شؤون اقليميةمقالات

“جهاد التبيين” بين التبليغ الديني والإعلام الجماهيري

بقلم - محمد علي فقيه

يقول المرشد الخامنئي: لن تنجح أي فكرة ولا فكر متقن في الإنتشار ولن يجري الاعتقاد بها لدى العموم، من دون التبيين والتبيين البليغ

صدر حديثاً عن “مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث/ مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي”، كتاب “جهاد التبين في فكر الإمام الخامنئي

يحوي الكتاب خطابات المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي التي تتطرق إلى الأبعاد المختلفة لجهاد التبيين، حيث يؤكد أن “أساس عملنا هو التبيين”، و”التبيين في الأساس هو أسلوب إسلامي

ويشدد المرشد على تبيان مشروع الثورة الإسلامية وما قدمته، وضرورة البيان للناس لكل ما تفعله الثورة والحرص على تفقدهم والإستماع لاَرائهم وعدم الترفع عن قضاياهم

وتقول مقدمة الكتاب الذي تتولى توزيعه “دار المودة للترجمة والتحقيق والنشر” في بيروت إنه: “خلال السنوات الأخيرة وبسبب الظروف الطارئة التي مرت بها البلاد والعالم، طالب سماحته عامة الناس وخاصة النخب والخواص بالتصدي لعملية التبيين بهدف إفشال مخطط التحريف. وقد أكد سماحته بأن الجميع مسؤول ومكلف بالتبيين فكان هذا الأمر دافعاً لتأليف هذا الكتاب كخريطة طريق للمجاهدين في ميدان التبيين

ويُعرّف السيد خامنئي حياته الجهادية من خلال خاصيتين هما “المقاومة” و”التبيين” ويقول: “المواجهة التي تفتقر إلى عنصر التوضيح تقود إلى الرجعية”، مضيفاً أن “التوضيح الذي يفتقر إلى عنصر المواجهة يقود إلى الجفاف والقحط الروحي

ويعتبر التبيين من أهم أساليب وسبل حركة الثورة الإسلامية. إذ “في النضالات الإسلامية، التبيين مهم للغاية على أي حال ، كان عمل الثورة من الأساس قائماً على التبيين والتنوير والتعبير المنطقي والمستدل وبعيداً من الجلبة”، بينما “الفكر الماركسي في ذلك الوقت لم يكن يعتقد بالتبيين؛ كانوا يقولون “إن النضال سُنّة وسوف يتحقق، سواء قلتم أو لم تقولوا

لذلك، “كانت مسألة التبيين إحدى الاستراتيجيات الأساسية لعملنا منذ البداية”، وعلى هذا الأساس أيضاً انتشر الفكر الثوري: “بالتأكيد لن تنجح أي فكرة ولا فكر متقن في الإنتشار ولن يجري الاعتقاد بها لدى العموم، بدون التبيين والتبيين البليغ

سيكتشف القارئ أن المرشد الإيراني رسم خريطة طريق لجهاد التبيين عبر خطاباته من خلال طرق أو ما يسميه “جهاز التبيين” حيث يدعو المرشد العلماء والمبلغين والمتحدثين الكبار والخطباء العظام إلى أن يجاهدوا، وجهادهم هو التبليغ. جهادهم هو تبيان حجم هذا الإنتصار وحجم العمل، فيقول: “لطالما كررت عليكم أن تطلعوا الناس على الأعمال التي تقومون بها، تقومون بعمل في سيستان لكن باقي أنحاء البلاد  لا تعلم ما الذي قمتم به هناك، يحب عليكم أن تذكروا للناس المسائل والخدمات التي قدمتموها

ويؤكد أن القاعدة في هذا العمل أنه منذ أن تتشكل الحكومة عليها أن تذكر للناس الأمور التي قدمتها لهم… وبالأعمال التي لهم في الوزارات، فــــ”العالم اليوم مجتمع ضدكم وضد حكومتكم… ويريد أن يعثر على شيء ما ويشهره ضدكم

وحول العقيدة الإسلامية والثقافة يوصي المرشد بأن: “تذهبوا إلى نواحي البلاد كافة وأن تقوموا ببناء مجامع دينية لجذب الشباب فوجاً فوجاً. عندما يريدون أن يجروا الشباب إلى مراكز الفساد في أيام الجمعة، عليكم أن تجذبوهم إلى المجامع التبليغية… عليكم أن تدعوا الناس إلى الدين وأن تحدثوهم عن المصالح والمفاسد اليومية

ويرى السيد خامنئي أن من الأمور التي يجب تبيانها هو أسلوب الحياة الإسلامية الإيرانية الذي كان طرحه “جديراً بالدراسة فبينوه وعالجوه”، مؤكداً بأن التبيين ممكن في الأجواء الجامعية الطلابية وخارج الأجواء الجامعية وفي صلاة الجمعة

كما ينبه أنه في حال غياب التبيين، فإن الفرصة ستفتح للعدو لإغواء وتضليل الناس في مختلف المجالات، وكان إنتاج تنظيمات القاعدة والنصرة وداعش أحد الأمثلة على هذه المسألة في السنوات الماضية: “اليوم، لأننا لم نقم بواجب التبيين بنحو صحيح، هناك مجموعة أصيبت بالضلال ويتصورن أنهم يعملون من أجل الإسلام، لكنهم يعملون ضد الإسلام… إنهم يحاربون المسلمين بدلاً من العدو

