ابن زهرة الحلبي
فقيه بارع أصولي نحويّ متكلم عالم، نقيب السادة في حلب، عزّ الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني المعروف “بابن زهرة”، من فقهاء الشيعة وعلمائهم، المولود في شهر رمضان العام 511 هجرية في حلب، يعود في نسبه إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
يقال بأنّ جدّه ارتحل من المدينة ونزل في قرية حران في ضواحي حلب وأقام فيها، وكانت عائلته معروفة بالفضل والعلم.
وفي كتاب “عمدة الطّالب”: بنو زهرة هم بحلب، سادة نقباء علماء فقهاء متقدّمون، كثّر الله من أمثالهم.
في “أعلام النبلاء” أيضاً، قال العمري النسابة، جدهم أبو إبراهيم الحراني محمد ممدوح أبي العلاء المعرّي، نبغ وتقدّم وخلف أولاداً سادة فضلاء علماء نقباء وقضاة ذوي وجاهة وتقدم وجلالة، وعقبه من رجلين؛ جعفر ومحمد، ولأعقابهما توجّه وعلم وسيادة، فهم سادة أجلاء نقباء حلب وعلماؤها وقضاتها، ولهم تربة معروفة مشهورة، رحمهم الله تعالى.
بدأ تعلّمه للعلوم عند والده، وحصّل إجازة الرواية منه، وتلمّذ على أبي المحاسن زهرة الحلبي (جدّه)، ومحمد بن حسن بن منصور، والشيخ أبي عبد الله حسين بن طاهر الصّوري، وأبي منصور محمد بن الحسن النقّاش الموصلّي.
عن ابن العديم كمال الدّين صاحب كتاب “بغية الطلب في تاريخ حلب”، عن ابن زهرة ومكانته: وكان في زمانه نقيب الطالبيّين، والإمام الموثّق لدى شيعة حلب. في 570 هـ، وعندما توجّه صلاح الدين الأيوبي لفتح حلب ونزل خارجها، خشي الملك الصالح زنكي صاحب حلب، أن يسلّم الحلبيّون المدينة إلى صلاح الدين، فجمعهم في ميدان المدينة، وخاطبهم بما استمال قلوبهم وبكى، فبذلت له الشّيعة الطاعة، واشترطوا عليه أن يجهَر بـ “حيّ على خير العمل” في الأذان، وأن يعاد إليهم شرقية الجامع، وينادى بأسماء أئمتهم الإثني عشر (عليهم السلام) أمام جنائزهم، وأن يكبَّر على الجنائز خمس تكبيرات، وأن يفوَّض أمر العقود والأنكحة إلى أبي المكارم حمزة.
وكان الشّيعة في حلب قبل ذلك، قد استطاعوا مرّةً أخرى منذ عهد سعد الدولة الحمداني (367- 369 هـ)، وحتى أيام نور الدين محمود زنكي (544 هـ)، أن يظهروا شعارهم في الأذان.
من تلامذته، نذكر منهم:
1- الشيخ معين الدين المصري.
2- الشيخ شاذان بن جبرائيل القمّي.
3- الشيخ محمّد بن جعفر المشهدي.
4 – ابن أخيه، السيّد محي الدين محمّد الحلبي.
5- الشيخ محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي.
*من أبرز آثاره العلميَّة، كتاب: “غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع”، المعروف بالغنية، إضافةً إلى الكثير من الرسائل والمسائل الأصوليّة والمؤلّفات والردود الكلاميّة والفقهيّة.
وفاته:
توفي ابن زهرة في 585 هـ، ودفن في سفح جبل جوشن الواقع غرب حلب، وقد وجدت بأطراف قبره الذي اكتشف في 1297 هـ، كتابة حسنة الخطّ، هذا نصّها كما يذكر السيّد محسن الأمين:
“بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذه تربة الشريف الأوحد، ركن الدين أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة بن عليّ بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق، صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأئمة الطاهرين. وكانت وفاته في رجب سنة 585 للهجرة، رضي الله عنه”. [أعيان الشيعة، ج6، ص 249].
أقوال العلماء فيه:
في “تاج العروس”: الشريف أبو المكارم حمزة بن عليّ المعروف بالشريف الطاهر، قال ابن العديم في تاريخ حلب: كان فقيهاً أصولياً نظاراً على مذهب الإمامية. وقال ابن أسعد الجواني: الشريف الطاهر عز الدين أبو المكارم حمزة، ولد في رمضان سنة 511، وتوفي بحلب سنة 585 ه .
وفي “أعلام النبلاء”: والظاهر أنّه نقله عن غيره: الشريف حمزة بن زهرة الإسحاقي الحسني أبو المكارم، السيّد الجليل الكبير القدر، العظيم الشأن، العالم الكامل الفاضل المدرّس المصنّف المجتهد، عين أعيان السّادات والنقباء بحلب، صاحب التصانيف الحسنة والأقوال المشهورة، له عدّة كتب، وقبره بسفح جبل جوشن، عند مشهد الحسين، له تربة معروفة مكتوب عليها اسمه ونسبه إلى الإمام الصادق(ع)، وتاريخ موته أيضاً.
وفي “أمل الآمل”: حمزة بن عليّ بن زهرة الحسيني الحلبي، فاضل عالم ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة.
وقال نظام الدين القرشي في كتاب “نظام الأقوال”: حمزة بن علي بن زهرة الحسيني، أبو المكارم المعروف بابن زهرة، عالم فاضل، متكلّم من أصحابنا، له كتب: منها غنية النزوع في الأصول والفروع، وكتاب قبس الأنوار في نصرة العترة الأطهار…
ولد في شهر رمضان في سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وتوفي سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وروى عنه ابن أخيه محمد بن عبد الله بن عليّ بن زهرة ومحمد بن إدريس.
التشيّع في حلب عبر القرون:
دخل التشيّع في حلب قبل عهد الحمدانيّين ( 293-392)، ولكنّه انتشر وقوي فيها على عهدهم، وذلك لأنّ الدولة الحمدانيّة كانت من الدول الشيعيّة، يجاهرون بالتشيع وينصرونه، وكانوا يكرّمون الأدباء والشعراء والعلماء والمحدّثين، وخصوصاً الذين يجاهرون منهم بالتشيّع وولاء أهل البيت. ومن أبرز شعراء الحمدانيّين، أبو فراس الحمداني (320 -357 ).
يقول ياقوت الحموي وهو يذكر حلب: والفقهاء يفتون على مذهب الإماميّة.
وقال ابن كثير الشامي في تاريخه: كان مذهب الرفض فيها في أيام سلطنة الأمير سيف الدولة بن حمدان رائجاً رواجاً تامّاً.
وقد كانت الصلة بين شيعة حلب وشيعة الكوفة وثيقة جداً، ولأجل ذلك، نرى أنّ بعض البيوت العراقيّة ينتسب إلى حلب، وما ذلك إلا لوجود الصّلة التجاريّة أو العلميّة بين البلدين، فهذا هو عبيد الله بن عليّ بن أبي شعبة، المعروف بالحلبي، وما هو إلا أنّه كان يتجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب، فاشتهروا بالحلبيين. وعبيد الله هذا من فقهاء الشّيعة في القرن الثاني.