شهدت العلاقات بين السعودية –وإيران تدهورًا متسارعًا خلال السنوات العشرين الماضية, بفعل التدخلات الخارجية وخصوصاً تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية, وقد شملت نقاط التدهور في العلاقات بين البلدين بعد الحرب السعودية على اليمن, والنفوذ الإيراني المتزايد في العراق، وانعدام الاستقرار في المنطقة بعد الربيع العربي, واقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل حشود غاضبة عقب إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر عام 2016.
إلا أن المتغيرات الحاصلة في طبيعة العلاقات الأمريكية- السعودية أخذت تأثر بشكل كبير على طبيعة هذه الخلافات بين طهران والرياض, هذه المتغيرات في العلاقة جاءت نتيجة تقلب واشنطن في مواقفها تجاه حلفائها في المنطقة, خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان والانسحاب من سوريا عام 2018, وسماح واشنطن لتركيا في أن يكون لها دور محوري في المرحلة المستقبلية, والذي تمخض عنه قيام تركيا بعمليات عسكرية مستمرة على حدودها الشمالية الشرقية والشمال الغربي السوري, ورفض المملكة العربية السعودية التجاوب مع مطالب الرئيس جو بايدن بزيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعاره، وبِما يُساعد الاقتصاد الغربي بتوفير إمدادات بأسعار رخيصة للطّاقة, بعد تأثرها بالحرب الروسية-الأوكرانية .
لذلك جاءت الوساطة العراقية في وقتها المناسب, وقد وفّرت الحوارات المتعاقبة التي عقدت في بغداد منفذًا لمحاولات إعادة العلاقات بين البلدان, بعد وساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فقد عقدت السعودية وإيران خمس جولات من المحادثات بين أبريل 2021 وأبريل 2022، ناقش فيها البلدين الخطوات التدريجية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وخيارات الحد من انعدام الأمن البحري في المياه الواقعة قبالة شبه الجزيرة العربية.
هناك من يراهن على نجاح هذه المفاوضات وعودة العلاقات الدبلوماسية بين كلاً من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية, ولأسبابٍ عديدة، منها التوتّر في علاقة واشنطن والرياض وعدم إدانة الرياض لاجتِياح القوّات الروسيّة لأوكرانيا، وتمسّكها باتّفاقِ أوبك بلس الداعم لروسيا، وزيارة الرئيس الصيني إلى الرياض وعقده العديد من الاتفاقيات الثنائية، واستِعداد الرياض لتسعير النفط بالعُملتين الروسيّة (الروبل) والصينيّة (اليوان) في دَعمٍ أوّليّ للنظام المالي البديل، وهذه كلّها تعتبر عوامل سهّلت من العودة لجولات الحِوار مع إيران استِعدادًا لضُغوطٍ أمريكيّة ليس من مصلحة الرياض مُواجهتها في ظِل استِمرار عدائها لإيران.
هذه المفاوضات قربت بشكل كبير من وجهات النظر بين البلدين, فقد جاء على لسان وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان قبيل انعقاد مؤتمر بغداد2 ” أننا أخوة وأمن المملكة العربية السعودية هو أمننا”, واستعداد بلاده تبادل العلاقات الدبلوماسية مع الرياض ورفع مستوى المفاوضات على مستوى الدفاع والخارجية للدول الخليجية, والتقارب الجديد جاء في أعقاب محاولة أمريكية لإفشاله بتسريب معلومات عبر وكالة “اسوشيتد برس” حول فشل العراق في استضافة الجولة السادسة من المفاوضات بين طهران والرياض بسبب احتجاجات إيران وهو رسالة رد قوية على الأطراف الغربية والولايات المتحدة اللذان تضغطان على طهران بشأن الاتفاق النووي.
وبما لا يدع مجالاً للشك: إن واشنطن لم تعد هي المهيمن الأول عالمياً فيما باتت الرياض تتوجه شرقا للبحث عن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب, كما جسّدت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى السعودية مؤشر على التغير الحاصل في العلاقات الدولية، لعالم تريده الصين وروسيا وإيران, فيما يبقى التساؤل الجوهري: هل ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية تراقب هذا التحول وما هي مصلحتها من هذا السكوت ؟