أعدادهم لا تظهرها الإحصاءات .. مرتزقة أميركا تحت مسمى “متعاقد مدني” ودورهم في العراق وسوريا !
متابعات / مركز تبيين للدراسات الستراتيجية
لا تعكس البيانات الرسمية الصادرة عن (البنتاغون) الأرقام الفعلية للقتلى الأميركيين في مناطق الصراع، وآخرها “سوريا”، فهل يُصدر الأميركيون بيانات كاذبة ؟.. وما قصة مصطلح “متعاقد مدني” ؟
رصد موقع (Responsible Statecraft) الأميركي تفاصيل: “الخداع الإحصائي” الذي تلجأ إليه (البنتاغون)، لتخفيض أعداد قتلى الأميركيين في ساحات الحروب ومناطق الصراع، وآخر هؤلاء القتلى كان في “سوريا”؛ الأسبوع الماضي.
متعاقدون مدنيون أم مرتزقة ؟
أصبح من الواضح بشكلٍ متزايد أن البيانات الرسمية الخاصة بالأفراد العسكريين الأميركيين، المنتشرين فيما يُسّمى بمناطق الحرب في الخارج، قد تُقلل من العدد الفعلي. وبالمثل فإن الخسّائر العسكرية في الخدمة الفعلية تُمثل جزءًا فقط من القتلى الأميركيين، الذين قُتلوا خلال الحروب المختلفة التي شنّتها “واشنطن” في الخارج خلال العشرين عامًا الماضية.
وتكمن الآلية الرئيسة وراء هذا الخداع الإحصائي في استخدام (البنتاغون) المتزايد: لـ”المتعاقدين المدنيّين”، ومنهم ذلك الذي قُتِلَ في غارة بطائرة مُسيَّرة، استهدفت الجيش الأميركي في قاعدة للتحالف في شرق “سوريا”، الأسبوع الماضي.
كانت القوات الأميركية في “سوريا” قد تعرضت لهجوم بطائرات مُسيّرة، اتهمت “واشنطن”؛ “طهران”، بالوقوف وراءه، وأدى الهجوم إلى مقتل أميركي وإصابة: 12 آخرين، لكن (البنتاغون) أصدرت بيانًا قالت فيه إن أحدًا من: “جنودها لم يُقتل”، مضيفًا أن: “متعاقدًا مدنيًا قُتل في الهجوم”.
وشنَّت “الولايات المتحدة” ضربات جوية على منشأتين مرتبطتين بـ”إيران”؛ في “سوريا”، في ضربات متبادلة بدأت مع الهجوم، في 23 آذار/مارس، على القاعدة الأميركية بالقرب من مدينة “الحسكة” السورية، وحذَّر الرئيس؛ “جو بايدن”، “إيران”، من أن “الولايات المتحدة” ستردّ بقوة لحماية الأميركيين.
وفقًا لخدمة أبحاث “الكونغرس”؛ في كانون ثان/يناير الماضي، كان هناك في نهاية العام 2022؛ ما يقرب من: 22 ألف متعاقد مدني، يعملون لصالح “وزارة الدفاع” في جميع أنحاء منطقة مسؤولية القيادة المركزية، مع وجود نحو: 08 آلاف متعاقد من هؤلاء في “العراق” و”سوريا” فقط.
وعندما يسمع معظم الناس مصطلح: “متعاقد مدني” يُسّتخدم من جانب “وزارة الدفاع” الأميركية، فإنهم يفترضون أن الأفراد المعنيّين هم أفراد دعم يقدمون الطعام والنقل والخدمات الأخرى للجيش.
وهذا التصور يُعتبر صحيحًا بشكلٍ جزئي، لكن في كثير من الحالات يحل المتعاقدون محل الأمن المسّلح – المرتزقة إذا صح التعبير – ومن المحتمل أن يتكبدوا خسائر بمعدل مماثل للجنود، الذين هم رسميًا أعضاء في القوات المسّلحة الأميركية.
وبينما تُطلق “الولايات المتحدة” مصطلح: “متعاقدون مدنيّون” على شركات الأمن الخاصة الأميركية، فإنها تُطلق مصطلح: “مرتزقة” على شركات الأمن الخاصة في الدول الأخرى، ومنها مجموعة (فاغنر) الروسية على سبيل المثال.
