يروى أن حكيما فارسيا قال ذات يوم “لا يرقى إلى السماء بالسلالم”، وكما يبدو أن هذا الحكيم يؤكد الحاجة لوسيلة متقدمة تتجاوز سقف الأمنيات، ومما لا شك فيه أن إيران اختارت طريق التقدم العلمي وبناء أجهزتها الوطنية، لتجابه الأخطار وتكسر شوكة المتآمرين، ولتحدد أيضا بشكل دقيق مصادر قوة أعدائها، وتكشف مبكرا خططهم ونواياهم، وأكثر من ذلك بالكشف عن هيكليات أنظمتهم وأساليب تحركهم وتخفيهم، بل وأنماط تفكيرهم وما يرومون تحقيقه للإضرار بها، لتحقيق هيمنتهم على حكومات وشعوب العالم وهنا بيت القصيد.
انطلاقا من هذه العقيدة الأمنية قامت وزارة الأمن الإيرانية بالكشف عن تفاصيل عملية استخبارية شملت جمع وتوثيق معلومات تفصيلية عن مجموعات تجسسية، يديرها جهاز الموساد الصهيوني، ويشمل ذلك كشفا عن العناصر المتعاونة معه في 28 بلدا، وفي التفاصيل جرى تسريب معلومات خاصة لها علاقة ببعض أهم المنشآت العسكرية السرية للكيان الصهيوني، بما فيها تلك المشاريع التي تقام خارج حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن نوايا أولئك الجواسيس بضرب مشروع أنظمة الصواريخ الإيرانية.
وزارة الأمن ومعها جهاز الاطلاعات وعبر عمل دؤوب لجهاز أمني وطني موثوق، توصل إلى هذه المعلومات والتي تعتبر معلومات ثمينة ولا مثيل لها، ولإثبات المصداقية ومأرب أخرى ذات طبيعة ترتبط بإثبات القدرة وإعلان الاقتدار، أعلن عن هذه المجاميع التجسسية بالأسماء والمواقع، وحتى الرتب والدرجات التي يشغلونها في جهاز الموساد، ومع من يتعاونون ومن يقومون بتسهيل حصولهم على المعلومات، وبالتزامن مع هذا الإعلان، فإن الكثير من المعلومات الإضافية عن شخوص مرتبطين بجهاز الاستخبارات الصهيونية والمواقع هي قيد التحليل والدراسة، ولان إيران كريمة في علاقاتها مع الحلفاء والأصدقاء، فقد سمحت للبلدان المستهدفة من قبل الكيان الصهيوني المجرم بالاستفادة من هذه المعلومات، وأرسلت قوائم وكشوفات تفصيلية وأدلة ستسهم حتما بمكافحة الأعمال التجسسية ومواجهتها لتقدم بذلك خدمة مجانية لهذه البلدان.
وبناء على ما تقدم فقد جرى تنفيذ عمليات اعتقال عدد من الجواسيس في العاصمة طهران، وعدد من المحافظات الإيرانية، فيما لا يزال بعض الجواسيس الفارين في طور المطاردة والملاحقة الأمنية، وكل ذلك جرى بالتأكيد قبيل أيام من الإعلان عن هذا الحصاد الوفير، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليشمل الإعلان عن عديد الجواسيس الإيرانيين من عملاء الموساد من المقيمين في الخارج.
إن الضربة الموجعة التي وجهها جهاز الاطلاعات الإيراني للصهاينة بكشفه معلومات عشرات الجواسيس المحللين ومئات الجواسيس الأجانب المرتبطين بالموساد الصهيوني في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا يشير لمعنى واحد، هو قدرة إيران وتقدمها وتطور أساليب أجهزتها الاستخبارية، كما يؤكد قدرة إيران على ملاحقة من يحاولون العبث بأمنها وتخريب جبهتها الداخلية، ومن التأكيدات الهامة والرسائل القوية هو أن إيران لا تستهدف موقعا أو ثكنة هنا وهناك دون توافر المعلومات وموثوقيتها وفي ذلك رسالة لمن ينفون صلة الموساد بالمواقع التي جرى استهدافها عن سابق دراية وإصرار مؤخرا في أكثر من بلد مجاور لها.
أما الرسالة الأهم التي تقلق الصهاينة وحلفاءهم الأميركيين فهي تتعلق بعملية طوفان الأقصى وما استولت عليه المقاومة من حواسيب وسيرفرات مرتبطة ببنية الأجهزة العسكرية والأمنية لقوات الاحتلال الغاشمة، والسؤال الذي يدور بخلد أولئك الخائبين ومن معهم يقول: هل وقعت تلك المعلومات بيد جهاز الاطلاعات والأجهزة الأمنية الإيرانية، وما هي مخاطر وصول هذه المعلومات التفصيلية ووقوعها بقبضة الإيرانيين، وكل ما يترتب على ذلك الانكشاف أمام إيران ومحور المقاومة، وسيمتد الأمر للتفكير بالكلفة التي ينبغي أن يدفعها الكيان الغاصب في إعادة هيكلة بنية هذه الأجهزة ومواقعها وأساليبها وشخوصها، وما يشكل كل ذلك من تهديد مفزع، لكل ما حاول الموساد المجرم بناؤه طيلة عقود، مستعينا بحلفائه الغربيين وما تمكن من تحقيقه عبر عملائه المحليين في بلدان الشرق الأوسط وبقية بلدان العالم، وهي ضريبة كبيرة، تشير إلى أن من يرقى الى السماء اليوم هم فرسان محور المقاومة، بامتلاكهم اسباب التفوق والقدرة على الوصول وضرب تلك الرؤوس العفنة اينما حلت وارتحلت، وقد اعذر من انذر…