مجلة العصر- لا يمكن فهم الموقف القطري المستمرّ في إعلان العداء لسورية من خلال ارتباطه بالموقف التركي، لأن قطر عبر قناة الجزيرة نظمت حملة إعلامية مناهضة للانفتاح التركي على سورية قبل شهرين، عندما بدا أن هناك تسارعاً في إيقاع العلاقات نحو احتمال قبول تركيا بالشرط الذي طرحه الرئيس السوري بشار الأسد لجهة الالتزام بالانسحاب من الأراضي السورية لعقد قمة تضمّ الرئيسين السوري والتركي، وقامت القناة بتخصيص مساحة يومية في أوقات الذروة لاستضافة شخصيات بعضها غير معروف، يتحدّثون بصفتهم سوريين معارضين للدولة السورية، يتهجّمون على ما يصفونه بالخيانة التركية. كما لا يمكن فهم الموقف القطري بخلفية تخديم الموقف الأميركي فقط، حيث يمكن للموقف الأميركي المتشدد ضد الانفتاح على سورية تقديم تفسير جزئي لموقف الدوحة، لأن درجة التطرف في العداء والحماسة في نبرة العداء، تذهب أبعد مما يريده الأميركي لتحسين شروطه التفاوضية، والسعي لضبط الجميع وراءه في ركب المفاوضات، ليتجنب تحمل الخسائر، ويقوم بتحميل تبعاتها لحلفائه، وهو ما نجحت السعودية والإمارات بتفادي حدوثه، وتسعى تركيا لفعل المثل.
ما تضمّنته تقارير أميركية إعلامية نشرت «البناء» بعضاً منها، حول تمويل قطري سخي لحملة علاقات عامة ومساعٍ حقوقية لإنشاء محكمة أميركية أوروبية لملاحقة الدولة السورية، وربما كما تقول التقارير تتسع لاحقاً لملاحقة مصر والسعودية تحت العنوان نفسه، أي حقوق الإنسان، ليست تعبيراً عن اهتمام قطري بهذا البعد الإنساني والحقوقي، وهي تستعين بنفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأميركي لترويج الفكرة، ومحاولة إصدارها بقانون، بينما لا تزال دماء شيرين أبو عاقلة ساخنة، وقد تجنبت قطر الذهاب لمحكمة أميركية أوروبية للنظر في الجرائم بحق الإعلاميين، من بوابة قضية شيرين التي أثارت تفاعلاً عالمياً، لكنها تُغضب اللوبي الصهيوني، والحديث القطري عن ربط العلاقات الطبيعية بسورية بالحل السياسي لا يقنع أحداً، فكيف يمكن تصديق أن قضية دولة لا يقوم نظامها على الانتخابات، هي تعميم الديمقراطية في خارج بلادها فقط، بل في بلد واحد فقط.
ثمّة ما يحتاج إلى تفسير في مواقف قطر، ليس في الشأن السوري فقط، ففي الحرب الأوكرانية لا يخفى الانحياز القطري العلني إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، كما يقول تحويل قناة الجزيرة الى قناة حربية الى جانب أوكرانيا منذ اليوم الأول، سواء في المشاعر أو في المصطلحات، أو في طريقة قراءة التطورات. وهذا الموقف مختلف عن الموقف الوسطي الذي اتخذته تركيا من جهة، والسعودية وسائر دول الخليج من جهة مقابلة، والموقف الأميركي الذي يفسر نسبياً الموقف القطري، لا يفسر الحماسة والتطرف، كما في حالة العداء لسورية. فهل يمكن فهم القضية عبر اعتبار الموقف الأميركي موجهاً للخيار في الحالتين، ولأنابيب الغاز السبب في الحماسة، على قاعدة أن روسيا منافس لقطر في سوق الغاز وأن الأنابيب القطرية إلى أوروبا عبر سورية كانت أحد أسباب الحرب التي شنّت على سورية ومولت قطرها الجزء الأساسي من تكاليفها، أم أن المكانة التي يشغلها الأخوان المسلمون في بنية القرار القطري، تفسّر الباقي؟
بلغة المصالح التي قالت السياسات والمواقف القطرية في ملفات كثيرة إنها تشكل أساس تفكير القيادة القطرية، فإن الدوحة تخوض معركة خاسرة، فهي اضطرت للسير بقرار استعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، ولم تستطع وقف قطار الانفتاح على الدولة السورية الذي توّجه حضور الرئيس بشار الأسد للقمة العربية. وفي الماضي كانت قطر تتميز عن سائر الدول العربية بعلاقة خاصة مع سورية ومع رئيسها، وشكل ذلك باباً لدور قطري إقليمي ظهر مع استضافة الدوحة لمؤتمر الاتفاق السياسي لحل الأزمة اللبنانية الذي حمل اسم الدوحة، ورغم كل ما فعلته قطر بحق سورية، فلم تبادر دمشق إلى أي خطوة عدائية ضد الدوحة. والدوحة تبدو مهتمة بدور في لبنان سواء في السياسة أو في الغاز، فهل تعتقد أن انفتاحها على حلفاء سورية سيصمد أمام مواقفها العدائية المبالغ بها ضد سورية، وماذا سوف تفعل عندما تنتهي الأزمة التركية مع سورية، وعندما تجد واشنطن أن مصلحتها بالانسجام مع مناخ الاستقرار في المنطقة عبر سحب قواتها من سورية. ويعلم المسؤولون القطريون أن لا هذه بعيدة ولا تلك، كما يعلمون أن لا عداوات دائمة في السياسة، وليس فقط لا صداقات دائمة!
المصدر : https://alasrmag.com/