تاريخ “أميركا” مع “المرتزقة”.. تاريخ طويل !
في عام 2017؛ أخبر الجنرال “جون نيكلسون”، بالجيش الأميركي، الذي كان وقتها قائدًا لبعثة (الدعم الحازم)؛ التابعة لحلف الـ (ناتو) وقوات “الولايات المتحدة”؛ في “أفغانستان”، لجنة القوات المسلحة بـ”مجلس الشيوخ”، بأن (البنتاغون) كان عليها: “أن يُحل الجنود محل المتعاقدين، من أجل تلبية مستويات القوة العاملة” في “أفغانستان”.
إذ إنه اعتبارًا من تشرين أول/أكتوبر 2018، كان هناك أكثر من: 25 ألف: “متعاقد مدني” في “أفغانستان”، من بينهم: 4172 متعاقدًا أمنيًا خاصًا في “أفغانستان”، من بينهم نحو: 2400 تم تصنيفهم كمتعاقدين أمنيّين مسلحين خاصين، تعاقدت معهم (البنتاغون)، وعندما يتعرض أي منهم للقتل لا يتم إضافته لحصيلة قتلى الجيش الأميركي.
وجاءت ذروة استخدام المتعاقدين المدنيّين بالطبع خلال الحروب التي شنّتها إدارة الرئيس الأسبق؛ “جورج بوش”؛ على “الإرهاب”، عندما قالت لجنة التعاقد في زمن الحرب في “العراق” و”أفغانستان” في تقريرها النهائي في عام 2011، إن هناك: “اعتمادًا مفرطًا غير صحي” على المتعاقدين العسكريين، من قبل “وزارة الدفاع” و”وزارة الخارجية”.
من الصعب تحديد العدد الدقيق للمتعاقدين المسّلحين في السنوات الأخيرة، إذ إنه بشكلٍ رسمي، تبدو الأرقام منخفضة بشكلٍ لافت. ففي تقرير شباط/فبراير 2021، من بين: 27.338 متعاقدًا في “أفغانستان”؛ في أواخر عام 2020، أفادت التقارير بوجود: 1413 متعاقدًا أمنيًا مسّلحًا، و96 متعاقدًا أمنيًا خاصًا (غير مسّلح) بين “العراق” و”سوريا”.
ولكن في العام 2023؛ فإن: “عدد المتعاقدين الأمنيّين العاملين لصالح وزارة الدفاع في سوريا والعراق؛ قد تذبذب بشكلٍ كبير بمرور الوقت، اعتمادًا على عوامل مختلفة. اعتبارًا من الرُبع الأخير من السنة المالية 2022، أبلغت وزارة الدفاع عن: 941 متعاقدًا أمنيًا في العراق وسوريا، ولم يُحدَّد أي منهم كمتعاقدين أمنيّين مسّلحين”.
ومع ذلك؛ في نيسان/إبريل 2022، أصدرت “وزارة الدفاع” أرقامًا تقول إن: 6670 متعاقدًا عسكريًا في ذلك الوقت؛ في “العراق” و”سوريا”، وخُصِّصَ: 596 متعاقدًا للتدريب والأمن.
ورغم أنهم من المفترض أنهم لا يُشاركون في قتال مباشر، فإن العديد من متعاقدي (البنتاغون) هم ببساطة من المرتزقة، مثل أولئك الألمان الذين وظَّفتهم القوى الأوروبية الكبرى؛ خلال القرن الثامن عشر. استخدمت “بريطانيا” هؤلاء في محاولة لقمع محاولة المستعمرات الأميركية للاستقلال. في الواقع، أسّرت قوات “جورج واشنطن” عددًا كبيرًا منهم خلال هجوم عيد الميلاد المفاجيء 1776، الذي استولى على “ترينتون” و”برينستون”.
من “بلاك ووتر” إلى سوريا..
