اقتصاديةعراقيةمقالات

موازنة  الأعوام  2023، 2024، 2025 ممكنة ام لا؟

بقلم - عادل عبد المهدي

موازنات بنود رتيبة، بلا اهداف حقيقية، يسيطر عليها الجانب التشغيلي، وموارد النفط المتقلبة، والعجز والاقتراض. تسعى لتلبية طلبات مباشرة على حساب تعميق الازمة والترهل وتراجع القطاعات الحقيقية. اقترحنا بعد تجربتنا القصيرة في وزارة المالية (2004)، اعادة النظر، ونشرنا مقالات ومذكرات لاصلاحات جذرية اهمها:

1- اخضاع منطق الموازنة لمنطق الاقتصاد، لتكون الاولى جزءاً من الثانية وليس العكس. فالعراق في معظمه اليوم من خزينة وموازنة ومعاشات وثروات ومصارف واصول واراض (اميرية) زراعية وعقارات وممتلكات وغيرها بيد وزارة المالية الشديدة البيروقراطية والتسويف. ولا تمثل ملكية المواطنين والمؤسسات والجماعات والشركات وبقية المؤسسات العامة سوى نسباً قليلة لما بيد الوزارة.

2- الانتقال الى موازنة البرامج والاداء. فالمطلوب ملاحقة البرنامج ومراحل تنفيذه، لا مجرد وضع حجر الاساس، ورصد التخصيصات، واعلان المناقصات، ومراكمة المشاريع، لتنتهي الى المحاكم والمشاريع المتلكئة. لتضيع مئات مليارات الدولارات

3- تقليل مخاطر تقلبات اسعار النفط باعتماد سعرين. الاول “ثابت” يلبي متطلبات النفقات الضرورية المحكومين بتلبيتها. وهو الجزء الاكبر للموارد. والثاني “متحرك” وهو الفارق بين “الثابت” والحقيقي للاسعار. فيكون “الثابت” ضامناً معقولاً للايفاء بالالتزامات الاساسية عند الشحة، ليمثل بالمقابل مصداً للافراط في رفع “التشغيلية”، عند البحبوحة. اما “المتحرك”، فبقية السعر الحقيقي للنفط، وبقية الموارد والقروض والمنح والهبات، الخ. ويخصص (احتياطاً لمواجهة انخفاض الاسعار) لتمويل صناديق الاعمار والاجيال والفقراء، وتلبية متطلبات المشاريع الاستثمارية المحسوبة بعمر المشاريع وليس السنة المالية فقط. فننشط القطاعات الحقيقية، السبيل الوحيد لرفع مستويات العمالة والانتاج، ولمواجهة الطابع الريعي للاقتصاد، واعتماده على الموازنة التي تعتمد على النفط واسعاره.

هذا التوجه (او ما يشابهه) يسمح ببناء توجهات ايجابية عديدة، وهذان مثالان:

1) الموازنة السنوية بافق سنوات عدة. فاذا كان معظم التشغيلية بالضرورة لعام واحد، فان الاستثمارية يمكن ان تكون للاعوام اللازمة لانجاز المشاريع. فجاء قانون الادارة المالية (2019) ليفتح الموازنة لعدة سنوات، وليربطها بخطط التنمية (الفصل الثاني: اعداد الموازنة، خصوصاً المواد 2-10).

2) نشاطات تنموية في القطاعين العام والخاص يحركها الاقتصاد، تستحصل مواردها من المنبع وتسهيلاته لتتحرر من الموازنة وتعقيداتها. وكمثال، نظمت وزارة النفط (2015 وكنت وزيراً) مشروع اتفاق مع الصين اثناء زيارة السيد رئيس الوزارء يومها. المشروع يسعى لاستخدام النفط مقابل الاعمار في المشاريع النفطية وغير النفطية. وهو ما وقع لاحقاً كمذكرة تفاهم (11/5/2018) بين وزارة المالية والجانب الصيني. وعند تولينا رئاسة الوزراء، وزيارتنا للصين (2019)، طورنا ووقعنا الاتفاق الاطاري. وهو لم يكن مجرد قرض، كما يتصور البعض. فما يُطلق “الحساب الاستثماري” هو وضع ما قيمته 100 الف برميل/نفط/يوم (قابل للزيادة الى 300). انه كمن يفتح حسابا مصرفياً. فيحظى بثقة المصرف لصلابة اصوله. فيستثمرها مع الاستفادة من التسهيلات الائتمانية المختلفة. انها شراكة متبادلة. فتقرر الحكومة مشاريعها الارتكازية والبنى التحتية والاستثمارية والخدمية، ليقدم الشريك افضل عروضه، مع بقاء اصولنا والكلمة الاخيرة لنا. وقد اقترحنا هذا التطبيق مع بلدان اخرى كاليابان وغيرها، لنستثمر الميزان التجاري (النفطي) الذي هو لصالحنا. فنحرر جزءاً مهماً من الموازنة من اندفاعات التشغيلية المستحوذة على موارد النفط، ونحرر انفسنا من دورات السبات والتوقفات اللامتناهية لموازناتنا السنوية. فينمو القطاع اللانفطي، وتنمو العمالة في الخاص والعام، وهكذا. فعندما نقر المشاريع، فهي لن تُعطَل، لاننا وفرنا -ابتداءاً- مصادر تمويلها. فنحرك في الاقتصاد والقطاعات الحقيقية، ما حركته “جولات التراخيص” النفطية. فرغم بعض ثغراتها، لكنها انقذت العراق وضاعفت، العمالة والمنافع، كما ضاعفت انتاج النفط وصادراته، وصرنا الثاني في اوبك، والرابع/الخامس عالمياً.

فهناك فهم خاطىء للاقتصاد. فالاشخاص الاقتصاديون المختلفون يتحركون وفق دوافعهم ومصالحهم واطاراتهم وفرصهم. وواجب السياسة العامة الاحاطة بهذه الامور وتصريفها بما يحقق النفع العام والخاص. فتضع الحكومة، بعد التشاور مع السلطة التشريعية، ومختلف اصحاب العلاقة والخبراء، في الدولة وخارجها، التقديرات المستقبلية والحالة الحقيقية للاقتصاد الوطني والعالمي. فتصاغ الخطط والاستراتيجيات الضرورية. لتأتي الموازنة السنوية كمقدمة للموازنات اللاحقة، كما اشترط قانون الادارة المالية. فمجلس النواب سيناقش منطلقاتها،كما سيناقش ويقر مخرجاتها، ويراقب التنفيذ، كل في مجاله.

4- حرمت الازمة السياسية الحكومة من استكمال كافة متطلبات قانون الادارة المالية. لكن في الموازنة اختراقات ايجابية عديدة يمكن للموازنات القادمة تطويرها. والامل ان لا تعرقل بعض الاثارات النظرية -المحقة- عملية الاقرار، فالتعطيل هو الاسوء. والضامن ان موازنات الاعوام القادمة تشترط موافقة مجلس النواب ايضاً.

يتطلب تطبيق موازنة البرامج وقانون الادارة المالية اصلاحات باتت ممكنة لمواجهة تقلبات اسعار النفط. فنستثمر مواردنا بافضل رؤى الاقتصاد والتخطيط والادخار والاستثمار والصناديق الاحتياطية والبدائل الميسرة الضرورية، لنعبر بها فترات انخفاض الاسعار، ولتعقلن سياساتنا ايام ارتفاعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى