– وجد العرب عزاءهم – هناك من هم أكثر طاعة .
في التكتيكات العسكرية ، يتعلم المتدربون على اسلوبين في القتال : الأسد الجريح ،فالأسد حينما يصاب بجرح ،يستمر في التقدم تجاه خصمه ببطء ، وعينه مركزاً على الخصم ،وكلما تقدم خطوة يوجه ضربة ،الى أن يصل هدفه – أو يموت .
أما الذئب الجريح ،فينسحب من المعركة لينزوي في مكان آمن ، كي يلعق جراحه ، ويبقى وحيداً حتى لاتها جمه الذئاب الأخرى .
المعركة الدائرة في أوكرانيا – تشابه هذين الاسلوبين – فبوتين الروسي يستخدم اسلوب الأسد الجريح ، يستثمر تقدمه البطيء ويحسب خطواته ، لكن عينه تبقى راصدة لخصمه الأكبر – أمريكا وأوربا – حيث الاثنان دخلاً واقعاً بسلوك “الذئب الجريح – .
حتى قبل بدء المعارك ،كانت أنظمة العرب ،تبدو هي الأكثر طاعة والتصاقاً بالإرادة الأمريكية ،فينفذون كل ما تطلبه منهم – بقناعة أم على مضض – وقد اصبح ذلك من بداهات السياسة وثابتها ، صحيح ان هناك دولاً أخرى تشارك العرب في هذه الميزة ، لكنهم الوحيدون الذين لايستطيعون ابداء التذمر ويجبرون على دفع اموال طائلة لحمايتهم – حسب تصريحات ترامب أيام حكمه – .
لكن حرب أوكرانيا ،أظهرت ان الاوربيين ، لايقلّون عن العرب في موضوع الطاعة – بل وزادوا عليهم – لان وضعهم قد يكون أخطر وأدق ، فهم محاصرون بين أسد يتقدم ببطء لكن بثبات – ونسر سابق تحول ذئباً يعتاش على قطعانهم ،لكن لاضمانة الا ينسحب اذا اصيب بجرح كبير .
باستطاعة بوتين ان يغامر حتى بحرب نووية – رغم فظاعتها – فبلاده الشاسعة – 17 مليون كم2- غير مكتظة بالسكان (140 مليون نسمة) تستطيع النهوض مجدداً ، وان دمرت مدنها ، أما اوربا ذات المساحات الضيقة نسبياً ، والكثافة السكانية العالية (أكثر من 500 مليون نسمة- في 27 دولة وبمساحة 4 مليون و300 ألف كم2) فلن يبقى لها وجود ان وقعت حرب كهذه ، وستكون مساحاتها ملوثة بالإشعاع وغير صالحة للعيش .
أمريكا بدوره ذات مساحة محدودة قياساً بروسيا (9كم2) لكنها تفوق روسيا كثافة بما يقرب من ثلاثة اضعاف (400 مليون نسمة ) وهذا يعني ان سلة الأهداف في أمريكا واوربا ،ستسير وفق معادلة (قنابل أقل ضحايا أكثر) ما يعني قدرة روسيا على رد الضربة بضربة مضادة ،حتى لو تعرضت للضربة الاولى – الأمريكية /الأوربية –.
الحسابات هنا ان كانت روسيا وحدها ،في مقابل أوربا وأمريكا ، وهي بمجملها 3 دول تمتلك السلاح النووي – أمريكا – بريطانيا – فرنسا – لكن لايمكن للمعسكر الغربي ضمان عدم تدخل الصين وكوريا الشمالية ، الى جانب روسيا ،أو السماح لها بخزن اسلحتها الاستراتيجية المخصصة للرد المضاد ، كذلك لايمكن الاستبعاد الكلي للهند وباكستان ، والى جانب اي المعسكرين سيميلان – وان لم يدخلا الحرب مباشرة – لكن موقفيهما سيكون مؤثراً ، واضعاف أمريكا والغرب ، قد يكون لصالحهما .
الخلاصة :تبدو أمريكا وكأنها فضلت استخدام اسلوب الذئب الجريح ، في أكثر من منطقة ، لكن سيبقى عواؤها يقلق خصومها ،ويطمئن اصدقاءها ، وبالتالي فأمام (الأسد الجريح ) مسافات طويلة ومعارك قاسية – سياسية واقتصادية وعسكرية – عليه خوضها ، كي يصل الى جعل الذئب يغادر الساحة .
أما العرب ، فربما هي المرة الوحيدة في التاريخ ، التي يجدون أنفسهم في موقع آمن نسبياً ، اذ تكفيهم المناورة غير المتصادمة ، للحفاظ على رؤوسهم ،انتظاراً لما يظهره المستقبل .