أصبحَ التيار ليس معارضاً للدستور وللنظام ، وانما رافضاً لهما ، ولمنْ يؤمن بهما ،من سياسيين و مواطنين ، وهذا ما صرّحَ به السيد ،علناً ، في خطابه بتاريخ ٢٠٢٢/٨/٣ ، حين طالب بتغيير حتى الوجوه السياسية القديمة . أصبح العراق ، للاسف ، شعباً و دولة ،لهما شواهد في التاريخ و الحضارة ، رهينةً ، وبأسم الحريات و الديمقراطية ، بين اقتحام و اعتصام و خطابات و مطالب غير دستورية يقودها التيار الصدري و بين عجز الاطار التنسيقي في المضي بالاجراءات الدستورية المطلوبة لتشكيل حكومة تتولى ادارة البلاد و الحفاظ على الامن .
غاية الاصلاح التي ينشدها التيار لا تُبرّر ما أقدموا عليه اتباعه و لا تبرّر ما وردَ في خطاب السيد مقتدى في يوم ٢٠٢٢/٨/٣ : اقتحام مجلس النواب و تعطيله عن العمل ، وتحويله وساحاته الى مكان لممارسة الشعائر المذهبية،و مطالبة الشعب و قوات الامن بالخروج عن النظام العام وعن الدولة ، والالتحاق بالثوار ، من اجل تغيير النظام السياسي و الغاء الدستور الخ …جميعها افعال تخالف الدستور ، وخارجة عن القانون ، وتهدّد أمن الدولة والمجتمع، و تسئ الى مكانة وهيبة الدولة .
لا يمكن تحقيق الاصلاح او التغيير ، وهو الهدف المنشود و مطلب الجميع ،الاّ عبر الوسائل الدستورية و القانونية المتفق عليها من قبل كافة مكوّنات الشعب العراقي ، و وفقاً للآليات المنصوص عليها في الدستور .
التيار لم يعُدْ قوة نيابية ،بعد استقالة جميع اعضاءه ، ولكن ،بكل تأكيد ،لايزال قوة سياسية لها دورها في الشارع وبين الشعب ، وهذا ما يفسّرُ رفض السيد مقتدى الاحتكام الى البرلمان و الى الآليات الدستورية ، و تمسكه بأيصال مطالبه و صوته من خلال التظاهرات و الاعتصامات و تغريدات وزيره و خطاباته التوجيهية .
وهذا يفسّر ايضاً مطالبة السيد مقتدى بأجراء انتخابات جديدة ، لانها ( واقصد الانتخابات ) ستكون باب عودة التيار الى قبّة البرلمان .
مطالبة السيد بأجراء انتخابات تناقض دعوته لتغير النظام والوجوه والدستور ، لأنّ الانتخابات ستتم وفقاً للدستور و النظام و ستتنافس ذات ” الوجوه ” التي يسعى السيد الصدر ازاحتها من المشهد السياسي ، وبعد نتائج الانتخابات ( بأفتراض اجراءها) سيجلس التيار و بتوجيهات السيد مع ذات الوجوه من اجل التوافق على الحلول المطلوبة !
مَنْ يروم تغيير النظام و الدستور والوجوه ،لا يطالب باجراء انتخابات مبكّرة ،عليه إماّ استنهاض الشعب وقيادته للمطالبة بأجراء استفتاء ، و إما القيام بثورة ، و إمّا العودة الى مجلس النواب و اتباع الوسائل الدستورية المنصوص عليها ، وخاصة المادة ٦٤ من الدستور .
أزاء ارادة التيار الصدري الرافضة للدستور والهادفة الى التغيير ، عبر وسائل الاعتصام و حّل مجلس النواب و انتخابات مبكّرة ، يراوح الاطار التنسيقي في مكانه ، عاجزاً عن اتخاذ قرار بتشكيل حكومة مصغّرة ،لمهام محدّدةو لمدة محدّدة ، ويفقد الاطار ، يوم بعد يوم ، فرصه .
يمكن للاطار التفاهم مع التيار الصدري على اجراء انتخابات مبكرّة ، ولكن بعد تشكيل الحكومة ، وحّل مجلس النواب.
بقلم : د.جواد الهنداوي
سفير سابق /رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل