شؤون اقليميةمقالات

سقوط النظام السوري: دروس للعراق وتحديات الأمن الإقليمي

كتب رياض الفرطوسي

مع سقوط النظام السوري، تدخل المنطقة العربية مرحلة جديدة من التعقيدات والتحديات التي لن تقتصر تداعياتها على سوريا وحدها، بل ستشمل العراق ودول الجوار بأبعادها الأمنية والسياسية والثقافية. هذا الحدث ليس مجرد تغيير سياسي، بل يمثل تحولًا مفصلياً في خريطة الشرق الأوسط، حيث تستهدف القوى الدولية والإقليمية إعادة رسم المشهد بما يخدم مصالحها، مما يضع العراق أمام مسؤولية تاريخية . ما هي تداعيات سقوط النظام السوري على العراق ؟ العراق، الذي يعاني منذ عقود من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية متراكمة، يقف الآن على أعتاب مرحلة حرجة. السؤال المطروح: هل سنتعلم من الماضي ونعيد بناء الدولة، أم نستمر في تكرار الأخطاء ذاتها؟ ان استمرار العناد السياسي، والتمسك بالشعارات الفارغة، وعدم معالجة التحديات الهيكلية سيؤدي إلى غرق “السفينة العراقية” في بحر من الفوضى والانقسامات. هناك حاجة ماسة إلى قيادة رشيدة تمتلك رؤية بعيدة المدى، قادرة على تجاوز الخلافات الطائفية والسياسية، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة . ما حدث خلال سنوات الطائفية الدامية في العراق يشكل تحذيراً مما قد يحدث مجدداً إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية للصراعات. انهيار النظام السوري قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الطائفية والقومية في العراق، مع احتمال ظهور قوى عقائدية متصارعة، مثل انقسام عسكري على أسس طائفية يعيد إنتاج مشاهد الاقتتال الداخلي . الأحداث السابقة تُظهر أن انهيار الأنظمة في المنطقة غالباً ما يرافقه تدخلات أجنبية تُحول الصراعات المحلية إلى حروب بالوكالة، كما حدث في ليبيا واليمن. وبالتالي، فإن التحدي الأكبر للعراق هو منع انتقال هذه السيناريوهات الكارثية إلى أراضيه . التاريخ الحديث يؤكد أن هدف التدخلات الدولية ليس إسقاط الأنظمة فقط، بل تفتيت الدول وتحويلها إلى كيانات ضعيفة. في سوريا، تُسعى الأجندات الأمريكية والتركية والإسرائيلية إلى تقسيم البلاد إلى دويلات متناحرة تخدم مصالحها، كما حدث في العراق وليبيا واليمن والسودان وغيرها من الدول العربية . هذا المخطط لا يهدد سوريا وحدها، بل يعيد صياغة المشهد الإقليمي بأسره، ويخلق بيئة غير مستقرة تُغذيها الصراعات الطائفية والاقتصادية . هل سنتعلم الدرس ؟ العراق بحاجة ماسة إلى مراجعة جادة وشاملة لمساره السياسي. الأخطاء السياسية والإدارية التي تراكمت على مدى العقدين الماضيين أضعفت الدولة ومؤسساتها. لا يمكن الاستمرار بنفس النهج الذي يعتمد على استعراض القوة وإغفال حاجات الشعب الأساسية . المطلوب اليوم هو :
اولاً. إصلاح سياسي حقيقي يبدأ بتغيير جذري في الطبقة السياسية ومكاتبها الاقتصادية، وتوظيف الكفاءات الوطنية المؤهلة.
ثانياً.إعادة صياغة الثقافة السياسية التي تقف عند حدود الشعارات دون تقديم رؤية مستقبلية .
ثالثاً.تنظيف مؤسسات الدولة من الفساد، بمشاركة جميع مكونات المجتمع، وبدعم من خبراء في القانون والسياسة والدين .
رابعاً. العمل على مشروع وطني جامع يعزز الهوية العراقية المشتركة ويضع حلولًا عملية للتحديات القائمة.
نحو عراق افضل . إن استمرار الفساد والتراخي أمام التهديدات الأمنية سيؤدي حتماً إلى المزيد من الفوضى. الخيرون من أبناء العراق على استعداد للمساهمة في بناء بلدٍ أجمل وأقوى، إذا توفرت قيادة حكيمة تستمع للنصيحة وتعمل بجدية لتحقيق التغيير المنشود.
سقوط النظام السوري يمثل جرس إنذار، ليس فقط لسوريا، بل للعراق والمنطقة بأكملها. التحدي الأكبر الآن هو استيعاب دروس الماضي والعمل على بناء دولة مؤسسات قادرة على الصمود أمام مخططات التقسيم والتفكيك التي تستهدف المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى