
هل يُعقل أن تُدكّ مدينة النبطية ومحيطها بالقصف الجوي الإسرائيلي، وأن تُنتهك سيادة لبنان يومياً، فيما رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون يطلّ علينا بخطاب عن “السلام” و”السيادة”؟ أيُّ سيادةٍ تلك التي يتغنّى بها “السياديون” وهو يلوّح بيدٍ مرتجفة نحو واشنطن وتل أبيب بينما سماء لبنان مشبّعة بطائرات العدو!
أية مفارقة أبشع من أن يقف رئيس الدولة على منبر القمة العربية الإسلامية الطارئة حول قطر، فلا يجد في خطابه مكاناً يليق بذكر العدوان الصهيوني المستمر على لبنان؟
هل باتت الاعتداءات الإسرائيلية بالنسبة له مجرد “روتين يومي” لا تستحق الذكر؟ أم أنه قرّر أن يتناسى أنه رئيس دولة تُقصف مدنها وقرَاها ويُقتل أهلها وتُدمَّر بُنيتها تحت جنازير الطائرات والدبابات؟
لقد أختار فخامة الرئيس التزلف بدل المواجهة، ويُسابق السياديون بعضهم بعضاً في التزلف لأميركا والتملق لإسرائيل، وكأنّ اعترافهم بالعدو هو الطريق الوحيد للحفاظ على كراسيهم. رئيس الحكومة يلوذ بالصمت المريب، ورئيس الجمهورية يلوّح بورقة السلام التي لا تجفّ من دماء اللبنانيين، والسياديون في البرلمان يطبلون ويزمرون لنغمة “السلام الموعود”، بينما الجنوب يشتعل بالصواريخ والنبطية تُقصف كأنها خارج حدود لبنان.
أن ازدواجية المعايير يا فخامة الرئيس خيانة للوجدان الوطني ، كيف يُمكن لرئيسٍ أن يتحدث عن مستقبل لبنان من دون أن يذكر الاحتلال المستمر لمزارع شبعا وكفرشوبا، أو الاعتداءات اليومية على السيادة البرية والبحرية والجوية؟ كيف يُمكن له أن يُقدّم نفسه ضامناً للسيادة بينما يدفن رأسه في الرمال أمام الجرائم الصهيونية؟
يا فخامة الرئيس إنّ تغييب العدوان الإسرائيلي عن خطابات الرئاسة والحكومة والسياديين ليس مجرد سهوٍ أو خطأ بروتوكولي، بل هو موقف سياسي متعمد. هو رسالة خضوع تُترجم في واشنطن على شكل “ضوء أخضر” لاستمرار القصف، وتُقرأ في تل أبيب على أنها “استسلام مجاني”.
يا فخامة الرئيس لبنان لا يُحكم بالجبن ونعرفك شجاع، لبنان لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الخوف، ولا يُصان بالسكوت عن العدوان. التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر. من يتناسى قصف النبطية اليوم، سيتناسى احتلال بيروت غداً. ومن لا يرى الطائرات الإسرائيلية فوق رأسه، سيستيقظ يوماً على مستوطنات على أرضه. إنّ التزلف للعدو خيانة للوجدان الوطني، وإنّ صمت الرئيس والحكومة والسياديين عن العدوان هو بمثابة توقيع ضمني على صكّ إذلال لبنان. لكن شعب هذا البلد، الذي اعتاد المقاومة، لن يسمح بأن يتحوّل رئيسه إلى شاهد زور على دمائه، ولا أن تتحوّل كرامته الوطنية إلى ورقة في مزاد سياسي رخيص.
بيروت في ،،، 18/9/2025