
منذ نشأة الكيان اللبناني الحديث، شكّلت الطائفية السياسية ركناً أساسياً في بنيته الدستورية والاجتماعية. ومع أن اتفاق الطائف (1989) وضع خارطة طريق للخروج التدريجي من الطائفية نحو دولة مدنية قائمة على المساواة بين المواطنين، إلا أن الواقع العملي بقي أسيراً للمحاصصة الطائفية والاتفاقات غير المكتوبة، الأمر الذي كرّس خللاً في مبدأ المشاركة والتمثيل السياسي.
على سبيل الحصر لا المثال التمثيل المسيحي الذي يختلف عن الواقع الديموغرافي في لبنان، حيث تشير جميع الدراسات الديموغرافية التي أُجرِيَت أن نسبة المسيحيين في لبنان اليوم لا تتجاوز 18% من مجموع السكان، في حين أن التوزيع السياسي والوظيفي يعطيهم 50% من المناصب في الفئة الأولى والثانية والثالثة، إضافةً إلى مواقع حساسة مثل رئاسة الجمهورية.
وقيادة الجيش.ومديرية المخابرات.
ومديرية أمن الدولة.ومواقع دبلوماسية وسفارات وقنصليات وغيرها بالإضافه إلى 50% من عدد نواب المجلس في البلاد.
هذا التوزيع لا يستند إلى نص دستوري صريح، بل هو عرف سياسي نشأ بعد الاستقلال وتثبّت أكثر بعد اتفاق الطائف تحت شعار “المناصفة” بين المسلمين والمسيحيين. ولكنه غير مُجمع عليه بين اللبنانيين حيث يرفض غالبية المسلمين هذه التركيبه لشعورهم بالغبن السياسي والإجتماعي؟.
إن اتفاق الطائف نصّ بوضوح على؛ إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني أساسي. وإجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي.وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية لاقتراح الطرق العملية لإلغاء الطائفية السياسية.
إلا أن هذه البنود لم تُنفذ عملياً منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما أبقى النظام اللبناني خاضعاً لتوازنات هشة، وعرّضه باستمرار لأزمات سياسية عميقة. والسبب هو تجاهل البعض لمفهوم الميثاقية!.
الميثاقية في النظام اللبناني تقوم على قاعدة عدم تهميش أي مكوّن أساسي من المكونات الوطنية. ومن هنا، فإن انسحاب أي طائفة وازنة، كالمكوّن الشيعي، من الحكومة أو مجلس الوزراء يضع القرارات الحكومية موضع فقدان للشرعية والتمثيل الوطني المتوازن.
وبالتالي، الاستمرار في اتخاذ القرارات من دون مراعاة هذا المبدأ يُعتبر خللاً دستورياً وأخلاقياً، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الوطني. وعلى أرض الواقع فإن جدلية سلاح المقاومة زعزعت الإستقرار وأبآحت لإسرائيل ما كانت تحلم به!.
الجدل القائم حول سلاح حزب الله اليوم يرتبط مباشرة بمسألة السيادة والدفاع الوطني. إلا أن المطالبة المستمرة بنزع هذا السلاح بمعزل عن معالجة شاملة لموضوع السلاح المنتشر بين كافة الأحزاب والقوى، يعتبر خروجاً عن مبدأ العدالة والميثاقية.
وقد أثبتت التجربة أن سلاح المقاومة لعب دوراً حاسماً في حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، ولم يُستخدم في الصراعات الداخلية إلا في ظروف استثنائية مرتبطة بالدفاع عن الوجود.
وخصوصاً أن بعض الفئات اللبنانية الطوائفية تسعى دائماً خلف الحسابات السياسية والمشاريع الفردية لتحقيق مآرب شخصيه على غرار ما يقوم به سمير جعجع. فبعض القوى السياسية، وعلى رأسها القوات اللبنانية بقيادة جعجع، لديها مشاريع تتعلق بمستقبل السلطة ورئاسة الجمهورية. إلا أن رهانهم اليوم على ضرب المكوّن الشيعي ومحاولة إضعاف حزب الله سياسياً وعسكرياً يهدف إلى تمرير أجندات رئاسية خاصه بهم، رغم أنه يضع البلاد أمام مخاطر جدية، متغاضين أن أي إقصاء لفئة لبنانية رئيسية سيؤدي إلى انهيار التوازن الداخلي وإعادة إنتاج أزمات مفتوحة.
يطرح بعض السياسيين والمفكرين الشيعه المؤتمر التأسيسي كخيار بديل
في حال استمر انسداد الأفق السياسي وتعطّل العمل ببنود اتفاق الطائف، وقد يُصرون على طرح خيار المؤتمر التأسيسي، المبني على إجراء إحصاء سكاني حديث يحدد الحجم الواقعي لكل طائفة. وإعادة توزيع الحصص الوظيفية والسياسية على أساس النسب الفعلية. والدفع باتجاه دولة مدنية قائمة على الهوية الوطنية لا على القيد الطائفي. حينها ستتبدل الأمور كثيراً وسيخسر المجتمع المسيحي 32% من إمتيازاتهم لصالح المسلمين الشيعه والسنة والدروز والعلويين؟
هذا الأمر لو حصل وأظن أن جعجع يسوق المسيحيين اليه سيدفع بالشباب المسيحي الى الهجرة من لبنان بكثافه ما ينذر بذوبان المسيحيين واضمحلال نفوذ الكنيسة.
أنا كمفكر مسلم أؤيد هذا الطرح وأنادي بالإسراع به بعدما دفن رئيسي الجمهورية والحكومة إتفاق الطائف بضربهم الميثاقيه وتجاوبهم مع المطالب الصهيوأميركية بتجريد لبنان من قوته.
بيروت في،، 25/8/2025