بين المؤسسة الدينية الشيعية واهل الحل والعقد عند السنة : دراسة مقارنة / ولاية الفقيه انموذجاً
بقلم : الشريف عداب الحمش الحسيني
[جملة ”ولايةُ الفقيه“ إذا أطلقت ؛ فإنها تنصرف انصرافاً أوّليّاً مباشراً إلى نظام الحكم الإيراني .. وأنا لست معجباً بالفقيه الإيرانيّ ، ولا بالفقيه العراقيّ ، ولا بالفقيه المصريّ (شيخ الأزهر).
لكنّ المسلمين اليوم يحصدون من السيّئات ، ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، أثراً من انتقاصهم لهذا المصطلح ، ورميهم إياه بالبوائق!.
كلمة (الفقيه) إذا أطلقت ؛ فلا تعني سوى المجتهد ، باتّفاق الشرعيين ، فإذا لم يرَدْ بها المجتهد ؛ قيل: المتفقّه ، أو قيّد بالوصف: فقيه شافعيّ ، أو حنفيّ.
وأصلُ المسألةِ ؛ يرجع إلى الصراع الذي قام بين عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام وبين خصومه ، وخصوصاً معاويةَ بن أبي سفيان.
إذا تجاوزنا مسألةَ الموازنة بين شخصية عليّ التكاملية ، وشخصيات الراشدين السابقين عليه ، رضي الله عنهم.
فلا تتوجّه أدنى مقارنةٍ بين قوام شخصيّة الإمام عليّ ، وقوام شخصيّة معاوية ، والإجماع قائم ، باستثناء النواصب ؛ أنّ شخصيّة عليّ الدينية والعلمية والروحية والحربية في السماء ، وشخصيّة معاويةَ في قاع الوادي!
وإذا كان الإمام عليّ أميرَ كلّ آية قال الله تعالى فيها (يا أيها الذين آمنوا) كما قال تلميذه حبر الأمة عبدالله بن العباس ، رضي الله عنهما.
فإنّ معاوية ينطبق عليه انطباقاً مباشراً قول الله عزّ وجلّ: ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه) “البقرة” ، وقوله عزّ من قائلٍ: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا “الجنّ – 4”.
فكان أنصار عليّ وما زالوا يقولون: عليّ أعلم ، أتقى ، أشرف ، أطهر ، أشجع!
فيواجههم أنصار معاوية بقولهم: معاوية أدهى ، معاوية أسوس ، معاويةُ أسود؟!
فهي موازنة بين تميّز دينيّ راقٍ ، يقودُ إلى رضوان الله تعالى وجنته.
وبين تميّز دنيويّ آنيّ مفترضٍ ، قد يقود في نتائجة إلى التشبّع من حبّ الدنيا والإعراض عن الآخرة.
ولهذا فإن الصراع مستمرٌّ بين الشيعة (أتباع عليّ) وبين أهل السنة الذين يتفاخرون بأنهم أتباع بني أمية الفسقة الفجرة ، وليسوا أتباعَ معاويةَ وحده!
فإذا نحن تجاوزنا التقعيد النظريّ، وانتقلنا إلى الواقع التطبيقيّ ؛ ظهر أمامنا الآتي:
الوليّ الفقيه رجل عالم مجتهد ، عدلُ الظاهر ، ملتزم بشريعة الله تعالى.
ومن وحي اجتهاده يرى تعميمَ (مذهب أهل البيت) المحاَربِ ؛ على جميع أمّة الإسلام “بمعزلٍ عن صواب اجتهاده وخطئه”.
ولم ينقَل إلينا أنّ الوليّ الفقيه الإيرانيّ أو العراقيّ ؛ يزني ، أو يسرق ، أو يرابي ، أو يبذّر أموال الأمة على رغباتِه!
بينما الحكّام غير الفقهاء [السفهاء] يبرز لديهم من السفه والوقاحة والابتعاد عن منهج الله تعالى ؛ ما لا يُحصى!
فواحدٌ من أولئك الحكام ينفق من مال الأمة (450) مليون دولار على لوحة هي في مذهبه الافتراضيّ من المحرمات!
ولسنا ندري ما الذي تأتي به هذه اللوحة من خير لأهل تلك البلاد من المسلمين؟ .. وينفق (300) مليون دولار في سبيل شراء قصرٍ ، قد لا يزوره في كلّ سنة يومين؟ .. ويشتري زورقاً فاخراً ، بمبلغ خياليّ (550) مليون دولار.
