وجلست أمام شاشة التلفزيون أخيرا.. منذ فترة طويلة لم تتاح لي الفرصة بالجلوس أمام التلفزيون وأنا ممسك “بالريموت”، وكأي رجل مخضرم كان لابد من تلك الجولة المكوكية السريعة التي – وللأمانة – لم تخيب ظني عن مستوى البرامج في رمضان هذا العام.. ولأني ملول وأحب أن أتظاهر بالعمق، قررت أن أفتح قناة (ناشيونال جيوغرافيك) فرع حارة أبوظبي!
القناة كما يفترض هي قناة وثائقية علمية، وبمعنى آخر فإنه يفترض أنها تقدم مواد محترمة وموثوقة، وعندما كنت أشاهدها كان يبث في حينه برنامج عن الحرب العالمية الثانية التي تكررت على القناة لدرجة أنني اعتقدت أنها تتبع الحزب النازي نفسه!
لو كنت زرت جبهات القتال ببلدنا فستفهم سبب تأففي؛ فأنا لا أعتبر نفسي قائدا ميدانيا أو حتى جندي صف، ورغم ذلك فقد ضقت ذرعا بالمستوى السيء للحبكة الدرامية، وهالني العدد المهول للأخطاء التكتيكية والعسكرية التي أرتكبت في نصف ساعة فقط من الشرح للعملية، وما كاد يصيبني بالفالج هو أن قائد العملية – الذي أرى أنه كان يستحق الإعدام حرقا – قد نال من التكريم والنياشين ما يفوق ما ناله (رومل)، رغم أن القائد الخصم قد نكل به وبجنده أيما تنكيل!
بعد انتهاء البرنامج خطر لي أمران: الأول هو أننا ربما أمام نوع من التضليل الإعلامي الذي يعتمد على تقديم معلومات خاطئة، خاصة وهم يعرفون بأنهم يقدمون هذه المعلومات للمشاهد العربي، وهذا يشبه تلك القنوات الدينية المنتشرة والتي لا تقدم دينا، بل تقدم الدين مشوها وخاويا بما يؤدي لبعد الناس عن الدين الذي لم يغير حياتهم البائسة!
أما الخاطر الثاني هو أن مستوى التكتيك والمهارة العسكرية في الجبهات صار متطورا لدرجة أنني أنا العبد الفقير أستطعت أن أكتشف هذا الكم الكبير من الأخطاء الفادحة التي لا يمكن أن يقترفها جندي مستجد، وهذا التطور بفضل الله والتجارب العملية التي أكسبت مقاتلينا خبرات تفوق ما يتم تدريسه في الكليات العسكرية العالمية، وما يؤكد هذا هو عدد المشاهدات والإعجاب الذي تناله مثل هذه البرامج الزائفة في المواقع الألكترونية.
في كلتا الحالتين فإن النتيجة هي أن مثل هذه البرامج لا تستحق المشاهدة من أي شخص يحترم عقله، وإذا ما فكرنا بأن هذه القناة تعتبر من بين أفضل القنوات المتاحة لنا، فكيف بباقي القنوات التي مستواها أقل؟!
نحن في عالم رغم الإنتشار السريع والواسع للمعلومات والأخبار فيه، إلا أنه يستحق لقب عالم الجهل بجدارة! وبرأيي أن من يبحث عن غذاء علمي لعقله فيجب عليه ألا يركن لهكذا مصادر، فنحن ما نزال بحاجة للكتب الجادة المحترمة التي تستطيع أن تكسبنا معرفة حقيقية، وحتى يأذن الله لنا بقنوات خاصة بنا تقدم مادة علمية حقيقية بدل هذا الهراء الذي يقدم كعلم، لابد أن نحذر مما يقدمه إعلام التجهيل المفروض علينا!
العلم الفاسد خطر جدا، ولكن الأخطر منه هو الجهل الذي يقدم كعلم! وايضا الدين الفاسد خطر جدا، والأخطر منه هو الدجل الذي يقدم كدين، بل أنه أخطر من الكفر الصريح!
نحن أكثر الأمم معاناة من هذا النوع من التجهيل، وخلال تاريخنا عرفنا أن الإسلام لم يواجه خطورة أشد من أولئك الذين قدموه بشكل مشوه عبر من عرفوا بالمنافقين وفقهاء سلاطين الجور، ولو أن الدين ترك بنقاءه لكان يفترض بنا اليوم أن نكون أكثر الأمم قوة، ولكن تم محاربة الإسلام بالإسلام، والنتيجة ماثلة اليوم أمامنا بعد أن صرنا أضعف أمم العالم!