نسمع ونشاهد عن هجرة وهروب آلاف الأطباء العرب بشكل عام والعراقيين بشكل خاص لدول الغرب، بحكم وجودي بالغرب منذ ثلاثين سنة، رأيت وشاهدت وعرفت كيف غادر آلاف الأطباء العرب بشكل عام والعراقيين بشكل خاص بلدانهم والمجيء للغرب.
بزمن نظام صدام جرذ العوجة كان الأطباء وعامة المواطنيين يهربون من العراق بطرق صعبة كلفت الكثير منهم حياتهم، حيث كانت مخابرات صدام الجرذ تتعاون مع المهربين لتسليم الهاربين لمخابرات صدام واجهزته القمعية.
انا شخصيا حاولت الهروب من العراق بسبب طائفية واجرام نظام صدام الجرذ، فكرت بالهروب من العراق الذي تحكمه عصابة العوجة، عندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة والاعدادية لكنني لم اوفق.
في حقبة الثمانينات كان شخص كوردي من أهالي السليمانية يعمل في نقل البضائع، يأتي لبيع بضاعته في قضاء الحي، لديه شاحنة، سمعنا من بعض الذين يتعاملون معه يستطيع تهريب أشخاص خارج العراق، اتفقت مع ضابط من الحي من عشيرة ال غريب الغزية الطائية بالحديث مع أصدقائه للهرب من العراق، قال لي في هذا الشهر يتم تهريب مجموعة من شباب قضاء الحي، ونحن بعدهم، وكان من ضمن المجموعة ضابط اسمه ملازم اول عادل عجيل مطر الغريباوي، بعدها في أيام جائني صديقي ملازم اول عبدالنبي هيلان الغريباوي ليبلغني ان هذا السائق يتعامل مع مخابرات صدام وأنه سلم ملازم أول عادل عجيل مطر والمجموعة التي كانت معه إلى مخابرات صدام وتم اعدامهم، وقال لي نجونا من موت محقق.
قضية الهروب من نظام حكم صدام الجرذ كانت صعبة، بل ويتعرض الهارب إلى مخاطر القتل، أما الآن بعد سقوط نظام البعث فأصبح الخروج من العراق بشكل طبيعي ورسمي، وبدون مضايقات.
بل آلاف من الأطباء العراقيين يقومون من خلال مواقع الانترنت في التعاقد مع شركات ومع مستشفيات بالدول الغربية وامريكا، للحصول على عقود عمل واعطائهم فيزا يستلموها من السفارات ويخرجون بطريقة عادية من مطارات ومنافذ العراق الحدودية.
بل وتعرفت على عدد كبير من أطباء عراقيين تعاقدوا مع مستشفيات دنماركية وسويدية، وصل عدد من حصل على عقود بالدنمارك وحدها حوالي ثلاثة آلاف طبيب في تخصصات عديدة، هناك من يعتبر مغادرة الأطباء العراقيين للغرب خسارة كبيرة، ظاهرة هجرة الأطباء العرب باتت ظاهرة طبيعية، تحدثت عنها صحف أمريكية منها صحيفة الواشنطن بوست خصصت عنوان، الأطباء الشباب يهاجرون من مصر بحثًا عن وظائف أفضل بالخارج.
الوضع الاقتصادي في مصر يلزم الطبيب الشاب المصري الذهاب لكي يتعاقد من مستشفيات بريطانية او نرويجية او ألمانية يحصل على راتب يعادل أربعين مرة عن الراتب الذي يتقاضاه في مصر، بينما الطبيب العراقي يحصل على راتب يعتبر أعلى راتب اذا قورن في رواتب الأطباء بالدول العربية والاسلامية، لكن سبب هجرة الأطباء العراقيين للغرب ليس بسبب الفقر، وإنما الغاية العيش في بيئة غربية هادئة تمنح المواطنين حريات غير محددة في مجالات الرفاهية والجنسية، معظم الناس بدول الشرق تعاني من أمراض الكبت الجنسي، مضاف لذلك حالات عدم الاستقرار وتهديد بعض الأطباء من قبل الأشخاص في أسباب تتعلق في موت بعض المرضى بسبب العمليات الجراحية، لكن التهديد مهما وصل فهو سبب غير مقنع للهجرة من العراق للعيش في دول الغرب.
الأطباء المصريين والعرب عندما يذهبون لدول الخليج يتم إعطائهم مبالغ ربما ينظر لها المصري والعربي والهندي والباكستاني انها مرتبات عالية، لكن وجدت دول الخليج تعطي رواتب أعلى من الرواتب التي تعطى للأطباء العرب والهنود إلى الأطباء الذين يحملون جناسي الاتحاد الأوروبي وامريكا.
لذلك الكثير من أبناء المهاجرين العرب الذين يحملون جناسي اوروبية يذهبون لدول الخليج للعمل كاطباء ومهندسين وممرضين وبرواتب جدا عالية وممتازة.
صحيفة واشنطن بوست تسأل طبيبة مصرية عمرها ٢٨ عامًا، تعمل فى مصر، خلال التقرير الذي نشرته الصحيفة، حيث أجابت هذه الطبيبة الشابة، راتبى الشهرى يكفى بالكاد تكلفة مواصلاتى والإفطار، أعمل ٧ أيام فى الأسبوع وكثيرًا ما أبيت فى المستشفى.
المشكلة بالدول العربية ومنها بالوضع العراقي، أن الدولة العراقية تتعب وتصرف ملايين الدولارات على الطلاب بدراستهم من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، وفي الدراسة الجامعية، كل مهندس وطبيب ومدرس ورجل أعمال ومحاسب ومحامي ….الخ يكلف الدولة العراقية مبالغ طائلة، بحيث الدولة العراقية تدعم التكاليف بنسبة ١٠٠% والنتيجة تعجز الحكومات العراقية في استثمار الأطباء والمهندسين.
دول كثيرة لديهم خطط استثمارية يستثمرون الأطباء والمهندسين وخريجي كليات الإدارة والاقتصاد في تصدير هؤلاء إلى دول العالم، ويتم إيجاد مكتب مهمته يقوم في تصدير الأطباء والفنيين للخارج من خلال إيجاد أماكن عمل لهم في خارج البلاد مقابل خصم نسبة من رواتبهم تذهب للدولة، بل ومكتب العمل يقوم بنقلهم من دولة إلى دولة اخرى، ربما البعض يسخر من كلامي ويقول هذا الكلام مجرد كلام مبالغ به، اقول كوبا دولة معروفة بالعالم، اول دولة بالعالم عملت على تصدير الأطباء لكل دول العالم ويتم خصم نسبة من رواتب الأطباء الكوبيين تذهب إلى خزينة الدولة الكوبية.
رأيت في رومانيا مدن طبية منها مدينة اراديوا الطبية تستقطب اكثر من خمسين ألف طالب من مختلف دول العالم وكل طالب يدفع ٧٠٠٠ يورو عن كل سنة دراسية، يضاف لذلك أجور سكن ومعيشة، الدولة الرومانية تكسب مليارات الدولارات من وجود عشرات آلاف الطلاب الدراسين في الجامعات الرومانية الطبية، حيث توجد مدن طبية أخرى في عدة مدن رومانية عديدة، لذلك الاقتصاد الروماني يربح مليارات الدولارات من خلال الجامعات الرومانية التي تستقطب الطلاب من خارج البلاد.
بالعراق لدينا عشرات آلاف الطلاب الذين يحصلون على معدلات تفوق معدل التسعين، والمنافسة شديدة تكون محصورة بين ٩٨، إلى ١٠٠ فقط، يفترض بالدولة العراقية استحداث مدينة طبية تقبل كل الطلاب أصحاب المعدلات مابين الثمانين والمائة للدراسة في المدينة الطبية، ويتم تأسيس مكتب في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واجبه يحصل على وظائف للأطباء العراقيين الراغبين في العمل في دول أوروبا وامريكا وأستراليا واسيا، مهمة المكتب يحصل لهم عقود العمل وتكون العقود كل سنتين يتم نقل الأطباء لدول أخرى، وبذلك يتم الاستفادة اقتصادياً من أطباء العراق.
في دول أوروبا على سبيل المثال لكل الف مواطن يتم توظيف شرطي واحد، ولكل بضع آلاف من المواطنين يخصص طبيب، على سبيل المثال، أمريكا التي يصل معدلها إلى ٣٥ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن، وفى السويد ٧٠ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن.
مجالات الاستثمار بالعراق ليست محصورة في زراعة النخيل واقامة المصانع والمعامل، بل يمكن الاستثمار في مجال الجامعات، يمكن قبول الطلاب العرب والآسيويين للدراسة بالجامعات العراقية مقابل دفع اموال، ويمكن استثمار الأطباء والممرضين والفنيين والمهندسين في إيجاد فرص عمل لهم بالخارج بنفس التجربة الكوبية، أتذكر بالعراق عام ١٩٧٨ حكومة البعث أحضرت مئات الأطباء الكوبيين للعمل في المستشفيات العراقية، أحدهم تم تعينه في مستشفى الحي اسمه مطيع، كانت لي معه معرفة، سألته عن عمله، قال عقدنا سنتين ويتم نقلنا إلى بلدان أخرى للعمل بها.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
4/10/2023