هاجمت ايران الأراضي (الاسرائيلية) في نيسان الماضي، وعادت الكرّة بطريقة مضاعفة ودقيقة ونوعية في الاول من اكتوبر الجاري، ونيرانها غطّت سماء دولة (إسرائيل) مرتين خلال اقل من نصف عام.
إيران بين الضربتين.
تغولت إسرائيل كثيرا بعد الضربة الإيرانية الاولى، وروجت على انها ضربة “شكلية” وقد صدق بروايتها اغلب بلدان المنطقة، لذلك اخطأوا الموقف والتقدير، وتقدموا خطوة نحو التطبيع “الشعبي”.
ما بين العمليتين، قامت (إسرائيل) بعمليات اغتيال عديدة شملت كبار قادة المقاومة، فضلا عن مجازر الابادة الجماعية التي ترتكبها ضد المدنيين.
ماذا لولا الغرب؟
إسرائيل إذا ما تم تعريفها كدولة، لم تكن متفوقة ذاتياً في عمليات الاغتيال والقتل الجماعي؛ انما بالحماية الغربية عموما والأمريكية خصوصا. امريكا والغرب، لا يحمون إسرائيل لأنّ فيها شعب مضطهد تاريخياً او نتيجة لشعور بذنب ارتكاب “المحرقة” ضدهم؛ انما يمثّل الكيان قاعدة تابعة للناتو، او ولاية أمريكية منفصلة جغرافيا تشبه إلى حد ما مدينة كالينينغراد الروسية التي لا ترتبط بحدود برية مع روسيا، فما موجود من سلاح ودفاع وقرار سياسي او اقتصادي، هو أمريكي بالدرجة الاولى، ولكون أمريكا سيدة الناتو، فالاخير يتجمع كلّه الناتو لحماية إسرائيل والدفاع عنها، ومن هذا المنطلق فأنّ إيران بمواجهة مباشرة مع دول الناتو.
الغرور المكسور..!
وما يعزز فرضية كون إسرائيل قاعدة للمصالح الغربية، هو الخلافات الحادة بين الرئيس الفرنسي ماكون ورئيس وزراء الكيان نتنياهو بخصوص لبنان التي تعيرها فرنسا اهتماما خاصا، ربما حسم ذلك الخلاف نسبيا لصالح رئيس وزراء إسرائيل، لذا كان الغرور واضحا على نتنياهو وهو يبشّر بشرق اوسط جديد يتشكل تحت نيران طائراته ومدافعه الغربية. وعلى الرغم من الإسناد الغربي، بيد أنّ أمريكا حاولت ثنيّ إسرائيل عن مواصلة غرورها.
لم يدم ذلك الغرور سوى ايام قليلية، ففي فجر الاول من اكتوبر ٢٠٢٤ فشل “مقلاع داوود” و “القبة الحديدية” في التصدي الصواريخ البالستية و “فرط الصوتية” الإيرانية التي وصلت أهدافها العسكرية والامنية بكل أريحية.
جولة الوزير المنتصر..!
بعد الرد، جاب وزير الخارجية الإيراني دول المنطقة التي استقبلته بهيئة المنتصر، ولولا الصدمة التي عاشتها دولة الكيان الاسرائيلي، ما اعادت تلك البلدان حساباتها بما يضمن بقاء خيوط التواصل مع طهران قائمة. لقد فضحت قوّة الرد الإيراني رواية “الردع” الذي لا يقهر، تلك الرواية التي يروّج لها الغرب عموما. ثمة أمل يلوح في أفق التطبيع؛ ذلك الناتج عن خطابات نتنياهو وغالانت وتهديدهم ايران بضربة “ساحقة”.. وانتظر العالم ثلاث أسابيع، وكان الهجوم الإسرائيلي ضد ايران أقسى على إسرائيل من الرد الإيراني عليها! حيث رسّخ ذلك الهجوم حقيقة ضعف الكيان وتفوق إيران، لذا أبكرت السعودية بالإدانة ولحقتها دول عديدة تسير في قطار التطبيع.
هل اسرائيل عاجزة؟!
لو اراد الكيان ان تكون ضربته موجعة لطهران فهو قادر بحكم لأنّ العالم الغربي بقيادة أمريكا سيقف خلفه، وهو يريد ذلك الإسناد والدعم وطالما سعى إلى توسعة نطاق الحرب، غير أنّه لا يمتلك قرار حربه وسلمه، ومن يمتلك ذلك القرار هو الأمريكي الذي لا يعرف غير لغة القوّة، ولو كانت إيران ضعيفة لما تردّد بضربها، لكنّه يدرك جيدا ما لا يعرفه غيره.. ايران انجزت سلاح ردعها، ولو كان الرد الإسرائيلي عليها موجعا، فلن تتوانى عن إزالة الكيان الاسرائيلي او قاعدة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وحينها تنكفأ الولايات المتحدة إلى غرب المتوسط!
الشرق الجديد..!
وسط تلك الاحداث الكبرى في المنطقة، تراقب الولايات المتحدة بقلق شديد ولادة مولود جديد ينافس سيادة الدولار عالميا، ذلك الذي اعلن عنه الزعيم الروسي فلاديمير بوتن في قمة بريكس وهو عملتها التي تشتمل على أعلام دول يتميز بعضها بالتفوق العسكري والجغرافي كروسيا، وأخرى بالنفوذ الاقتصادي والتكنولوجي كالصين، بالإضافة إلى الهند وغيرها من البلدان التي لها مكانة اقتصادية وسياسية دولية. هذه المجموعة تنتمي لها إيران الصاعدة عسكريا وتكنولوجيا، وبالتأكيد لا تريد الولايات المتحدة التفريط بما تبقى لها من خلال الانجرار إلى حرب طاحنة بينها وبين شرق سياسي يشكّل اكثر من نص مساحة العالم جغرافيا وله ما يعادل ذلك او يفوقه اقتصاديا، فالصين والهند، مثلا، تعد من اكبر المستوردين للنفط وهو ما يجعل الدول المنتجة تتّجه نحو “بريكس” اكثر من توجهها نحو الغرب الذي يستهلك اقتصاديات تلك الدول.