ثقافيةعراقيةمقالات

الشائعات الالكترونية

بقلم : م. م عزيز علي

تعد الشائعات من الظواهر الاجتماعية القديمة المتجددة بالغة الأهمية التي ترافق الاشخاص  في حياتيهم اليومية متخذة صور عدة وتتعدد اسباب انتشارها ,ويضاعف من هذه الأهمية شيوعها في كل زمان ومكان ,وهي سلوك مألوف وجانب كبير من الأحاديث اليومية ينطوي على العديد من اصورها وأنماطها, الا انها تنطوي على انعكاسات سلبيه سيما تلك التي تهدف الى اثارة النعرات الطائفية والعنصرية وزعزعة امن المجتمع واستقراراه , والدعوة والتحريض للحرب والارهاب ,لأمر الذي يتطلب تدخلا ً قانونيا ً يمنع ويعاقب مثيري الشائعات سواء كان على المستوى الوطني او الدولي خصوصا في ظل الانفتاح التكنولوجي العالمي اصبح تأثير تلك الشائعات عبر الوطني يمس اكثر من دوله ع الشائعة او يهدف الى اثاره الحروب بيف دولتين او اكثر حسب نوع الشائعة ونطاقها.

تعرف الشائعة بانها “الاحاديث والروايات والاخبار التي يتداولها الناس دون التحقق من صحتها, ودون التأكد من صدقها, وهي فكرة خاصة يؤمن بها الناس, تنتقل من شخص لأخر, ويتـم عادة بواسطة الكلمة التي يتفوه بها الانسان, دون ان يستند الى دليل او شاهد”, وتعرف الشائعات ايضا بانها” أسلوب من اساليب الحرب النفسية وهي رواية لخبر مختلق, او سرد لخبر يحمل جزء من الحقيقية بقصد التأثير النفسي في الراي العام المحلي, او الاقليمي, او العالمي, بحملات الهمس او بوسائل الاعلام من اجل تحقيق مكاسب سياسية او اقتصادية او اجتماعية او عسكرية على نطاق الدول او الاقاليم او العالـم,اعلى ذلك فأن الاشاعة ليست الا رواية تحكى من اجل ان توقع اثر في نفس من يسمعها فيصدقها وليس مهما ان تكون صادقة.

يأتي مفهوم الشائعات الالكترونية من اندماج مفهوم الشائعات بصورة عامة والتقنيات الالكترونية التي استخدمت كوسائل لنشر تلك الشائعات, اي انها نتاج تزاوج المفهوم التقليدي للشائعات بالثورة التكنولوجية, وعليه يمكن تعريفها بانها كل خبر او معلومة او محتوى رقمي غير متيقن من صحته, والذي يتـم تداوله خلال البيئة الالكترونية اذاعة كانت م تلفزيون او انترنت وتطبيقاته, بهدف منها زعزعة امن المجتمع واثاره الراي العام والتأثير فيه, وهي صورة من صور الحرب النفسية والارهاب النفسي ,تنتشر في نطاق واسع على الانترنت وتطبيقاته الاجتماعية مثل تويتر وفيس بوك وسناب شات وغير اذ اصبح وسطا مروجا لاحد مصادر تهديد الامن الوطني للدول والمجتمعات ,في ظل لجوء البعض الى توظيفها بشكل سيء في نشر الشائعات والاكاذيب المغرضة, بل اللافت للنظر ان الشائعة استفادت اكثر من اي وقت مضى من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة, حيث لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار الالكترونية وسرعة تداولها بين افراد المجتمع فلم تعد الشائعات اخبار كاذبة او معلومات مزيفة يلقيها شخص ما بل اصبحت اكثر من ذلك حيث يقف خلفها مؤسسات متخصصة ووسائل اعلام احترفت التلاعب بالمعلومات وتقديمها بهدف اضعاف الدولة, وهي تكثر ايام الازمات والحروب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على انها حقائق دامغة.

ويعتمد انتشار الشائعات على ثلاثة شروط هي اهمية الشائعة وغموضها والاستعداد النفسي والعقلي, اذ لابد من ان يتسـم موضوع الشائعة بالأهمية لدى الملتقي لها وان يتميز بالغموض الذي يحيط به لان غياب الوضوح يعني غياب التفسير للموضوع ويعود السبب في ذلك الى نقص المعلومات او عدم ودقتها وتضاربها وعدم القدرة, كذلك لابد من توافر الاستعداد  النفسي والعقلي لقبول الشائعة وتلقيا ونقلها.

اهداف الشائعات :

  • اهداف على مستوى الافراد منها تشويه صورة الاخرين وتأليف القصص وتوجيه التهم والتهجم عليهم ونجد ذلك في الشائعات الفردية في الصراع السياسي والاجتماعي والمهني بمجالاته كافة، وكذلك لخلق الحقد والكره والبغضاء والعداوة الإيقـــاع بيـــن الناس لإحداث الفرقة بينهم وتعميق الخلافات.
  • اهداف على مســـتوى المجموعات و ينتشـــر بين المجموعات او الفئات الاجتماعية لغرض تخفيف العـــبء عـــن افرادهـــا تجـــاه واجب معيـــن أو تكليف أو التزام ما، أو تبرير الفشـــل لهـــم، ومنها أيضا شائعات ترويج المنتجات والخدمات بأنواعها المختلفة ، وهذه الشائعات ليست حصرا على الجانب الاقتصادي فقط بل لجوانب منها السياســـية مثل الأحزاب في ترويج الأفكار او أوقات الانتخابات
  • اهداف على مستوى الدول وهذه الشائعات غالبا ما تستهدف الدول وشعوبها والتأثير عليهم وعلى آرائهم ومشـــاعرهم ومواقفهم دعما لسياســـة أو اهداف معينة قد تكون مؤقته أو لمدة طويلة الأمد.

  أساليب ترويج الشائعات

  • أســـلوب التكرار : وهو إعادة بث ونشـــر نفس الشـــائعة بين حين واخر خاصة عندما يكون الواقع مفـــروض على المجتمع وبـــذات الوقت مرفوضا من قبلهم.
  • أســـلوب العقيـــدة والديـــن : وهـــو أســـلوب خطر جدا قـــد ينفذ الى أعمـــاق المجتمع ويحـــدث التأثير الـــذي يريـــده مصـــدر الشـــائعة حيـــث يركز على عقائد الانســـان وثوابـــت الدين ويحـــاول النفوذ من لهـــا الى مصالحـــه وأهدافه .
  • .أســـلوب العاطفـــة والاســـتعطاف : وهـــذا الأســـلوب يســـتخدم للتأثيـــر فـــي نفوس الاخريـــن من خلال توظيـــف مفـــردات العاطفـــة واســـتعطاف الاخريـــن من اجـــل الوصول الـــى الهدف .
  • اســـلوب الشـــعارات : وهـــي كلمـــات وجمـــل بســـيطة تصـــدر عـــادة مـــن قيـــادة الأحـــزاب والحـــركات السياســـية والاجتماعيـــة وبعـــض المنظمـــات ثم يرددهـــا جمهوره او الشـــعب وربما يتم الاســـتعانة هنـــا بالأغانـــي والاناشـــيد والقصائد الشـــعرية .
  • أســـلوب الاختبـــار : وهـــو أســـلوب متبـــع في عدد من الدول ومنها نشـــر شـــائعات بهدف تســـليط الـــرأي العـــام عمـــا يفكر بـــه الناس حول موضـــوع ما .
  • .وأســـلوب الاختـــلاق : وهـــو تعمـــد نشـــر اخبـــار او تصريحـــات مفتعلة ليس لها أســـاس مـــن الصحة لتحقيـــق هدف مـــا لصالـــح مفتعلها .
  • .أســـلوب الاســـتنكار : وهو أســـلوب شـــائع تســـتخدم به محتوى يثير عند الاخرين تحفيزا استنكاريا ممـــا يدفعهـــم الـــى اســـتقبال الشـــائعة وترويجهـــا او الوقـــوف ضدهـــا فـــي الحـــالات المعاكســـة
  • .أســـلوب التربيـــة : وهـــو أســـلوب شـــائع فـــي المجتمعـــات التي تكـــون فيهـــا المعتقـــدات والقصص الخرافية والاوهام منتشـــرة و تســـتخدم الأسر الشـــائعات المعتمدة على الاساطير والخرافات لاسيما مـــع مـــن هـــم في ســـن الطفولة لـــزرع الخوف والرعـــب وتبقى تتناقلهـــا الأجيال .
  • .الأســـلوب الفنـــي : ويســـتهدف الوقـــوف ضـــد الثقافـــات الأخـــرى التـــي وصلـــت الـــى المجتمـــع فـــي ظـــل التكنولوجيـــا الحديثـــة والتـــي تـــروم تحقيـــق اهـــداف معينـــة تـــم صياغتهـــا على وفـــق قوالب اعلاميـــة واتصاليـــة وبأشـــكال جميلـــة وجذابـــة لإشـــاعة مفاهيمهم وقيمهـــم الغريبة عـــن مجتمعنا . مثل الاعجاب بشخصياتهم ,ملابســـهم وشـــعائرهم وســـلوكياتهم الاجتماعية والتجاوز علـــى حرمـــات الديـــن والعقيـــدة والنـــاس وزعزعـــة الامـــن النفســـي وإشـــاعة الخوف وغيـــر ذلك.

 

مواجهة نشر الشائعات قانوناً

شكل الشائعة ضغطاً اجتماعيا مجهول المصدر يحيطه الغموض والإبهام، وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام، ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات، وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار وتستهدف القناعات الراهنة للرأي العام والمستقرة في ذهنية المتلقي بغية التهيئة لغايات معينة، يتوقف سريانها كما يرى عالم النفس (مونتغمري بلجيون) على الشك والغموض في الخبر أو الحدث، فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال للشائعة. وتتعامل السياسات الجنائية مع السلوك المجرم بكافة التدابير والإجراءات المستخدمة بما في ذلك الوقاية والمنع والتجريم والعقاب، واستجابة لمتطلبات التجريم والعقاب ولما تحدثه الشائعات من تأثير كبير في الرأي العام وانعكاساته على المجتمع والسلم الأهلي فقد جرم القانون الشائعات الكاذبة. والشائعة: هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها. ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع والباحثين وتفتقر هذه الشائعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار. وقد تعامل القضاء تطبيقا مع مرتكبي جرائم الشائعات بكل حزم نظرا لصرامة النصوص المجرمة والتي يرجع في اسباب تشريعها إلى عنصرين أساسيين : التأثير السلبي للشائعة على الرأي العام و تجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون. وتؤسس الشائعة ركنها المادي المكون للجريمة على عنصري (الخطر والضرر ) والعلاقة السببية التي تجمعهما لتكوين النتيجة الضارة يرافق ذلك قصد جرمي لدى الفاعل  المروج للشائعة مفاده الادراك والعلم بما يقوم به. وبالاطلاع على النصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 المعدل المتعلقة بجريمة بث الشائعات الكاذبة باعتبارها من الجرائم الخطرة الماسة بأمن البلد نرى بانها حددت الشائعة المغرضة في زمن الحرب حيث نصت المادة 179_1(يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين من اذاع عمدا في زمن الحرب اخبارا او بيانات او شائعات كاذبة او مغرضة او عمد الى دعاية مثيرة و كان من شأن ذلك الحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد او بالعمليات الحربية للقوات المسلحة او اثارة الفزع بين الناس او اضعاف الروح المعنوية في الامة). ونصت الفقرة الثانية على ان تكون العقوبة السجن المؤقت اذا ارتكب الجريمة بنتيجة الاتصال مع دولة أجنبية فإذا كانت هذه الدولة معادية كانت العقوبة السجن المؤبد، و في المادة 180 من قانون العقوبات العراقي ( يعاقب بالحبس كل مواطن اذاع عمدا في الخارج اخبارا او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة حول الاوضاع الداخلية للدولة و كان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او النيل من مركزها الدولي او باشر بأية  طريقة كانت نشاطا من شأنه الاضرار بالمصالح الوطنية، و تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات اذا وقعت الجريمة زمن الحرب )، كذلك المادة (304) من قانون العقوبات والتي جاءت تحت عنوان الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة فنصت على ما يلي : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من اذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شان ذلك إحداث هبوط في اوراق النقد الوطني او أضعاف الثقة في نقد الدولة او سنداتها او اية سندات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني او الثقة المالية العامة).وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من اذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شان ذلك إحداث هبوط في اوراق النقد الوطني او أضعاف الثقة في نقد الدولة او سنداتها او اية سندات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني او الثقة المالية العامة).

والشائعات المجرمة ترتبط بتكديرها الرأي العام واعتدائها على الأمن العام للدولة وزعزعة الثقة بها وبمصالحها الحيوية التي تشكل مرتكزاتها الداعمة وأهمها الاقتصاد والعملة والأمن الداخلي. ويتداخل كثيرا مفهوم الشائعات الكاذبة مع جرائم القذف التي تقوم على إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية وكانت الواقعة غير صحيحة وهو ما نجده تطبيقاً في الشكاوى التي تقام على الغير الذي يرتكب الجريمة بواسطة شبكة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة ضد الأشخاص الذين يتولون مناصب في الحكومة او الدولة أو أشخاص معروفين كالفنانين والأدباء ورجال الدين وغيرهم والحاجة ملحة لوجود تشريعات ضابطة للسلوك المرتكب بواسطة وسائل الاتصال الحديثة ومواكبة التطورات التقنية في عالم الاتصالات ومشروع جرائم المعلوماتية إحدى التشريعات المهمة لردع السلوك المجرم والترويج للأخبار والشائعات الكاذبة و ما أكثرها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى