منذ أيام، أرسلت الدولة السورية اعتراضاً رسمياً للدولة اللبنانية على دور الأبراج البريطانية المنتشرة على حدودها الغربية مع لبنان، وبحسب الشكوى التي قدّمتها وزارة الخارجية السورية إلى نظيرتها اللبنانية، فإن هذه الأبراج هي مواقع استخبارية عسكرية تستطيع كشف ما يحدث على الأراضي السورية حتى عمق كبير يصل إلى مدينة القامشلي في داخل الأراضي السورية. صحيح أن هذه الأبراج وفرّت رؤيا للجيش اللبناني حتى مسافة 65 كم على طول الحدود، لكنها في الوقت نفسه جعلت الأرض السورية مكشوفة لأعدائها وخاصة الصهاينة، والذين ينفذون بين كل فينة وأخرى اعتداءات يتم فيها استهداف مراكز محددة وشخصيات أغلبها من المستشارين الإيرانيين، وأفراد من المقاومة، ومواقع حساسة في داخل العمق السوري.
يتساءل البعض بشأن قرار الدولة السورية إثارة هذه القضية في الوقت الحالي، والذي جاء بعد 12 عاماً على بناء هذه الأبراج، في العام 2012، ذلك لأن الإدارة السورية باتت تعلم بما لا يقبل الشك أن هناك من يتطلع على عملها، وبالتالي فقد طلبت الدولة السورية ضمن المذكرة، التي أرسلتها، الإطلاع على المعلومات التي يحصل عليها لبنان عن الداخل السوري، مما سيعطي السوريين الحق بالتعامل بما يتناسب مع الخرق الذي تتعرض له، ويفتح المجال أمامها من أجل تحصين أمنها الإستراتيجي والمعلوماتي الداخلي وكشف المعلومات التي تحصلت عليها الأبراج وتحديد كيفية استفادة العدو الصهيوني منها.
ليس الأمر أن الجيش اللبناني يزود العدو الصهيوني بأية معلومات، ولكن القلق سيكون من أمرين أساسيين. الأول، أن يكون هناك جواسيس في الداخل يهربون المعلومات للعدو، والإحتجاج السوري سيمكن من التنبه ورصد مصداقية القائمين على الأمر وسيسهل كشف من يقوم بتسليم المعلومات للعدو. والثاني، قد يساعد التحقيق على تبيان منهجية إستفادة العدو من التقنيات المتواجدة على الحدود، ولربما يكون ذلك من خلال زرع رقائق الكترونية يمكنها أن تبث المعلومات للعدو الصهيوني وتشاركه بها، وبالتالي يمكن تفادي الكوارث التي ستنتج عن تسريب المعلومات.
وبحسب المذكرة في جزءها الثاني، والمتعلق بالحدود المشتركة بين الدول، يفرض القانون الدولي على الدولة الأولى لبنان، في حال عدم وجود حرب بين الدولتين، تزويد الدولة الثانية، وهي سوريا، بالناتج المعلوماتي من أبراج المراقبة التي تنشأها بالناتج المعلوماتي من أبراج المراقبة على حدود الدولة الثانية. أما في حال الحرب فيحق للدولتين إنشاء أبراج متقابلة على مسافة صفر من جانبي الحدود. وإن فعلت الدولة السورية ذلك فستكون النتائج التسبب بإعماء الدولة المعادية. لذا تم مطالبة الدولة اللبنانية بالتوضيح وإتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأمن المشترك ما بين البلدين.
لبنان الذي يستعد للرد الرسمي كما جاء على لسان وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، حيث قال إن هذه الأبراج هدفها مراقبة الحدود، ومنع عمليات التسلل والتهريب، وذلك بعد لقائه رئيس الوزراء اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وأكد حبيب أن لبنان لا يقبل أن تُشكّل هذه الأبراج تهديداً عدائياً لسوريا، ولبنان اليوم بانتظار تقرير قيادة الجيش لصياغة ردها قبل تسليمه للحكومة السورية، لأن التشاور حول هذه المسائل يتم على أعلى المستويات داخلياً لضمان استقرار لبنان.
اعتراض الدولة السورية جلب الكثير من التعليقات في وسائل إعلام معادية، وأن هواجس السوريين تأخرت 12 عاماً، لكنها في الحقيقة هواجس مشروعة جاءت بعد ظهور المعلومات التي حملتها زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى لبنان والذي قدّم اقتراحاً بنصب المزيد من هذه الأبراج في الجنوب. والأبراج المماثلة من الجنوب، هدفها الوحيد سيكون رصد حركة المقاومين وكشفهم أمام العدو الصهيوني، وكشف أسرار للمقاومة وحول أماكن تواجد قياداتها، كما يهدف إلى وضع المقاومين في مواجهة الجيش اللبناني، وهذا ما كانت “اسرائيل” وأمريكا تأملان بحدوثه منذ ساعة تأسيس فيها دولة الكيان العبري.
كما جاء العرض البريطاني بعد رفض الدولة اللبنانية الطلب الأميركي بمطالبة المقاومة في لبنان وقف دعم المقاومين في فلسطين خلال الحرب الدائرة على غزة. وهذا يدل على فعالية المعلومات الإستخباراتية، التي تجمعها هذه الأبراج بالنسبة للبريطانيين وحلفائهم من الصهاينة والأميركيين، الذين يرغبون بتتبع تحركات القادة في حزب الله، والمستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية وبالتالي تحركات المقاومات العربية من العراق إلى حدود فلسطين.
