تقوم العملية الديموقراطية في أروقة السياسة الأمريكية على مبادئ لا تمت لفكرة “الديموقراطية” الأصلية بأي شكل وبطريقة مظللة، فوفقا لرؤية الساسة هناك فإن المجتمع يتكون من ثلاث طبقات، الأولى وهم الطبقة الخاصة وهم أصحاب المصلحة من حكام وأصحاب رؤوس الأموال، وتليهم الطبقة التنفيذية من وزراء ومشرعين ومؤسسات تعمل على تنفيذ مصلحة الطبقة الأولى، وأما الطبقة الثالثة والأكبر فهم يطلقون عليهم بصراحة لفظ (الرعاع)، وهؤلاء مهمتهم أن يعملوا لدى الطبقة الثانية لمصلحة الطبقة الأولى!
أما كيف يطلق على هذا النظام “ديموقراطي” فهو بأنه يجب على الطبقة الوسطى أن تجعل طبقة الدهماء الرعاع تعتقد أنها من تختارهم، وفي حقيقة الأمر فإن هذا الأمر هو ما يجري منذ نشأة نظام الولايات المتحدة وحتى اليوم، فوفقا لإعتقاد سادة هذا النظام فإنه يجب أن يتم هذا العمل بدقة بهدف التعمية على الطبقة الثالثة كونهم يعتقدون أنهم يتسمون بعدم رجاحة العقل ويفكرون بطريقة غير عقلانية، وعليه فلابد أن يظلوا تحت السيطرة ومخدوعين، وقد تم إنشاء مراكز تعمل من أجل مواصلة عملية التضليل عليهم وإقناعهم بمواصلة العمل والإستهلاك، أي أن يتصرفوا كالدواب التي تعمل لدى البشر.. بالضبط!
لذلك نرى آثار هذا التناقض بين الفكرة والتطبيق عندما نرى أن النظام الأمريكي يعتبر الداعم الرئيسي لكل الأنظمة الديكتاتورية والمتسلطة حول العالم، وخوف هذا النظام من فكرة أن يتمكن الناس من حكم أنفسهم بأنفسهم عبر جهات تعبر عن تطلعاتهم وتسعى لتحقيق أهدافهم، وقد رأينا هذا الأمر يتكرر عبر تاريخ هذا النظام بشكل واضح في كل مرة تتحرك فيه أذرعه الشيطانية ضد دول ومجتمعات عدة حول العالم.
حتى “الليبرالية” التي يهاجمها الكثيرون ومنهم ساسة وقادة حول العالم – للأسف – لها معنى يختلف تماما عما يتم تنفيذه في الواقع؛ فالليبرالية كمبدأ تشير إلى وضع حدود لتصرفات الدولة تجاه الشعب، وتحاول أن تجعل التفاوت في السلطة أقل ما يمكن بين الناس جميعا، أي أنها تهدف إلى حماية حقوق الناس والمساواة فيما بينهم مع تقليص سلطة الدولة عليهم، وهو مبدأ آخر تم الإلتفاف عليه من قبل الساسة الأمريكيين حتى تم تفريغه من معناه!
لو أننا أستطعنا أن نزيح ضباب الإعلام الموجه الذي يعمل النظام الأمريكي على نشره لوجدنا أنه لا توجد تناقضات بين هذه المبادئ ومصالح الشعوب، ولكن التضليل الحاصل يعمل على إستخدام هذه العناوين في الواجهة بينما في حقيقة الأمر فإن ما يتم تطبيقه في الواقع هو الإستبداد والقهر، لتأتي “الرأسمالية” كممول تاليا لتضمن إستمرارية هذا النظام القمعي الظالم في ظل تضليل إعلامي غير مسبوق عبر التاريخ!
مما سبق، وببحث بسيط، سنجد أننا نقف أمام أكبر نظام إستبدادي عبر التاريخ، وأن هذا النظام أشد خطرا على البشرية من أي سلاح في العالم؛ فهو يعمل على تشويه القيم ونشر الفساد والجهل بما أدى لنشر الصراعات بين الشعوب حول العالم، وقد قام بقتل الناس كما لم تفعل أي كارثة أو طاعون في العالم، وما يزال هذا النظام يسعى لإنتاج المزيد من الأسلحة والأوبئة والصراعات التي تضمن هيمنته على النظام العالمي بأكمله.
لاحظوا معي أن كل كلمة يقولها هؤلاء لا تعبر في حقيقتها عن معناها الحقيقي؛ فالإنتخابات موجهة لإختيارات مسبقة، وعندما يتحدثون عن مصلحة الناس فهم يعنون مصالحهم، وبينما يتحدثون عن الحرية نجد أن هذا النظام أكثر الأنظمة التي تراقب وتحظر آراء الناس، وهكذا مع بقية المصطلحات المضللة التي يستخدمونها!
لا حل إلا بأن تقف الشعوب مع نفسها والمصلحين من أبناءها لفرض مصالحها مهما كان التضليل كبيرا، فالشعوب وحدها من تستطيع أن تفرض إرادتها وتحقق إستقلالها وحريتها. وتظل هناك ميزة مهمة لدى هذه الشعوب هي بأنها بمجرد أن تثور وتتحرك فإن هذا الأمر يعطي نتائج سريعة، ويبقى على هذه الشعوب أن تحذر من المؤامرات الشيطانية التي تحدث عقب كل تحرك شعبي، فالهدف غالبا هو إعادة هذه الشعوب إلى الحظيرة!
وهناك ملحوظة هامة أرجو أن ننتبه لها كلنا، ألا وهي سعيهم الحثيث لتقليل ما تستطيع قراءته قدر الإمكان، وهذا واضح عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي تسعى لتقليل ما يمكن نشره، ونشر الفوضى المعلوماتيه من جهة آخرى، والتي تؤدي لزيادة الجهل!!