ولد الهجوم الذي تعرضت له اسرائيل في 7 اكتوبر حالة من الحيرة والارتباك وفقدان التوازن وعدم التصديق على مستوى سياسي واجتماعي وفكري بسبب الضربة المفاجئة وهو ما شكل نوعا من الاذلال لقوة اسرائيل وجرح لنرجسيتها المعروفة ‘ في نفس الوقت كان لهذا الامر نقطة تحول يتعلق بمسار القضية الفلسطينية وبميزان القوى في منطقة الشرق الاوسط . لقد شكلت هذه الصدمة لدى الجانب الاسرائيلي سلسلة من ردود الافعال والتي هي عبارة عن مزيج بين الانتقام واستعادة الهيبة والكرامة حينما حاولت ان تلقي على الفلسطينيين بما معدله طن من القنابل يوميا على غزة . محاولة منها لارضاء الشارع الاسرائيلي كطريقة سياسية دفاعية فضلا عن امتصاص ردود هذه القضية وتأثيراتها النفسية اسرائيليا . لازال الفهم الاسرائيلي للامن وحربها مع الفلسطينيين وحتى مع العرب يعتمد على مجموعة امور منها : استنزاف الشعب الفلسطيني من خلال الهجمات والمضايقات ‘ وهم يفكرون الان بخطة تقوم على اساس تحقيق فكرة عدم العودة لحالة ما قبل الصدمة ( 7 اكتوبر ) بمعنى اخر ايجاد حالة جديدة ما وراء جدار قطاع غزة اي محاولة تحديد الاطراف المسلحة التي تتخذ من الكفاح المسلح طريقا لاستعادة الحقوق . هذا يعني توجيه ضربة عسكرية الى تلك القوى والى قياداتها ( بحيث ان هذه القوى المسلحة لا تعود تحكم غزة ) والبحث عن طرف اخر يحكم القطاع ( تحت اشراف عربي او دولي ) وما يسمى لديهم بالحلول المبدعة . امريكا تدعم هذا الخيار ولكنه خيار غير مضمون لانه لا يمكن التكهن بسياسة القوى البديلة لحماس وكيف ستتصرف وماذا سيحصل بعد ذلك .هناك الكثير من الاسماء الفلسطينية التي وضعت على لائحة الاغتيالات . هذا الامر ليس بجديد على الوضع الفلسطيني فقد انتهجت اسرائيل سياسة التصفيات والاغتيالات من فترة طويلة جدا وبطرق مختلفة . المعطى الجديد في قضية غزة هو ظهور عنصر اخر من عناصر الصراع ممثلا بالحشود العربية سواء كانت في ساحات الوطن العربي او في العالم اجمع وهو تفاعل نبيل ومشرف. تفاعل هذا الحراك اكثر مع استهداف مستشفى المعمدان والمجزرة التي ارتكبها سلاح الجو الاسرائيلي . لقد سببت المجزرة كارثة حقيقية حيث تمزقت اشلاء الضحايا واحترقت اجساد الاطفال وتحول المستشفى الى ما يشبه بركة من دماء . قلب هذا الحدث كل المعادلات نتيجة هول هذه الجريمة ‘ وجعل الناس تخرج من البيوت للساحات العامة لانها لم تعد تحتمل ما تشاهده من خلال شاشات التلفاز والفضائيات . هناك عوامل يصعب على اسرائيل ان تحسبها في هذه المعركة منها
اولا : حجم المقاومة التي ستواجههم في حال دخول مدينة غزة
ثانيا : جيش الاحتلال الاسرائيلي وجبهته الشمالية وماذا سيحصل مع حزب الله وسياسة الردع التي اتبعها الحزب من حيث الشكل والتوقع . بعد ان اثبت صدارة حزب الله في معادلة الصراع في المنطقة . وهناك خط بياني متصاعد في جبهة اسرائيل الشمالية ربما يقود الى حرب شاملة . لذلك فأن اسرائيل مترددة في اقتحام قطاع غزة مخافة ان لا يترك الحزب اسرائيل تستفرد بالمقاومة الفلسطينية من دون موقف رادع .
ثالثا : هناك ضغط شعبي اسرائيلي على الحكومة الاسرائيلية حول عودة الاسرى من الجنود والرهائن من المدنيين الذين تم الامساك بهم بطرق مختلفة .
هذه النقاط بمجملها لا توجد لدى الاسرائيليين اي اجوبة عليها . الامر الاخر الذي لم يتم تسليط الضوء عليه هو بسبب الحرب في غزة ‘ هي المقاومة في الضفة الغربية حيث تتصرف اسرائيل كما لو انها في حرب ‘ تدخل وتقتل وتستهدف السلميين الذين يقومون ببعض المظاهرات احتجاجا على ما يحصل في غزة ‘ وهي السياسة ذاتها منذ نشوء دولة اسرائيل ولحد الان . سياسة استهداف المدنيين واحدة ‘ سواء في الضفة او في غزة من خلال ضرب المستشفيات والكنائس والمساجد والمقاهي . هم يقولون ما دام المجتمع الفلسطيني قبل احتواء المقاومة ‘ عليهم اذن ان يتحملوا النتائج . والعمليات ظاهرها امني وباطنها نفسي وعنصري فوقي ( استعماري _ كولونيالي ) يعتبر الفلسطيني درجة ثانية .
عربيا : لم نشاهد الحكومات العربية ( من دون تعميم ) مطالبتها وقف العدوان في الايام الاولى وكل ما كنا نسمعه هي مطالبات بعدم اتساع رقعة المواجهة مع اسرائيل ( بمعنى اصح عدم دخول ايران وحزب الله في هذا الصراع ) . الذي شاهدناه لاحقا من مواقف عربية كان مرتبط بضغط الشارع والمظاهرات . وكنوع من استيعاب ضغط الشارع تغيرت مواقفهم باتجاه وقف الحرب والهدنة . سوء التقدير العربي وعدم وجود ثقة فيما بينهم جعلهم قوى ضعيفة ‘ وقد تجسد ذلك من خلال سباق التطبيع مع اسرائيل . الفرصة الان متاحة لخلق موقف موحد على اعتبار ان صوت الشعوب العربية واحد . نشاهد ان الساسة الغربيون في زيارة مكوكية منذ بداية الحرب ولحد الان وهو ما يشكل هاجس قلق لديهم مما سيحصل لاحقا . السؤال ماهي الخطوة القادمة التي يمكن ان تستثمرها الدول العربية من خلال موقفها الشعبي لتوحيد خطابها ضد العدوان والاستيطان والاحتلال . هذه المذبحة المستمرة تحتاج الى موقف لوقفها .