
في لحظة سياسية حاسمة تسبق الاستحقاق الانتخابي، عقد الإطار التنسيقي اجتماعه الاعتيادي المرقم (248) يوم الاثنين المصادف 3/11/ 2025 في مكتب السيد نوري المالكي، لكنه هذه المرة لم يكن اجتماعاً روتينياً بقدر ما كان تأكيداً على الثوابت وتجديداً للعهد بين أطراف القوى الشيعية المنضوية تحت خيمته.
كما يكتسب الاجتماع أهمية استثنائية في توقيته ودلالاته، فهو لم يكن مجرد لقاء دوري اعتيادي، بل محطة سياسية ذات رمزية واضحة، جاءت قبيل الانتخابات لتؤكد، على ثبات المواقف الوطنية والسياسية التي تأسس عليها الإطار، وتجدد العهد بين أطرافه على الاستمرار في نهج الشراكة والمسؤولية الوطنية.
هذا التوقيت لم يكن عفوياً، فانعقاد الاجتماع في هذه المرحلة يحمل رسائل استراتيجية مزدوجة، موجهة إلى الداخل لتثبيت وحدة الصف وتعزيز الثقة المتبادلة بين مكوّنات الإطار، وإلى الخارج لتأكيد أن الإطار ما زال يمثل الكتلة السياسية الأكثر تماسُكاً وقدرةً على إدارة التوازنات، وأنه ليس طرفاً عابراً في المشهد بل ركيزة أساسية في استقرار النظام السياسي وصون القرار الوطني المستقل. وكذلك رسائل للخصوم السياسيين الذين، غادروا خيمة الإطار بغرور السلطة، دون أن يفكروا بخط العودة أو بتداعيات الانقسام على تماسك المكون السياسي ومصير التجربة الوطنية برمتها.
لقد استعاد المجتمعون، في الذكرى الخامسة لتأسيس الإطار، محطات كبرى واجه فيها العراق تحديات وجودية، وتمكن خلالها هذا التكتل السياسي من إفشال مشاريع خارجية وداخلية، استهدفت بنية الدولة واستقرارها. وهو بذلك يذكّر خصومه وحلفاءه على السواء بأن الإطار كان ولا يزال ضمانة توازن في المشهد العراقي، وسياجاً وطنياً حال دون انزلاق البلاد في فراغ سياسي أو أمني.
وجاءت مناقشة ملف المياه والاتفاق العراقي – التركي، لتؤكد أن الإطار لا ينشغل فقط بالصراعات السياسية، بل يتعامل مع القضايا السيادية بمنطق الدولة، حريصاً على حماية الأمن المائي والسيادة الوطنية، وهو ما يعكس إدراكاً استراتيجياً لأبعاد الصراع الإقليمي وتقاطعاته مع مصالح العراق العليا.
أما إشادته بجهود الحكومة والبرلمان والقضاء، فليست مجرد مجاملة بروتوكولية، بل تأكيد على أن التكامل بين السلطات هو الركيزة الأساسية لاستقرار الدولة، وأن دعم الإطار للمؤسسات الرسمية يأتي في سياق ترسيخ هيبة الدولة وتعزيز الثقة الشعبية بمسارها.
كما أعرب قادة الاطار عن تقديرهم للدور الوطني المسؤول للقضاء العراقي بوصفه الركيزة الدستورية التي تصون العدالة وتحقق سيادة القانون، مؤكدين على استقلال المؤسسة القضائية ووقوفهم إلى جانب كل جهد يُرسّخ هيبة الدولة ويضمن حقوق المواطنين دون تمييز أو استثناء, وهذه الرسالة تحمل بعداً مزدوجاً: رسالة داخلية للخصوم بعدم استخدام الأجهزة القضائية كأداة ضغط، ورسالة خارجية لدوائر الرأي العام بأن الإطار لا يسعى لتسييس القضاء.
وجاء تثمين الاطار لمساندة مساندة أبناء الشعب العراقي ووعيهم الوطني، ما يعني ربط القوى السياسية بثقة الجماهير، وهي محاولة لاستعادة سيطرة السرد، بأن الإطار ليس سلطة من فوق، بل تمثيل مستمد من الشارع، وهو كلام موجه أولاً لقاعدته وثانياً لوسط الناخبين المترددين.
من هنا، يمكن القول إن هذا الاجتماع مثّل تجديداً للعهد السياسي داخل الإطار التنسيقي، ورسالة طمأنة للداخل بأن قواه الأساسية ما تزال متماسكة وواعية لحجم التحديات، في مقابل رسالة حازمة للخصوم السياسيين بأن رهاناتهم على تفكك الإطار أو تراجع دوره كانت رهانات خاطئة ومتعجلة.
فالإطار، وهو يدخل عامه السادس، يبدو أكثر تماسكا ووضوحاً في خطابه السياسي، مدركاً أن معركة الانتخابات المقبلة ليست مجرد منافسة على المقاعد، بل صراع على هوية الدولة ومسارها، وأن وحدته اليوم هي صمام الأمان لمستقبل العراق واستقلال قراره الوطني.




