نذر الحرب بين طهران وكابل ، ليست جديدة ، فلها في التاريخ بعض الشواهد ، ففي حادثة اختطاف الدبلوماسيين الإيرانيين من قبل طالبان ومن ثم قتلهم، أدت إلى أزمة رهائن تصاعدت إلى حرب واسعة النطاق، مع حشد 150 الف جندي إيراني على الحدود الأفغانية .
بعد انتهاء حربها مع العراق عام 1988، لم تختبر طهران حربا اخرى ، مع دولة مجاورة . لكن وبعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاما، قد يحدث ذلك مع جبهة في الطرف الاخر من الخليج العربي.
الوضع الداخلي في ايران مر باضطرابات عدة ، فبعد انتهاء حرب الثمان سنوات مع العراق ، يمكن تتبعها زمنيا من خلال الاتي :
- في عام 1989 مرت ايران بمرحلة حساسة ، واختبرت طهران أزمة سياسية اصطلح على تسميتها حينها بـ(الفتنة) ، وفيها اندلعت احتجاجات عقب عزل المرجع الديني حسين علي منتظري من منصبه كنائب للولي الفقيه.
- في عام 1999 شهدت إيران احتجاجات جديدة بعد ان اغلقت السلطات صحيفة (سلام الإصلاحية)، وانطلقت المظاهرات من داخل جامعة طهران، ووُصفت وقتها بالمحدودة، لكن الاشتباكات مع قوات الأمن ، وسعت رقعت الاحتجاج ،وأدت إلى اندلاع أعمال شغب ، اعتقال خلالها أكثر من ألف طالب.
- في عام 2009 حدثت احتجاجات اخرى، وكانت انطلاقتها ، ايضا من طهران، ثم انتقلت إلى عدد من المدن ، وذلك احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي تم فيها اعادة انتخاب ( أحمدي نجاد) لفترة رئاسية ثانية، وخسارة (مير حسين موسوي)، وأطلق على هذا الحراك بـ”الثورة الخضراء”.
- وفي 2017 شهر كانون الأول ، تجددت المظاهرات، وكانت مدينة مشهد رمزا لها ثم توسعت لتصل إلى المناطق الإيرانية الاخرى، ومنها همدان وأصفهان وقم، وهي مظاهرات قامت على خلفية مطالب اقتصادية بعد زيادة أسعار عدد من المواد الاستهلاكية.
- وفي 2019 شهر تشرين الثاني ، تصاعدت الاحتجاجات جديدة ، بعدما رفعت الشركة الوطنية للنفط أسعار البنزين بنسبة 50% ،وتسببت الاحتجاجات في سقوط قتلى وجرحى بين المتظاهرين وقوات الأمن .
- وفي 2020 شهر كانون الثاني ،اندلعت احتجاجات المناهضة للحكومة، قام خلالها المحتجين في طهران بترديد شعارات ضد السلطات العليا في البلاد، بعد أن اعترف الحرس الثوري بإسقاط طائرة ركاب.
- وفي 2022 شهر ايلول ، قامت احتجاجات شعبية أثارتها وفاة الشابة مهسا أميني هي الأكبر في إيران منذ عام 2019 ، كما دعا الحرس الثوري الإيراني القوي السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية إلى ملاحقة “أولئك الذين ينشرون أخبارا وشائعات كاذبة” حول الشابة التي أثارت وفاتها في أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق احتجاجات و مظاهرات غاضبة.
اما على الجانب الافغاني ، فقد عانت الدولة هناك ، من اضطرابات وجودية خطيرة ، بدأءا من الاحتلال السوفيتي الذي دام لعشر اعوام ، تلتها العديد من الحكومات الضعيفة في ظل وجود مقاتلي المجموعات المتنوعة المشارب الاخرى:
- الحكومة الشيوعية استمرت لثلاث سنوات بعد الانسحاب السوفيتي ، لتسقط في النهاية تحت ضربات مقاتلي الاحزاب عام 1992.
- الحكومة المؤقتة والتي لم يكتب لها الاستمرار بسلام ، اذ سرعان ما نشبت حربا طاحنة بين الفصائل كانت ساحتها الابرز العاصمة كابول .
- حكومة الدولة الاسلامية بقيادة احمد شاه مسعود 1995، هزيمة معظم الميليشيات عسكريا في كابول واستعادت بعض الهدوء إلى العاصمة، لكن لم يدم ذلك طويلا.
- حكومة طالبان ، أمارة افغانستان الاسلامية، والذين تمكنوا من الاطاحة بقوات مسعود والاستيلاء على العاصمة وبسط سيطرتهم في عام 1996.
- حكومة كرزاي 2001، والتي اتت بالتعاون مع قوات مسعود ودعم امريكي اكاسح ضد افغانستان بعد الهجوم على برجي التجارة وقيام الولايات المتحدة بالانتقام المزمع من المتهمين .فيما استمرت حركة طالبان في نشاطاتها .
- حكومة طالبان الثانية ، وجاءت بعد الانسحاب الامريكي المفاجئ من افغانستان 2021، وعودة المجاميع المسلحة لفرض رادتها هناك.
وبعد الاطلاع السريع على الاوضاع السياسي لكلا البلدين المتجاورين ، نلاحظ ان ايران دولة مستقرة منذ أكثر من اربعين عاما ،وحافظت على شكل الحكم وهو ” ولاية الفقيه” ولديها اقتصاد وامكانات عسكرية وبشرية قوية ، بالاضافة الى النفوذ الذي تمارسه في المنطقة، لكنها مع ذلك تواجه بين فينة واخرى احتجاجات شعبية ، بعضها عارمة، يتم اخمادها بالقوة القاهرة . أما افغانستان فالحال يختلف ، فالدولة مرت بظروف قاسية جدا ، فقد احتلت من قبل اكبر قوتين في العالم ، وهما الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الامريكية، كما تم السيطرة عليها من قبل اعتى قوى الارهاب الدولي وهي القاعدة وداعش وطالبان . وهنا يميل ميزان القوى صوب طهران ، من حيث امكاناتها الاستراتيجية ، رغم ان حركة طالبان تمتلك كذلك جيش وقوات لديها دافع ايديولوجي لعداء الاخر وهدر دمه.
السؤال هنا: هل من الممكن ان تنشب حربا واسعة بين افغانستان وايران ؟ هل هذه المناوشات بداية الامر ؟ أ ستكون حربا طائفية بامتياز ، بين الشيعة والسنة ؟ ماذا سيكون موقف روسيا ، هل ستنحاز الى ايران باعتبار الافغان عدوهم اللدود ، فيما ستنحاز امريكا الى افغانستان باعتبارها عدو عدوها ؟ وأين ستكون الدول العربية ، في أي جانب ستقف ؟ رغم ان علاقاتها مع طهران حديثة العودة الى مجاريها؟ والسؤال الاهم : ما هو موقف العراق ، وكيف ستؤثر تلك الحرب على التوازنات السياسية داخل العراق ؟ وهل ستكون مصائب قوم عند قوم فوائد؟