لم تؤكد لا طهران ولا واشنطن المعلومات التي أوردتها مصادر صحفية أمريكية وإيرانية بشأن مفاوضات أمريكية إيرانية لتسوية المشاكل العالقة بين الجانبين وصولاً إلى إبرام “اتفاق مؤقت”؛ إلا أن ردة فعل الجانب الإسرائيلي “الإنفعالية” على هذه المعلومات تشي بأن شيئاً ما قد تحرك على صعيد الملف النووي.
وبعيداً عن صحة هذه التسريبات من عدمها، فإنها تتحدث عن لقاءات متعددة حصلت بين سعيد ايرواني، مندوب إيران لدی منظمة الأمم المتحدة، وروبرت مالي، مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية، تم خلالها التفاهم علی “اتفاق مؤقت” يتيح لإيران بيع النفط بمعدل مليون و200 ألف برميل يومياً والإفراج عن ودائع مالية إيرانية محتجزة، بينها 2.76 مليار دولار وافق العراق، أمس، على دفعها لإيران، بعد الحصول على إعفاءات من العقوبات الأمريكية، كل ذلك مقابل تعليق انشطة تخصيب اليورانيوم المرتفعة التي تصل الی 60 بالمائة.
وتمضي التسريبات في القول إن الإتفاق بين واشنطن وطهران بات جاهزاً.. وهو الآن علی طاولة قيادتي البلدين! .
من الجانب الأمريكي، نفت وزارة الخارجية هذه التسريبات، كما أن الجانب الإيراني رأی أن هذه المعلومات غير دقيقة ولا تمتلك المصداقية الكافية، لكن معلومات إيرانية غير رسمية تشير إلى دخول سلطنة عمان ودولة قطر على خط فتح قناة ديبلوماسية للحوار بين طهران وواشنطن، خصوصاً أن سعيد ايرواني كان قد قاد المباحثات مع الجانب السعودي في بغداد، في حقبة مصطفى الكاظمي، كما أنه كان معاوناً لأمين مجلس الأمن القومي الإيراني قبل أن يتحمل مسؤولية رئاسة البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة؛ في الوقت الذي ذكر موقع “اكسيوس” الأمريكي أن مسؤولين أمريكيين أجروا محادثات غير مباشرة مع إيرانيين في عُمان للتوصل إلى تفاهم بشأن برنامج إيران النووي حيث نقلت مصادر إيرانية أن كبير المفاوضيين الإيرانيين علي باقري كني قد شارك في هذه المباحثات. وما يدعم صحة هذه التسريبات سلسلة مؤشرات حدثت منذ الزيارة المهمة التي قام بها سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران في بداية شهر حزيران/يونيو الجاري، أبرزها تنفيذ صفقة تبادل معتقلين بين طهران والدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة، بعدما كانت مجمدة منذ العام 2022.
أما المؤشر الثاني فيتعلق بالحديث عن الإفراج عن الودائع الإيرانية المحتجزة في العراق وكوريا الجنوبية واليابان إضافة إلی صندوق النقد الدولي والتي تبلغ 24 مليار دولار ودخول البنك المركزي العُماني علی خط هذه الصفقة لترتيب صرف هذه الودائع في الاعتمادات الإيرانية المفتوحة لشراء الغذاء والدواء.
المؤشر الثالث يتمثل بقيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسوية مشاكلها مع طهران استنادا إلی “خارطة طريق” وُضعت بين الجانبين في الوقت الذي قال عضو الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي إن إيران لن توقع علی اي قرار من دون تسوية كافة المشاكل العالقة مع الوكالة الدولية، الأمر الذي اعطی انطباعاً علی وجود “شيء ما” قد يُفضي إلى “اتفاق مؤقت” او إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
المؤشر الرابع هو الإتصال المطول الذي أجراه الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي لمدة تسعين دقيقة وأكدا خلاله على تعزيز التواصل والتفاعل الثنائي وخاصة في ما يتعلق برفع العقوبات والتطورات الإقليمية، حسب المسؤول الإيراني محمد جمشيدي.
ويقول مصدر ديبلوماسي أوروبي في طهران إنه ثمة متغيرات جديدة في العلاقة الأمريكية الإيرانية وهناك جهد غربي تقوده واشنطن للتقرب من طهران خصوصاً بعد العثور علی عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83 بالمائة، وهي نسبة قريبة جداً من عتبة صناعة القنبلة النووية؛ إضافة إلی اقتراب طهران بشكل كبير من موسكو؛ والتقدم الحاصل في المنظومة الصاروخية الإيرانية؛ ناهيك عن التعاون الروسي الإيراني في المجال العسكري والذي سيتيح لإيران الحصول علی طائرات “سوخوي ـ 35” الروسية في القريب العاجل، كما تتحدث المصادر الإيرانية.
مثل هذه المتغيرات ـ يضيف الدبلوماسي الأوروبي ـ مقلقة للدول الغربية وتحديداً واشنطن التي تريد ضبط الطموحات النووية الإيرانية ولجم التقارب الإيراني الروسي خصوصا في المجال العسكري.
وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن قد زار طهران في بداية العام الحالي، ونقل إليها رغبة أمريكية لحلحلة المفاوضات النووية من خلال تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والافراج عن الودائع المالية الإيرانية المجمدة؛ اضافة الی النتائج التي تمخضت عنها زيارة سُلطان عمان الذي نقل تصورات أمريكية فيما سمع من القيادة الإيرانية تصورات عن مستقبل العلاقة بين إيران والدول الغربية. أما ما يخص التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد نجح الجانبان في تسوية نقطتين من أربع نقاط عالقة بينهما. فقد استطاعت إيران إقناع الوكالة بالظروف التي أدت الی وجود عينات فيها يورانيوم مخصب بنسبة 83 بالمائة، وهي قضية فنية طبيعية لا تدل علی امتلاك إيران لهذه النسبة من التخصيب؛ كما أن إيران اقنعت الوكالة بأن موقع “ابادة” في مدينة مريوان لا يشهد أي نشاط نووي في الوقت الراهن؛ في الوقت الذي يعمل الجانبان لمعالجة القضايا المتعلقة بموقعين آخرين هما موقع “تور قوز أباد” و”ورامين” في ضواحي طهران. هذه الخطوات هدفها خلق مناخ من الثقة المتبادلة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي هذا الاطار؛ لا يمكن نفي وجود نشاط دبلوماسي إيراني أمريكي علی الرغم من نفي العاصمتين الإيرانية والأمريكية، لكن السؤال الأبرز إلى ماذا يهدف هذا النشاط؟ هل لصفقة تبادل معتقلين؟ أم لتنفيذ صفقة الإفراج عن الودائع الإيرانية المجمدة؟ أم أنه ثمة محاولة جدية للتوصل إلى اتفاق سواء أكان دائماً أم مؤقتاً؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة وإن كانت صعبة نظراً لحساسية وأهمية العلاقة بين واشنطن وطهران والمواضيع المطروحة بينهما، إلا أنها لا تمنع من الاجابة بـ”نعم” علی معظم هذه الأسئلة إستنادا إلى المؤشرات المتوافرة.. وإن غداً لناظره قريب.
(U2saleh@gmail.com)