خصائص الحرب الناعمة
بقلم : محمد المياحي - مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية
لهذا النوع من الحروب خصائص كثيرة , يمكننا أن نجمل عدداً منها بما يلي :
1- من أهم خصائص هذه الحرب المُدمرة اتسامها بعدم الوضوح ؛ فهي حرب غير واضحة المعالم , هُلامية التّشكل – تماماً – , وهي في الوقت ذاته حرب مُضمرة , بمعنى امتلاكها جهود عدائية عميقة موجهة وفق نمط غير محسوسة , يصعب التكهُن بها أو تشخيص نشاطها إلّا بوساطة الادراك ؛ لذلك العقبة الأكبر في حسابات هذه الحرب درجة وعي المُستَهدف ؛ لشعورها أنّ الفهم الوسيلة الأبلغ في احباط مخططاتها المرسومة مُسبقاً .
2 – تتكأ هذه الحرب وبشكل كبير على أسلوب التأني في تحقيق أهدافها المرسومة والمخطط لها منذ مدة ليست بقصيرة , علاوة على ذلك لا تسعى هذه الحرب إلى تحقيق أغراضها على شكل دفعة واحدة ؛ من هنا عُرِف عنها بأنّها حرب تتسم بالتدريج والتتابع في التنفيذ والمراهنة على عامل الوقت .
2- من ملامحها الخطيرة في تدمير الشعوب عدم اتسامها بالمحدودية , فلا ينحصر نشاطها ضمن مستوى واحد أو نمط معين ؛ لأنّها حرب مفتوحة , تتحين الفرص ؛ فأين ما وجدتْ الفرصة المناسبة والأرض الخصبة لتحقيق الهدف المتوخى بثتْ سمومها القاتلة ومررتْ أفكارها بشكل مُقنن ؛ وعليه قد تظهر بشكل مُبطن في المجال ( الثقافي , و الاجتماعي , و التربوي , السويوكلوجي – النفسي- …الخ) ؛ وعليه عُد هذا النشاط حرباً شاملة ومتشعبة .
4- مع تمظهر هذه الحرب في مجالات متنوعة , كما ذُكر في النقطة السابقة , إلا أنّ الظهور الأخطر لها يكون ضمن التشكل الثقافي ؛ وبذلك تكمن خطورة الحرب الثقافية بوصفها حرب حضارات , كما وصفها ( صاموئيل هنتغتون) , بل هي حرب ثقافات , فضلاَ عن ذلك هي حرب هوية ؛ لأنّها نشاط وعملية مخطط لها لطمس العادات والتقاليد والقيم الحقّة , وهذا هو المفصل الأبرز في الحرب الناعمة ذات الطابع الثقافي .
5- تُسلط الحر الناعمة جُل نشاطها على المنظومة المجتمعية , بل هو محور مخططها , ومثال على ذلك تحاول بكل آلياتها زعزعت الثواب القيمية للمجتمع ؛ من هنا تعمل من خلال برامجها المختلفة زرع فكرة عدم اختلاف المنظومة الاجتماعية الاسلامية عن المنظومة الاجتماعية الغربية , بوساطة الترويج إلى عدم وجود اختلاف بين المنظومتين , من خلال تذويب التمايز والخصوصية لكل منهما عن طريق تغافل العمق الذي تمتلكه المجتمعات العربية المسلمة , كالبعد الحضاري والديني والثوابت القبلية الأصيلة والعشائرية الحقة , وهي بالنتيجة عوامل ضبط للسلوك ؛ من هنا لابدّ أن نلتفت إلى ضرورة الايمان بأنّ للمجتمعات الغربية منظومات اجتماعية تناقض النسق الاجتماعي العربي المسلم ؛ فهي تعتمد قيم مُستحدثة مثل البرغماتية (النفعية) غير المقننة بالضوابط , والعلمانية …الخ , و أنّ المعيار في حساباتها هو الذات البشرية , قناعاتها وانطباعاتها متغافلة بذلك أوامر السماء ونواهيه , ففي قناعاتهم مقايس الافساد والقيم غير ثابتة و تخضع إلى رؤية بشرية لا ثبات لها ؛ تأسيساً على ذلك سعتْ الحرب الناعمة لاستهداف الأسرة والمجتمع الاسلامي من خلال هذه الأطروحات المغرضة ؛ عليه توجّب أن تكون العائلة البنية الأولى لمواجهة تحديات الحرب الناعمة بوساطة الوعي لما ذُكر واستيعابه , وأن تكون الأسرة الخلية والخطوة الأولى للتحدي واحباط تلك المخططات .
7- من منطلق أن هذه الحرب بالدرجة الأولى حرب تخريبية ؛ فكان لزاماً عليها التحلي بالتكتم و السرية والتخفي وعدم الاعلان عن نفسها ؛ فهي تعمل جاهدة بالخفاء على استنزاف الطاقات من خلال مضيعة الوقت والفوضى , فضلاً عن عملها السري في سلب الحيوية البشرية و الرقي الفكري والعقلي ؛ وعليه العمل على اضعاف المُستهدف يكون بشكل غير ظاهر للعيان , وهذا من أساسيات وعمل هذه الحرب .
8- لا تحتاج الحرب الناعمة إلى نفقات بالشكل الذي تحتاجه الحرب الصلبة (حروب الدباب و الطائرات…الخ) , فكلفة شراء قناة فضائية لا يُقارن مع كلفة شراء الأسلحة المختلفة في حرب ما , فضلاً عن ذلك أنّ نسبة الخسائر المُستَخدم نسبياً أقل بكثير من الحرب الخشنة , وأن القائم بها غالباً ما يكون بعيداً عن موطن الاستهداف ؛ لأنّ عمله قائم على السرية والتخفي والابتعاد عن ساحة المواجهة . .