وصلت المواجهة بين القوات المسلحة اليمنية والقوات الأمريكية والعدو الإسرائيلي إلى الذروة، ولأول مرة في تاريخ اليمن تتلقى العاصمة صنعاء لغارات إسرائيلية.
فجر الخميس الماضي، كان حافلاً بالتطورات، فبعد أيام من التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة قاصمة “لليمن” جراء استمرار عملياته المساندة لغزة، دوت عدة انفجارات جنوبي العاصمة فجر الخميس، في غارات صهيونية استهدفت محطة حزيز للطاقة الكهربائية، بالتوازي مع قصف مماثل طال منشآت نفطية في مينائي الحديدة والصليف غربي اليمن، وتسببت هذه الغارات في استشهاد ما لا يقل عن 10 يمنيين، وإصابة آخرين.
بالنسبة لمحطة “حزيز” الكهربائية، سبق وأن تعرضت لقصف في السنوات الماضية من قبل العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، وهي المحطة الرئيسية في صنعاء التي تزود سكانها بالكهرباء، لكنها عملياً متوقفة عن العمل منذ عام 2015م، وسكان صنعاء يعتمدون على طاقة بديلة من خلال مولدات لشركات خاصة تتوزع على أحياء كثيرة بالعاصمة، ولهذا يمكن القول إن إسرائيل قصفت المقصوف، وأن تأثير هذا القصف على اليمن وسكان صنعاء غير مجد.
الرد اليمني على القصف الصهيوني جاء سريعاً، فبعد نصف ساعة فقط من الغارات الصهيونية على صنعاء، أطلقت القوات المسلحة اليمنية صاروخين باليستيين “فرط صوتي” إلى عمق كيان العدو بمنطقة “رمات غان” في “تل أبيب”، وأحدثا أضراراً كبيرة بحسب وسائل إعلام إسرائيلية التي قالت إن الصاروخين أصابا مبنى في الوسط إصابة مباشرة.
تطورات متسارعة
وخلال الأسبوع الماضي، وجهت القوات المسلحة اليمنية سلسلة من الغارات على الكيان الصهيوني، أبزرها عملية الاثنين الماضي، عندما أطلق اليمن صاروخاً باليستياً “فرط صوتي” على هدف عسكري في “تل أبيب” وأدى إلى دخول ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، وتوقفت حركة مطار بن غوريون، وهو ما أثار غضب الصهاينة الذين خرجوا بتصريحات متعددة تتوعد بالرد على اليمن، وتوجيه ضربات قاسية، منها دعوة المتطرف سموتريتش الذي إلى توجيه ضربة قاصمة لما سماهم “الحوثيين” في اليمن.
وفي سياق هذه التطورات، برزت تحركات موازية في إطار مواجهة اليمن، وثنيه عن إسناد غزة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الأمة.
يتمثل التحرك الأول، في إرسال الولايات المتحدة الأمريكية حاملة الطائرات (يو اس اس هاري ترومان) إلى منطقة العمليات في البحر الأحمر، بالتوازي مع تحركات عسكرية لمرتزقة اليمن المدعومين من السعودية والإمارات في أكثر من جبهة قتالية لمحاولة اشعال الجبهات من جديد، ومشاغلة القوات اليمنية في معركتها المقدسة المساندة لغزة.
لكن الأمريكيين، يخشون من التداعيات جراء دخول حاملة الطائرات ترومان إلى البحر الأحمر، فقد سبق لليمن أن هدد بقصف أي حاملة طائرات تدخل إلى هذه المنطقة، وسبق له أيضاً أن دخل في مواجهات واشتباكات مع حاملات طائرات سابقة وأجبرها على الفرار من المنطقة، كما حدث لحاملة الطائرات “ايزنهاور” و”روزفلت”.
يصف قائد الأسطول الأمريكي الخامس ما يحصل من مواجهات بين البحرية الأمريكية والقوات اليمنية “بالقصة التي لا تصدق”، معترفاً بأن هناك تحدٍ وصفه “بالمتغير”، جراء تنامي قدرات اليمن، معتقداً أنه ليس لواشنطن القدرة لوحدها لشن هجوم واسع النطاق، أو عدوان على اليمن، وهذا العجز الأمريكي في مواجهة اليمن في البحر الأحمر لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة جرأة اليمن في استهداف البوارج والقطع الحربية الأمريكية المنتشرة في البحرين الأحمر والعربي، بالصواريخ والطائرات المسيرة، وبالصواريخ الفرط صوتية، الأمر الذي أحدث ارباكاً كبيراً للقوات الأمريكية، وجعلها في عجز مطلق عن مواجهة اليمنيين لأول مرة في تاريخها.
تحريك البيادق القديمة
وأمام هذا التطورات المتسارعة، والمتمثلة في نقطتين هامتين: الأولى، استمرار العمليات اليمنية النوعية المساندة لغزة باستهداف عمق كيان العدو في تل أبيب، والثاني في العجز المطلق لأمريكا وإسرائيل عن الرد، وفشل الغارات الجوية في اختراق الجدار اليمني، وثني اليمنيين عن مواصلة عملياتهم المساندة لغزة، عادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحريك أوراقها القديمة، محاولة الدفع بالمرتزقة اليمنيين الموالين للسعودية والإمارات لخوض حرب برية في اليمن.
وخلال الأيام الماضية، كثفت السفير الأمريكي ستيفن فاجن من تحركاته المريبة في هذا الشأن، حيث عقد سلسلة لقاءات هامة مع قادة ومسؤولين في الحكومة اليمنية الموالية للسعودية ومقرها في الرياض، بغية إشعال الجبهات الميدانية من جديد.
وللتذكير، فإن اليمن دخل في عدوان سعودي اماراتي مدعوم أمريكياً منذ عام 2015، واستمر حتى الآن، لكن خلال الأعوام الثلاثة الماضية جرى التوقيع على هدنة، أو ما يعرف “بخفض التصعيد”، وبناء على ذلك توقفت المعارك في الجبهات الميدانية، كما توقفت الغارات السعودية على اليمن، والقصف اليمني على السعودية.. الآن يريد الأمريكيون إحياء هذه الحرب من جديد، لكن السعودية لا ترغب في الدخول في الحرب، وكذلك الإمارات.
أما المرتزقة، فإنهم وعلى مدى الأيام الماضية ينشرون أخباراً عبر وسائل إعلامهم ومواقع التواصل الاجتماعي يبشرون باقتراب زوال حكم “الحوثيين” كما يدعون، معتقدين أن ما حدث في سوريا من اسقاط لنظام الرئيس بشار الأسد، سيتكرر في صنعاء بسهولة، وأن إسقاط الحوثيين سهل للغاية، مطالبين قيادتهم بإعطاء الأوامر، لإشعال الجبهات الميدانية من جديدة.
وفي ظل هذا التصعيد الإعلامي، يراقب “أنصار الله” كل التحركات، بدراسة متأنية، وخطط واعية، فهم من جهة يواصلون حملة التعبئة العامة في صفوف الشعب، من خلال تنفيذ المزيد من الوقفات الشعبية الكبيرة، وكذلك في استقبال الآلاف من الشباب المنخرطين في دروات قتالية، وغيرها من الأنشطة التي تحث على المواجهة، ومواجهة أي تحديات، في حين أن القيادة اليمنية أدلت في أكثر من تصريح بأنها على استعداد لمواجهة أي طارئ، سواء كان من أمريكا أو إسرائيل أو الداعمين لهم، وأن اليمن لن يتردد في استهداف الداعمين كما أكد على ذلك المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، وأنه لا توجد لدى اليمنيين خطوط حمراء لاستهداف أي عدو كما بين ذلك عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي في لقاء تلفزيوني له الثلاثاء الماضي.
الأيام القادمة، ستكون مليئة بالأحداث الساخنة في اليمن، فالأمريكيون يقصفون صنعاء، وقد اختاروا مقر وزارة الدفاع بالعاصمة صنعاء، ليكون هدفاً لهم يوم الثلاثاء الماضي، وأحدث القصف أضراراً بليغة في المكان، والصهاينة يستهدفون المنشآت الحيوية، والمرتزقة يحتشدون في الخطوط الأمامية في جبهات متعددة، في حين تستعد صنعاء لهذا كله، وتؤكد أنها لن توقف الدعم المساند لغزة مهما كانت التحديات، وأنها على استعداد لمواجهة كل أعدائها سواء في الداخل أو الخارج.