ثلاثة جزئيات في مشهد معقد يشوبه الارباك تحدد مساراته الخشية من المتغيرات الاقليمية والدولية المتسارعة التي برزت بعد ٧ اكتوبر ،فالعالم اليوم بات عرضة للتغيير وهو يسير باتجاه الصدام لأن قرارات القطب المتحكم لا تعير القوانين والانظمة السائدة اي اهمية، ما يهدد مصالح قوى اخرى نمى بعضها وتراجع بعضها الاخر، وبالمحصلة فأن هذه القوى بين من يريد مواصلة مسار الصعود كالصين، وبين من يريد العودة اليه مثل روسيا التي باتت ضعيفة و مهددة بفقدان مصالحها ونفوذها وصورتها كبلد يحسب له حساب ،الحال ينطبق على فرنسا وتراجع دورها ،وبريطانيا التي ترى نفسها بلدا لا يمكنه الصمت طويلا ، ليحسب حسابها بعد رسم خرائط النفوذ .
الجزئية الاولى : وهي ترتبط بخريطة الشرق الاوسط وما يعنيه التصريح بمشروع الشرق الاوسط الجديد الاسم المجمل ( لاسرائيل الكبرى) ، الذي باتت الخشية من تحقيقه تهدد وجود البلدان القائمة فلا سوريا ولا الاردن و لبنان والعراق ومصر والسعودية والكويت واليمن وحتى تركيا وايران، بمنأى عن مخطط التغيير الصلب الذي تقود مقدماته للاحتراب والتدمير، فتنشأ على انقاضه دويلات جديدة بأقتطاع اجزاء من اراضي بلد لتدمج مع اجزاء من بلد اخر ،لتنتج بلدان جديدة و تمحى اخرى ويزول ذكرها تماما ،والهدف ليس اعادة تسميات البلدان او لتكون اقل قوة فحسب، بل ليوكل امر قيادتها وتسيير شؤونها لوكيل اميركي اسمه (اسرائيل ) ،التي ترسخت فكرة قبولها لدى انظمة المنطقة الحالية ، ما يعني اعادة شكل وصفة اسرائيل من كيان يبحث عن الاعتراف ،الى صانع قرار صارم ، فالاميركيين يرغبون بفسح المجال لوكيل مسلح يمثل رؤيتهم بقوة تدميرية هائلة ..
الجزئية الثانية : وهي مرتبطة بالاولى ، وتتمثل بمصادرة ادوار القوى الاقليمية تدريجيا ،فأيران مستهدفة لانها تعلن العداء وحتى وان لم تعلنه، فهناك توجه لمصادرة جزء من اراضيها وتهديد استقرارها وجغرافيتها، والحال ينطبق على تركيا التي تدرك تلك المخاطر وقد توهمت بدخولها الى سوريا ،بانها تستطيع مواجهة المشروع باستباقه والتماهي مع من يخططون له ،وقد تناسى ساساتها ان حلمهم التوسعي مهدد بوجود قوى معارضة ليس لحلمهم بل لوجود تركيا بشكلها الحالي فلعب دور المتخادم مع المشروع الجديد لن يفيد تركيا بل سيستنزفها ويثير حفيظة هؤلاء الاعداء ، ويدفعهم لدعم المعارضين لها من الكرد الذين يراهنون بدورهم على صفقة وعدتهم بها اميركا مقابل السمع والطاعة، بأختصار ان الدور القادم يشير لحاجة الكيان اللقيط لجار جديد ينطلق من نفس الادبيات العنصرية التوسعية ،وليس خافيا ان حملات التثقيف القائمة حاليا وبث الادعاءات التاريخية بالحق الكردي في الارض ،وهو تزييف متعمد ومقصود حيث تعمد جهات مرتبطة بالمشروع في اعادة كتابة رواية تاريخية تقول ان شعوب المنطقة الغابرة من سومريين واشوريين وميديين وحيثيين وغيرهم اقوام بهوية كردية ، وغيرهم من العرب والترك والفرس وافدين محتلين لا حق لهم ، لذلك فأن وجود كردستان الكبرى التي يبشر بظهورها الاميركيين ويدعمها الصهاينة بقوة ليست ببعيدة عن مشروع ستعلن صفحاته تباعا ، والامر ليس سرا ،وهو ما تتخوف منه البلدان التي يقطنها الكرد بطموحاتهم القومية المعروفة ،والذين ينتظرون واقعا جديدا يمكنهم من اعلان دولتهم بعد تفكيك بلدان المنطقة سيما تركيا وايران .
الجزئية الثالثة : ترتبط بالموقف الاميركي من المشروع الصهيوني الذي يصطدم بوجود حلفائها الاوفياء الذين لازالوا يقدمون لها فروض الطاعة والولأء كبلدان الخليج واهمها السعودية اضافة لمصر ،والحقيقة المجردة تقول “ان المشروع الصهيوني يستهدف التوسع والامتداد في المنطقة كطرف مستثمر و منتصر نهائي” ، للايضاح فان هؤلاء الحلفاء سيتقلص نفوذهم حسب الرؤية الاستراتيجية الاميركية التي تفضل وجود حلفاء صغار جدد لها في المنطقة ،سواء من البلدان المحيطة بجغرافيا فلسطين المحتلة او لما هو ابعد منها بقليل ،فالهدف يقضي بتوسعة اسرائيل المزعومة وتنصيبها سيدا للمنطقة على حسابهم، وتقسيم المقسم هدف معلن لا بديل عنه في هذه الرؤية ، فايران وتركيا والسعودية ومصر وحتى العراق سواء كانت حكوماتهم ذات توجهات تطبيعية او مناوئة او منافسة، لن تكون قادرة على التحرك والوقوف بوجه الكيان المزعوم فعليا ، وربما اذا ما استتبت الاوضاع وجرى تنفيذ المخطط كما يحلم الصهاينة وحلفائهم ، فاننا سنشاهد واقعا مختلفا تتحكم الصهيونية فيه بقرار المنطقة وثرواتها الهائلة، والتي سيجري تقاسمها وضمان حصص القوى الغربية بشكل اكثر مما هو عليه الان .ان التغيير الذي شهدته سوريا ووضعها الجديد لا يخرج عن هذه الدائرة ،وسيجري استكمال تجزئتها وترسيخ الواقع الطائفي والاثني فيها كخطوة اولى، وان بدى شكلها موحدا الا ان التقسيم سيكون واقعا ،عبر تكريس المناطقية والتناقضات، التي تنشأ من جراء ذلك وهو ما يجعلها ضعيفة ، وستفقد مكوناتها الاجماع حول القضايا التي تهمهم كمنتمين لسوريا الموحدة ، وستحول انظارهم لما يعزز حكم مناطقهم بمعزل عن بقية الارض السورية ،ويقلل من اهتمامهم بما يجري من حولهم، وهو غاية ما تبتغيه اميركا والغرب الاستكباري، الذي يسلب بلدان المنطقة قوتها وقرارها ،ويجعل موقعها و ثرواتها بيد قوى اخرى تستثمرها لمصالحها لاغير ..