يا أمة الإسلام أغيثوا أهل غزة
لا عذر اليوم لأحد، ولا تبرير لقاعدٍ أو غير قادرٍ، ولا عفو عن عاجزٍ أو ضعيفٍ، ولا مكان لمتفرجٍ ولا متسع لمشاهدٍ، ولا مكان لصامتٍ أو مبرر لساكتٍ، فالتكليف عامٌ والواجب فرديٌ، والنفير شامل والفرض عينٌ، ولن يغفر الله عز وجل لمسلمٍ في آخر بقاع الدنيا أياً كان ظرفه وحاله، وأياً كانت حكومته وبلاده، قصر عن نجدة أهل غزة وإغاثتهم، وتباطأ في نصرتهم ومساعدتهم، أو تأخر في تقديم العون لهم والغيرة عليهم، ولم يقف معهم وإلى جانبهم، ولم يؤيدهم وينصرهم، ولم يتضامن معهم ويخفف عنهم، ولم يعزز صمودهم ويساهم في ثباتهم، ولم يبذل غاية ما يستطيع
دفاعاً عنهم وحمايةً لهم.
أيها المسلمون في كل مكانٍ، إن الأمر جللٌ والحدث كبير، وإن النازلة خطيرة والنكبة شديدة، فأهل غزة الصيد الأباة الكماة، الفلسطينيون العرب المسلمون، يدافعون عن القدس الشريف والأقصى المبارك، ويضحون من أجل فلسطين ومقدساتها، ويقدمون الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامة الأمة وسؤددها، وقد أعطوا الكثير وصمدوا، وتكبدوا الصعاب وصبروا، وفقدوا الأحبة واحتسبوا، ولم يذلوا أو يهونوا، ولم يفرطوا أو يستسلموا، بل حافظوا على رايتهم مرفوعة، وعزتهم مصانة، ولم يخضعوا لعدوهم أو يجبنوا أمامه، وما زالوا حتى اليوم وقد قاربوا في شهر رمضان الفضيل على نهاية الشهر السادس من الثبات والصمود، والمقاومة والقتال.
أيها المسلمون في كل مكان، إن غزة الجريحة تناديكم، وتتطلع إليكم وتناشدكم، وتأمل فيكم وترجوكم، وإن أهلها المحاصرين يستنصرونكم وينتظرونكم فلا تخذلوهم، وقد اعتادوا على مواقفكم وخبروا نخوتكم فلا تتأخروا عليهم، وإن أطفالها الجوعى يستصرخونكم ويسألونكم فلا تتخلوا عنهم ولا تتركوهم وحدهم، فقد والله ضاق بهم الحال واستعظم الخطب، ونال منهم العدو وبطش، وتآمر عليهم القريب والبعيد، وهم اليوم أمامكم يقتلهم الجوع ويفتك بهم المرض، ويتربص بهم العدو وهم يجمعون ما اخضر من نبات الأرض، ويلملمون ما تناثر وسقط من السماء، من فتات المانحين المتآمرين، المشاركين في العدوان والموافقين على الجوع والحصار.
أيها المسلمون في كل مكان، قد لا ينتظر أهل غزة منكم اليوم جيوشاً جرارةً تهب لنجدتهم، وتتحرك لنصرتهم، أو تقاتل معهم وتقاوم إلى جانبهم، فهم أعلم بالحال وأدرى بالظروف، ويدركون أن قرارات بلادكم مسلوبة، وأن حكوماتكم مرتهنة، وأن سيادتها منقوصة، وأن أمرها بيد غيرها لا بيد أهلها، وأنه لو ترك الأمر إليكم فإنكم لن تترددوا في اجتياز الحدود وكسر الحصار والمشاركة في المقاومة والقتال.
لكن المطلوب منكم اليوم إغاثة أهل غزة المحاصرين بالمال، ومساعدتهم على البقاء، ودعم صمودهم في الأرض ببعض العطاء، فالعدو قد حاصرهم وأطبق عليهم، وقرر حرمانهم وعزم على قتلهم جوعاً وعطشاً، ورغم أنهم يتضورون جوعاً وتنهار أجسادهم عطشاً، وقد أصابهم المرض وطغا عليهم الوهن، إلا أنهم يرفضون الاستسلام، ويصرون على البقاء، ولا يقبلون بشروط العدو وخياراته، فلا نتركهم وحدهم في هذه المعركة القاسية المؤلمة يموتون بصمت، وتخفت أصواتهم بهدوء، ويتلاشى وجودهم بالتدريج، فهم والله بقية الأمة العزيزة، وخيرتها المقاومة، الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم ما أصابهم، وإنهم والله كذلك كانوا ولا زالوا وسيبقون.
أيها المسلمون في كل مكانٍ، أنتم اليوم قرابة ملياري مسلم، وأهل غزة أكثر بقليل من مليوني فلسطيني، فهل يضامون وأنتم كثرة، وهل يجوعون وأنتم شبعى، أم يموتون وأنتم أبقى، إنكم اليوم أغنى وهم أقنى، وأنتم أقدر وهم أضعف، فلا تقصروا في إرسال المال لهم ليبقوا، وتحويل المساعدات لهم ليثبتوا، واعلموا أن أهل غزة جميعاً في حاجة، فليس فيهم فقير وغني، أو عاجز وقادر، بل هم جميعاً فقراء وفي حاجة، فكيفما ترسلون أموالكم فإنها تقع في أيدي من يستحقها، وإن أهل غزة جميعاً يستحقونها، ولا تستصغروا ما تقدمون، ولا تستخفوا بما تتبرعون، ولا تتأخروا أو تترددوا، واعلموا أنكم ستسألون عن أهل غزة يوم القيامة، وستحاسبون عن تقصيركم تجاههم حساباً عسيراً، فاستبقوا الخيرات وقدموا بين يدي الله عز وجل ما يشفع لكم ويخفف عنكم.
بيروت في 16/3/2024
moustafa.leddawi@gmail.com