في وقتنا هذا؛ أدى ظهور (بلاك ووتر)؛ كمصدر رئيس للمتعاقدين خلال الحربين في “أفغانستان” و”العراق”، إلى تسّليط الضوء على عنصر جديد مهم في استراتيجية (البنتاغون). تأسّست الشركة في أواخر كانون أول/ديسمبر 1996، من قِبَلِ ضابط البحرية السابق؛ “إريك برنس”، وخضعت الشركة لاحقًا لعدة تغييّرات في الأسماء، كان آخرها: (كونستيليس)، ومع ذلك ظلّ نموذج العمل الأساس كما هو، وقد اجتذب هذا النموذج من يُريدون محاكاته.
يتحمل المتعاقدون في المواقف القتالية المخاطر المتزايدة لمثل هذا الدور. أشارت حسّابات من معهد “واتسون”؛ بجامعة “براون”، إلى أن: 4898 جنديًا أميركيًا لقوا حتفهم في “العراق”، حتى 01 أيلول/سبتمبر 2021. وكان عدد الوفيات بين المتعاقدين قريبًا من: 3650.
ومع ذلك؛ فإن الأرقام المريبة لقتلى المتعاقدين: “المدنيّين” الأميركيين كانت أكثر وضوحًا في “أفغانستان”، عندما انسّحبت القوات الأميركية أخيرًا من ذلك البلد، في آب/أغسطس 2021. اعترفت “واشنطن” بمقتل: 2448 من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية خلال التدخل الذي دام عقدين من الزمن، مقارنة: بـ 3846 متعاقدًا. وقدَّر تحليل معهد “واتسون” عدد قتلى المتعاقدين: بـ 3917.
في أواخر عام 2021، أشار محلل في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى أن عددًا كبيرًا من المتعاقدين؛ (ما يقرب من 08 آلاف)، لقوا حتفهم في مختلف نزاعات ما بعد 11 أيلول/سبتمبر. وستكون مثل هذه النتيجة مسّتحيلة إذا لم يُشارك المتعاقدون بشكلٍ كبير على مستوى ما في العمليات القتالية.
يبدو أن استراتيجية (البنتاغون)؛ في “سوريا”، تعتمد أيضًا على استخدام المتعاقدين قدر الإمكان، رسميًا لدى “الولايات المتحدة” حوالي: 500 جندي فقط في “سوريا”، رغم أن التقارير الأخيرة تُشير إلى أن العدد يتجاوز: 900.
ولكن من يدري؛ إذ أشار تعليق غير حذِر للجنرال “جيمس غارارد”، في عام 2017؛ إلى أن العدد الفعلي للأفراد العسكريين الأميركيين في “سوريا”؛ كان دائمًا أقرب إلى: 04 آلاف. من الواضح أن “غارارد” ضم كادر “واشنطن” من المتعاقدين في هذا المجموع، رغم أن مثل هذا الاعتراف كان غير متسّق مع الخط الرسمي لـ (البنتاغون) في ذلك الوقت.
ربما قدمت هجمات الطائرة المُسيَّرة؛ في 23 آذار/مارس، على أهداف عسكرية أميركية في شرق “سوريا”، والتي قتلت متعاقدًا أميركيًا وأصابت آخر؛ (بالإضافة إلى: 12 من أفراد الخدمة العسكرية الرسمية)، لمحةً جديدة عن النطاق الفعلي؛ (والخطر)، لوجود “واشنطن” غير المرغوب فيه في “سوريا”. وأصبح استخدام متعاقدي (البنتاغون) بمثابة ستار دخان يُخفي مدى تورط “أميركا” في نزاعات مسّلحة غير ضرورية ودموية ومشكوك فيها أخلاقيًا.
ربما نشهد الآن ظهور هذه العملية فيما يتعلق بدعم “الولايات المتحدة”؛ لـ”أوكرانيا”، في حربها ضد “روسيا”. يضغط العضو السابق في مجلس الأمن القومي؛ “أليكساندر فيندمان”، المشهور بدوره في أول إجراءات محاكمة ضد “دونالد ترامب”، على “واشنطن”، لإرسال متعاقدين عسكريين لمسّاعدة جهود “كييف” لإصلاح أنظمة الأسلحة التالفة.