كربلاء! ما كربلاء! وما أدراك ما كربلاء!
مَدرسةُ الحق … المليئة بالدروسِ والعِبر، والعظيمة بِالفِداء والتضحية، والسامية بِالأخلاق والقيم الإنسانية. إنَّها تُعلِّمنا في الحياةِ كيف نَحيا أحرارًا ونموتُ شُرفاء. لم تَنفرِد كربلاء بِالعصرِ الأُموي، ولم تنطوِ بطيِّ النِسيان في عام 61 الهجري، وليست رواية شاذّة أو قِصّة غير موثوقة، بل هي بعيدةٌ عن كُلِّ المُسمّيات غيرِ الصحيحة كالفتِنة والطائفية والنزاع على السلطة؛ فقد دوَّن المُؤلِّفون والرواة والمُحقّقون والعلماء الكِرام والكُتّاب بأقلامٍ حُرّة وبِأحبارٍ مُخضّبة، كتَبوا ما كتبوا ولم يكتَفوا، قرنًا تلو قرن، وجيلاً بعد جيل، وكربلاء لا تزال تلك الشرارة السرمديَّة التي تَخفِقُ بأرقى المفاهيم وتنبِضُ بأعلى المعالِم. بالمقابل قامَ المشروع الأموي بِالقتلِ والسبي والتهجير والتشويه وإلباس الحق بِالباطل وفِعل ما فعل، في النهاية زال مشروعهم وبَقيت كربلاء، وانتصر الدم على السيف. إنّ واقعة كربلاء حينما نعودُ إليها ونُقيمُ عزاءً بِحلولِها، يجب أن نعود ريثما في واقعنا أصبحت كُلّ أيامُنا عاشوراء وكُلّ أرضُنا كربلاء، كما عبَّر وطبَّقَ بذلك الإمام السيِّد روح الله الخُميني (رضوان الله تعالى عليه).
أي نكون عاشورائيين كربلائيين، دون ذلك يعني نحنُ بعيدون عن رسائل وأهداف وأخلاق وغايات كربلاء . كربلاء، منهجيةٌ مُحمَّديةٌ تربويةٌ تعبويةٌ تحتاج الإحياء بالاقتداء العملي، وليست طقوسًا، ولم تأتِ لتكون فقط قِصة حزينة نَذرِفُ الدموع عليها ثُمَّ “The END”. كربلاء، إنني أَجِدها حقّقت ما تفتقِرُ إليه البشرية كثيرًا منذ عهد آدم (عليه السلام)، فقد أتت وجدّدت روحَ الإنسان والإسلام من جديد في مُقاومةِ الطُغاة المُنحرِفين، وسطَّرت في التاريخ عُمقًا أخلاقيًّا إنسانيًّا وبُعدًا ثوريًّا، وخلّدت بوقائعها الآثَرية والعظيمة معنى حقيقيًا كما أفاد الإمام الحُسين (عليه السلام) قائلاً : ” ألا تَرَونَ أنّ الحَقَّ لا يُعمَلُ بِهِ، وأنَّ الباطِلَ لا يُتَناهى عَنهُ!، لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ اللّه ِ مُحِقّا، فَإِنّي لا أرى المَوتَ إلّا سَعادَةً وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما“. كربلاء ، فبِما في أهميةِ موقعِها الحيوي في الأُمّةِ الإسلامية وبتوجيه القيم والرسائل الإنسانية الإسلامية، لقد دارَ بِها الصِراعُ بين الخيرِ والشرّ، بين خطِّينِ الحق والباطل، بين الإسلام الصالح المُستقيم والإسلام الطالح المُنحرِف، بين الإمام الحسين السِّبط (عليه السلام) وأهله وأصحابه الكِرام والفاجر يزيد وجيشهُ المُستبِّد (لعنةُ الله عليه) .
اليوم، يعيشُ حقيقةً محور الجهاد والمقاومة أجواءًا عاشورائية كربلائية صحيحة، ومع عدم قياسنا لتلك الواقعة الأليمة والاستثنائية، فإنّ رسائل كربلاء وأهداف كربلاء وأخلاق كربلاء هي مَن تُنفّذ وتُقتدى في هذا المحور المبارك والشريف في زماننا اليوم، أراهُ ينتصِر حقًا للإمام الحُسين (عليه السلام) وللمظلومين بهذا الزمان الجاري، لأنّه تحرَّك باخلاصٍ وتفانٍ، ومُستشِعرٌ لعظمةِ تلك الواقعة بِما فيها من المسؤوليات الشرّعية القائمة. بالتالي، أصبحَ حُسينيًّا، هدفه، رسائله، تضحيته، غايته،مجالِسه، أمّا البقية من يُقال عنهم حُسينيون، لا أعلم ماذا أقولُ عنهم سِوى أن أقول أنّهم لم يستشِعروا عظمة كربلاء ولا يَعرِفوا معنى الحسين .