لعل أكثر مايوسع ”المدارك الإنسانية“ بوصفها الوجه الثاني للحقيقة هو؛ المراقبة والمتابعة والمقارنة والتدبير والتشخيص والاستعداد، فمن خلالها تنطلق تشكيلات الرفض أو القبول، ومنها يتدبر الوعي الروحي «حالة دراية الفرد بمحيطه، فأما الاستجابة له والتفاعل معه، أو عصيانه والتمرد عليه» ومنها تعرف الصنائع الفكرية «اليقظة المتميزة، والأنماط الانطباعية، وتحديد المواقف، ودقة التحليلات» وعليه فأن اول خطوات فهم مدارك حرب ”الاضطرابات السلوكية،والانفعالات النفسية الصهيونية“ في غزة وباقي المناطق الفلسطينية، وفهم ”استدلالات الضائقة الصهيونية، واضطراب قدرة الصهاينة على الأداء والتمكين“ هي؛
▪️ القيادة..
من يقف خلف طوفان الأقصى ومن يدير المعركة، وهل هو تصعيد في وقت خاطئ؟
وماهي الحاجات الداخلية الفلسطينية، والإسلامية العامة، المتزامنة مع بداية الطوفان؟
التشبية التمثيلي مابين معركة بدر التاريخية وغزة بشكلها الحالي المقاوم، والواقفين خلفها والتي استطاعت فيها ”القيادات الإسلامية المحمدية“ تحديث الرؤية وتذويب كل الاشياء الغربية الصلبة بما فيها القوة والتفوق النوعي العسكري، ”الاستراتيجي والتكتيكي“ حيث بدأ الطوفان كما بدأت بدر الكبرى، كر وفر، ورص الصفوف، والصمود والتعويض، وإحراز اول الانتصارات الظاهرية “على قريش هناك، وعلى اليهود هنا“ وبرزت من خلالهما الدولة الاسلامية الاولى، ومحور المقاومة الحالي، ولربما هناك بعد غيبي في إدارة المعركتين بأدوات محمدية، للاختيار والاستخلاف وتقرير المصير والانتماء.
▪️حاجة الامة الإسلامية للطوفان..
اختفت التجسيدات الإسلامية الإلهية الرصينة، في الأمة الإسلامية لقرون وقرون، وحلت محلها الصراعات الداخلية، والتناحرات المذهبية، والصياعة والفياعة، ورياح النعومة، والانحلال والتيه والضعف والتفتت والهوان، وضياع الهوية الإسلامية، واختفاء قضاياها المركزية، فأتى الطوفان ليحرر الأمة من ”اشباه الرجال وعقول ربات الحجال“ البعدين كل البعد عن وصف نساء فاضلات. فعودة ناظم الأمة الديني والاجتماعي بدأ من حيث بدأ الطوفان.
▪️التقهقهر الصهيوني..
القرار العسكري والسياسي المقاوم كان خافيا، أو تجاهله الكثيرون، كنوع من تثبيط العزيمة، تحديدا من اولئك الذين يكرهون محاربة الصهاينة، فأعرض المقاومين عنهم وعن ارائهم، ومن هنا بدأت لحظة التغييرات في داخل غزة وعموم محور المقاومة، ليتحولوا من مجرد فصائل مقاومة، لجيوش نظامية بعلاقات خارجية وعهود واحلاف محيطة، كفلت النصر، ورفعت رأس المسلمين من أقصى الأرض لأقصاها، ومع بداية الطوفان بدأت سيناريوهات اذلال الكيان الصهيوني، وكسر أنفوف قياداته السياسية والعسكرية، وفكك ارتباطاته الاقتصادية ”الإقليمية والدولية“ والاجتماعية ”بمسارها الغربي“ فانقسمت المجتمعات هناك، بين مؤيد للمقاومة، وناغم على الأنظمة السياسية والمنظومة العسكرية الصهيونية، وبين من أيدها ”حقدا وصفق لها عمدا“ وبنفس الوقت ارتفعت أسهم المسلمين كثيرا، وأصبحت لهم هيبة كبيرة وقيادة حكيمة، فبعد أن كانوا كيان صغير في وسط بحر من الدسائس، أسقطوا اكبر ”صنم يهودي ماسوني صهيوني في العالم“ بفضل قيادات محور المقاومة. فأصبحت الوفود تتوافد على مقرات قيادات محور المقاومة لمعرفة من يكون هؤلاء ومن أين أتوا والي اين ماضون وماذا يريدون وما سيفعلون!!؟
إذا زوايا النظر الجديدة هو أن الطوفان ليست مجرد عملية عسكرية، بل هو قرار يحمل ابعاد غيبية، في توقيتات سياسية حرجة، وحاجات ملهمة للواقع العربي والاسلامي الحالي .