طلب الخارجية السورية، يجعلنا نفكر بطريقة أعمق بما قاله السيد حسن نصر الله حول اقتلاع العيون الصهيونية على الجانب الفلسطيني بعد أن هدمت المقاومة أبراجها، كما يجعلنا نفكر لأي درجة يمكن لهذه الأبراج أت تتصل بالهواتف المحمولة ودورها في تتبع الأفراد في سوريا ولبنان ومهاجمتهم في اللحظة. وإذا ما كانت الصحافة العبرية الإنتماء تتسائل عن سبب اعتراض الدولة السورية اليوم، فذلك مرتبط بإزدياد وتيرة عمليات القصف والإغتيال في سوريا، وآخرها القصف الصهيوني لبيت محدد في منطقة كفرسوسة السكنية في محافظة دمشق منذ أسبوع تقريباً. كما ان لهذه الأبراج البريطانية على الحدود اللبنانية دور على ما يبدو في تحديد أماكن سكن وعمل المستشارين الإيرانيين الذين تستهدفهم إسرائيل وتسعى لاغتيالهم.
إن طلب كاميرون لم يكن نظيفاً، وما تريده بريطانيا من خلال أبراجها هو تأمين عيون وقحة في الجنوب ليستعيض بها العدو عن العيون التي فقأتها المقاومة في الحافة الأمامية، وما تريده سوريا من المذكرة فقأ العيون التي ترصد المقاومين في لبنان، والمستشارين الإيرانيين، والشخصيات المهمة في سوريا وتحاول كشف البلد للمجهول، في حين أن التسلل والتهريب ما بين سوريا ولبنان مازال قائماً على قدم وساق، مما يدفع للتساؤل عمن يراقب هؤلاء المراقبون؟
36 برجاً بريطانياً للتجسس في السلسلة الشرقية
وقد أنشأ البريطانيون 36 برج مراقبة محصن من طراز SANGARS وذلك في نقاط الجيش اللبناني المنتشرة على الحدود السورية في السلسلة الشرقية، ويوفر كل مرصد منها رؤية بنصف قطر 360 درجة لمسافة 10 كيلومترات.
وكان مصدر ميداني أفاد للخنادق “أن هذه المنطقة الفاصلة بين لبنان وسوريا – حيث تم نصب المراصد البريطانية – يُستفاد منها لمراقبة سهل البقاع، وطريق بيروت الشام الذي كان يُعتبر عند السوريين خطًا أحمرًا في كافة معاركه وحروبه مع اسرائيل لقربه من الشام”.
ورأى المصدر “أن هذه الأبراج قد تتضمن فيها غرفاً للتنصت على كل أنواع وأجهزة التواصل في سوريا، وترصد القوات السورية والروسية والإيرانية الموجودة هناك، على غرار الأبراج الإسرائيلية “تسياد” الموجودة على الحدود مع فلسطين المحتلة”.
وعن خطورة هذه الأبراج يوضّح المصدر بأنه “يمكن أن يُستفاد منها في إدارة التحكم والسيطرة على غرار عمل منظومة تسياد الإسرائيلية”، وقال” إن هذه الأبراج يمكنها أن ترسل وتستقبل الإشارات المشفّرة من أجهزة تتبع مع الأفراد والمجموعات وقياداتهم”.
وأوضح المصدر الميداني أن هذه “المراصد البريطانية تراعي التغطية الشاملة، ويُشكّل كل مرصد منها تقاطعًا مع الآخر، وأن كثرة المراصد (36) تعود أسبابها الى طبيعة الأرض من منخفضات وجبال، وتحتوي على كاميرات حرارية وليلية بعيدة، يصل مداها الى عدة كيلومترات”.
وكانت صحيفة التايمز البريطانية كشفت ان أبراج المراقبة يصل ارتفاعها الى 30 قدمًا وقد استخدمت في إيرلندا ولاحقاً في العراق وأفغانستان وهي تُدار عن بٌعد بهدف مراقبة الحدود السورية.
بدوره، كان إيليا مغناير الباحث السياسي البريطاني في مؤسسة صاموئيل روبنسون، وهو مراسل حربي حضر لأكثر من 35 سنة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لا سيما لبنان وسوريا والعراق، كتب في مقال له تحت عنوان” أبراج مراقبة بريطانية مرتبطة بالأقمار الصناعية في لبنان تراقب حزب الله”، قال إن “ليس هناك شك في أن هذه الأبراج تجمع معلومات استخباراتية، وبالتأكيد ليس ضد داعش أو القاعدة”، مؤكدا أن “هذه الأبراج تشارك المعلومات عبر الأقمار الصناعية مع إسرائيل عن طيب خاطر أو بغير قصد”، وقال نقلاً عن مصدر في محور المقاومة في سوريا “إنهم يراقبون حزب الله، وحزب الله يراقبهم عن كثب، واليوم الذي تصبح فيه هذه الأبراج تهديدًا خطيرًا، لن يكون تحييدها مهمة صعبة”.
موقع االخنادق