هذا حاكم ليس بفقيه ، فما الذي نفع به دينه ومذهبه وشعبه ووطنه؟ .. مثل هذا الحاكم الجاهل غيرالفقيه ؛ يتوجّب الحجرُ عليه لقيام الدليل المادي الظاهر على سفهه ، والله تعالى يقول: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) “النساء – 5”.
وحاكم سفيه غير فقيه آخر ، يزني بامرأة رئيس عربيّ سفيه آخر ؛ ليلةً واحدة فقط ، فيدفع لها من مال الأمة (50) مليون دولار.
وحاكم غير فقيه آخر ، من أجل أن يلعب السفهاء (مونديال) كرة القدم في بلاده ؛ يتكلّف بأكثر من عشرين مليار دولار.
ويزعم الإعلاميون التابعون له ؛ بأنّ قيامَ المونديال في بلده ؛ هو شرفٌ لكلّ عربيّ! .. ألا لعنة الله على هذا الشرف ، الذي هو قلة شرف ، وقلة دين ، وزيادة فسوق وعهر ومجون.
إنّ أكثر الرياضيّين جهّال فسّاق ، وأكثر المهتمّين برياضة (الكرة) من هذا الطراز الغبيّ الجاهل ، فعشرات الألوف الذين سيرتادون تلك الدولة ؛ سينزلون عليها لعنات الله تعالى ، وغضبَه ؛ لكثرة الفواحش التي سترتكب في مدّة إقامة (المونديال).
وأنا أسأل الله تعالى أن يستجيب دعائي بأن لا يتمّ هذا المونديال القذر الدنيء!
وحاكم غير فقيه آخر ، كان في العام (1992م) ثالث (ملياردير) في العالم ، إذ كان قد سرق من مال الأمة (170) مليار دولار!
لم فعل هؤلاء السفهاء كلَّ هذه الأمور؟ ، لأنهم سفهاء غير فقهاء ، وليسوا بعلماء.
والله تعالى يقول: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) “فاطر – 28” ، فمَن ليس بعالمٍ ، مهما كان مثقّفاً ؛ فلا تزولُ آثار حبّ الدنيا وشهواتها من نفسه ، وترى نرجسيّته واستعلاءه ظاهرين لكلّ أحد!.
ولنترك هذا كلّه جانباً ، ولنلقِ نظرةً على (ولاية الفقيه) المعاصرة:
في إيران (المجلس النيابي) وأعضاؤه ينتخبون مباشرة من الشعب ، ولذلك تجد فيهم الفقيه وغير الفقيه ؛ لأنّ الشعوب كذلك! .. وفي إيران (مجلس الشورى) الذي يضم كبار العلماء في كل فنّ ، حتى كبارَ العسكريين … وفي إيران (مؤسسة الرئاسة) وفيها عدد من نواب الرئيس أو مساعديه ، وعدد أكبر من مستشاريه … وفي إيران مؤسسة (تشخيص مصلحة النظام) وهي مؤسسة سياسية كبرى ، من أعضائها رؤساء الجمهورية السابقين ، ورؤساء الوزراء السابقين ، وكبار الوزراء المتفوقين ، وكبار العلماء الشرعيين ، وفي إيران مؤسسة (ولاية الفقيه).
فإذا لم يكن النظام الإيرانيّ ديمقراطيّاً ؛ فليس في هذا العالم كله نظام ديمقراطيّ … وأنا لا أؤمن بالديمقراطية ، ولا أدعو إليها أبداً! .. فقط أقول: هي نظام خير من نظام الفرد الاستبداديّ الجاهل.
وأنا الآن أسأل قومي الكافرين بولاية الفقيه:
في ظلّ ولاية الفقيه ؛ لا يرشحون للبرلمان ، ولا لمجلس الشورى ، ولا لمؤسسة الرئاسة من عرف بفساد الأخلاق ، من زنىً ولواطٍ وسرقة واختلاس وعمالة ، وغيرها من الاحترازات.
وفي النظم العربية غير الفقيهة ؛ الزاني واللوطي والحشاش والقوّاد والقِحاب والعلماني والمشرك والكافر الأصليّ والمرتدّ ، جميع هؤلاء (الوَخَم) السفهاء ، يمكن أن يكونوا رؤساء جمهورية ورؤساء وزارات ، ورؤساء برلمانات، ووزراء خارجية ودفاع!
فأيّ النظامين يجب أن يختاره المسلم الطاهر أيها الشرفاء؟
حسبنا الله ونعم الوكيل … ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. ]