على إصلاح ذاتها، وتحويل الاستحقاق العددي إلى مشروع وطني جامع، لا إلى ساحة استنزاف مفتوحة أمام التدخلات الخارجية.