يتحدث المرشد عن أهل البيان والتبيين لمختلف أطياف الشعب ويضع الشهيد آية الله مدني كنموذج عن عالم الدين النشيط على مختلف الأصعدة فيسميه بـــ”الكنز”، فهو مصداق لعالم الدين الكامل. إذ هو أولاً فقيه عالم وثانياً كان عالماً ناطقاً. إنه من العلماء الذين استطاعوا بناء علاقة مع الشباب. وهنا يروي خامنئي أنه ذهب إليه في تبريز حين كان إماماً للجمعة ورآه يتحدث إلى الشباب اليافعين البالغين من العمر 20 و21 عاماً بكل محبة وألفة كما لو كان والدهم وأخاهم الأكبر… كان يجلس مع الطبقة المفكرة فيجذبهم ويجلس مع طبقة العامة فيجذبها وكان يجلس مع الطلاب

ويعطي المرشد الشهيدين مرتضى مطهري وبهشتي كمثال يُحتذى، اللذين أُستشهدا بسبب تبيين الحقائق الدينية

إن التواصل المباشر مع الناس له فعل سحر، حيث يروي المرشد: “قبل الثورة كانت لي جلسة تقام في مشهد في المسجد، كنت أقف أمام السبورة واتحدث لمدة 20 دقيقة.. وكان 90% من الحضور شباب. في أحد الليالي كان الشهيد باهنر في مدينة مشهد وجاء معي إلى مسجدنا فذهل حين رأى ذلك العدد الذي يترواح 340 او 350 شخصاً

يؤكد السيد خامنئي على فرصة ذكرى عاشوراء والأربعين وكل المناسبات الإسلامية لتكون فرصة للتبيين. فإذا كانت عاشوراء تمثل قمة الجهاد المترافق مع التضحية بالروح، فإن ذكرى أربعين الإمام الحسين هي “قمة الجهاد المترافق مع التبيين والمترافق مع الشرح والتوضيح”. إذ “لو لم تقم زينب الكبرى والإمام السجاد طوال أيام الأسر من عصر عاشوراء أو الأيام التي تلتها في الكوفة وطرق الشام ثم في العودة إلى كربلاء والزيارة أو خلال الرجوع إلى المدينة ثم طوال السنوات المتمادية… فلو لم يجاهدا ولم يقولا الحق ولم يظهرا الحقائق ولم يوضحا هدف الحسين بن علي وظلم الأعداء، لما كانت حادثة عاشوراء حية ومتقدة إلى اليوم” 

ويعطي المرشد الإيراني حيزاً مهماً في خطبه لتجربة عمار بن ياسر الذي يعتبره بحد ذاته كشخص “جهاز تبيين عظيم” في عهد الإمام علي، “فأينما كانت تجري حادثة كان عمار بن ياسر وأشخاص عظام من صحابة النبي يذهبون للتحدث فيها ويوجهون الناس فكان الضباب ينجلي أمام الناس

ويعطي السيد خامنئي مثالاً عن حرب صفين “التي بقيت لشهور لم يكن أمير المؤمنين يواجه فيها الكفار. فالجبهة التي وقفت بوجهه كان رجالها يقيمون الصلاة ويقرأون القراَن. وقد أطلقت إشاعات كثيرة منها: لماذا نحن نحارب؟ وما الفائدة من ذلك؟.. هنا كان أصحاب أمير المؤمنين الخواص والخلص يتقدمون لحل المشكلة ومن بين أولئك عمار بن ياسر الذي كان يأخذ على عاتقه أعقد المهمات. وهنا تكمن أهمية الشخصيات الجهادية الفكرية ذات البصيرة التي تحيط بالقائد أو الرئيس

ويستطرد المرشد بالحديث عن عمار بن ياسر الذي يسميه “المفكر العظيم” ويطلق على أسلوبه “جهاز التبيين” ويعطيه كمثل في التبيين والتوضيح في طرح “براهين حية”. فعندما لاحظ عمار أن البعض اعترته شبهة سار إليهم وألقى خطبة فيهم فذكر لهم أن الراية في الجبهة المقابلة “قد رأيتها أنا في معركتي بدر وأحد مقابل رسول الله

يرى السيد خامنئي ضرورة التخطيط لبناء “جهاز التبيين”، ويقول حول هذه النقطة: “ينبغي التخطيط لهذه الأمور وهذا ما نوصي به المبلغين وطلبة العلوم الدينية والفضلاء أن يرصدوا الإحتياجات ويتحدثوا حسب احتياجات المتلقين واستفهاماتهم واسئلتهم… هذه ليست مهمة فرد. فالأفراد قد يخطئون أحياناً في معرفة الأمور

ويخلص خامنئي بالقول عن “جهاد التبيين”: “هذه مهمة جماعة منظمة تقوم بتخطيط وبرمجة مدروسين وهذا ما سيحدث إن شاء الله

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى