شؤون اقليميةمقالات

حرب التسريبات في العراق: إلى متى تستمر؟

كتب رياض الفرطوسي

بعد أكثر من عشرين عاماً من الأزمات السياسية والتوترات بين الأحزاب والتيارات المتنافسة في العراق، بدأت ظاهرة التسريبات الصوتية لمسؤولين وساسة تكتسب بُعداً جديداً. في الفترة الأخيرة، غدت التسريبات الصوتية مادة دسمة للجدل في الشارع العراقي، وتزداد انتشاراً مع اقتراب الانتخابات التشريعية. تُظهر هذه التسريبات جوانب مظلمة للصراع السياسي وتكشف عن توترات وخلافات لم تكن معروفة للعامة، مما يزيد من حالة عدم الثقة بين الأحزاب السياسية ويجعل الشارع العراقي يتساءل عن حقيقة الأمور. تشير التسريبات الأخيرة إلى أن هناك من يستغلها كأداة لتصفية الحسابات السياسية، وربما يكون الغرض منها هو تقويض خصوم سياسيين أو تدمير سمعة شخصيات مؤثرة. ورغم الاهتمام الإعلامي الكبير الذي تحظى به هذه التسريبات، إلا أن الجهات المسؤولة، سواء كانت الشخصيات المعنية أو الجهات الأمنية، لم تصدر حتى الآن أي بيانات رسمية تنفي أو تؤكد صحة هذه التسجيلات. هذه الازدواجية في التعامل مع التسريبات تعكس حالة من الغموض والإبهام، وقد تشير إلى أن هناك جهات غير معروفة تسعى إلى ضرب الاستقرار وزرع الشكوك بين الأحزاب المتنافسة .
الأسئلة التي تُطرح الآن هي: من يقف وراء هذه التسريبات؟ وكيف سُجِّلت وسُرِّبت بهذه السهولة؟ حتى الآن، لم يتم تحديد المسؤول عن هذه التسريبات، ولم يتم اتخاذ خطوات واضحة لمعالجة المشكلة. هناك تكهنات بأن جهات داخلية أو خارجية قد تكون متورطة، سواء كانت جهات معارضة ترغب في إضعاف النظام، أو أطراف سياسية تسعى لإحراج خصومها من خلال كشف معلومات حساسة. إن استمرار التسريبات دون أي تحقيقات جادة أو إجراءات قانونية يعزز من حالة عدم الثقة في المؤسسات السياسية والأمنية في العراق. هذه التسريبات لا تؤدي فقط إلى تقويض صورة السياسيين، بل تضعف ثقة المواطن في العملية السياسية ككل، مما يُعقد من إمكانية إقناعه بالمشاركة الفعّالة في الانتخابات المقبلة. فمع تزايد التسريبات، يرى المواطنون أن الساحة السياسية مليئة بالتلاعب والكذب والنفاق، مما يجعلهم يتشككون في مصداقية جميع الأطراف . حتى الآن، لا يبدو أن هناك استراتيجية واضحة لوقف التسريبات أو الحد من انتشارها، مما يفتح الباب أمام المزيد من الفضائح التي قد تظهر في أي لحظة. ومع غياب التشريعات التي تجرّم هذا النوع من التسريبات أو تفرض عقوبات على من يقف وراءها، فإن الأفق مفتوح أمام حرب التسريبات للاستمرار والتصاعد. يبدو أن القوى السياسية غير قادرة أو غير راغبة في إغلاق هذا الباب، ربما لأنها تجد فيه فرصة لكسب نقاط ضد خصومها . لوقف حرب التسريبات، يجب أن تكون هناك إصلاحات أمنية وقانونية جادة تضمن حماية المعلومات الشخصية والحساسة للمسؤولين. كما يجب أن يتم إنشاء لجان تحقيق مستقلة تتابع هذه القضايا، وتكشف عن المتورطين، وتفرض عقوبات صارمة على من يقوم بتسجيل وتسريب المعلومات دون وجه حق. إن تفعيل قوانين تعزز من الشفافية وتحمي الخصوصية قد يكون خطوة فعّالة في إنهاء هذا النزيف الإعلامي الذي يمس بمصداقية الساحة السياسية . تستمر حرب التسريبات في العراق كظاهرة مقلقة تعكس حالة الانقسام والتوتر في المشهد السياسي وتفشي الفساد . ومع غياب الشفافية وعدم وجود إجراءات رسمية للحد من هذه الظاهرة، يبدو أن هذه التسريبات ستظل تلعب دوراً محورياً في زعزعة الاستقرار السياسي وزرع عدم الثقة بين الأحزاب. إن لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة هذه الظاهرة، فقد تتحول التسريبات إلى سلاح دائم لتصفية الحسابات السياسية، وتبقى الصورة السياسية في العراق أسيرة الفضائح وعدم الاستقرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى