اقتصاديةبحوث ودراساتعراقية

السمات الاساسية للحالة الريعية في الاقتصاد العراقي والتصور الاستراتيجي التنموي المطلوب لإعادة هيكلته

إعداد - م . م هاني مالك العسكري - مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية

الخلاصة :

 تهدف الدراسة إلى تحليل وتشخيص السمات الاساسية للحالة الريعية في الاقتصاد  العراقي وما تركته من اختلالات في بنود الموازنة العامة, لأجل ايجاد الحلول والمعالجات التي يمكن ان تعيد الفاعلية لأدوات حقيبة المالية العامة والتعامل مع الازمات بمرونة وكفاءة

الكلمات المفتاحية: الاختلال المالي ، المالية العامة ، سياسات الاصلاح الاقتصادي .

.

المقدمة:

تزداد التحديات المحدقة بالاقتصاد العراقي مشكلة تهديداً خطير لجهود الاصلاح والتنمية نظراً لهيمنة المورد النفطي والتقلبات التي تشهدها اسعار النفط والانكشاف الكبير لسياسات المالية العامة على الايرادات النفطية. اذ كشف الهبوط الحاد لأسعار النفط مؤخرا الى دون المستويات التي تطبعت عليها الموازنة والاقتصاد اثار انكماشية حادة, وفاقم من عجز الموازنة . وافصحت هذه التجربة عن نموذج نمو فريد في الاقتصاد العراقي , اذ تكون النفقات الحكومية الممولة بالإيرادات النفطية محركاً لمعظم القطاعات الاقتصادية . الامر الذي ينذر بخطورة مسايرة المالية العامة لدورات الرواج والكساد التي تشهدها السوق النفطية على عملية النمو والاستقرار الاقتصادي . لذلك تبرز في الفترة الحالية ضرورة قيام الحكومة بانتهاج سياسات اقتصادية فعالة وواضحة المعالم تهدف بالأساس الى تنويع مصادر تمويل الانفاق العام وعزل الموازنة العامة عن تقلبات السوق النفطية.

ومن اجل تحقيق اهداف البحث تم تقسيمه على ثلاث محاور :

المحور الاول: منهجية البحث

المحور الثاني : ابعاد الهيمنة النفطية في الاقتصاد العراقي

المحور الثالث: مقاربات الاصلاح والسياسات المطلوبة

المحور الرابع : الاستنتاجات والتوصيات

المحور الاول: منهجية البحث

1- مشكلة البحث :

يعتمد الاقتصاد العراقي على الايرادات النفطية بشكل كبير في دعم النمو ورصيد المالية العامة , فاكثر من 90% من ايرادات المالية العامة تأتي من بيع النفط , ومن ثم تكتسب تطورات السوق النفطية اهمية محورية للأفاق الاقتصادية ,فالهبوط الحاد في اسعار النفط سيؤثر تأثيراً مباشراً على ارصدة المالية العامة يؤدي بمرور الوقت الى تباطؤ النمو الاقتصادي.

2- اهدف البحث:

يهدف البحث الى رصد ابرز الاختلالات التي تعاني منها بنية المالية العامة بسبب ارتباط سياسات المالية العامة بشقيها الايرادي والانفاقي بالايرادات النفطية . ان ادراك مصدر الاختلالات المالية من شأنه ان يساعد واضعي السياسات الاقتصادية على وضع استراتيجية مناسبة لتعزيز اصلاح المالية العامة في البلاد وفك الارتباط بنموذج النمو الممول بالإيرادات النفطية.

3- فرضية البحث:

يعتمد البحث على فرضية مفادها ان توجهات المالية العامة في الاقتصاد العراقي تتناقض مع حال الاقتصاد ففي مدة اليسر المالي تكون توسعية في الوقت الذي يجب ان تكون فيه انكماشية اما خلال فترة العسر المالي فأنها تجنح الى تعطيل الاداء من خلال اتباع سياسات التقشف وفرض الضرائب وتعميق حالة الركود.

4- اهمية البحث :

تؤدي سياسة المالية العامة دوراً حاسماً في الاقتصاد العراقي , باعتبارها الاداة الرئيسية التي يتم من خلالها تحويل ثروة البلاد النفطية الى نتائج اقتصادية وتوزيعها على شرائح المجتمع وقطاعات الاقتصاد المختلفة . غير ان تقلب الايرادات النفطية يشكل تحديات امام ادارة المالية العامة , ويمكن ان تكون تقلبات اسعار النفط وتغيراتها كبيرة وطويلة الامد , الامر الذي يعيق المالية العامة من الاستجابة لمتطلبات التنمية والاستقرار الاقتصادي.

5- منهج البحث

لقد اعتمد البحث منهج الاستقراء عبر تحليل البيانات والجداول الاحصائية.

 

المحور الثاني  : تشخيص السمات الريعية  للاقتصاد العراقي

لا يمكن عزل النمو الاقتصادي في العراق عن النفط بوصف الإيرادات النفطية هي الممول الرئيس للأنشطة الإقتصادية المختلفة، وبالتالي فهي المحرك الأساسي لنمو الأنشطة الاقتصادية الأخرى (غير النفطية) ، لأن الخطط التنموية في العراق قد اعتمدت في تمويلها على الإيرادات النفطية، الأمر الذي نتج عنه العديد من التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية.  هذا الاعتماد على الايرادات النفطية في تمويل الموازنة والاقتصاد يخلف جملة من التحديات والاختلالات الهيكلية التي تعيق فرص البلد في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة ,وتزيد من تسلل مخاطر الاقتصاد العالمي الى البلد عبر قناة الايراد النفطي . وفيما يلي استعراضا لأبرز الاختلالات

اولاً : اختلال قطاع المالية العامة :

 رغم ما يؤديه هذا القطاع من دور محوري في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي لأي بلد , إلا ان تسلل تيار الوفرة النفطية في الاقتصاد العراقي لبنية الموازنة العامة يشكل اختلالا وتهديداً خطيراً لكافة الفعاليات الاقتصادية في العراق . وبرز هذا الاختلال في الاقتصاد العراقي في جانبين هما  ,اختلال مصدر التمويل المالي للموازنة . واختلال هيكلها بشكل خاص , فمن ناحية اختلال مصدر التمويل فان الايرادات النفطية تمول معظم فقرات الموازنة العامة. وعليه فان قدرة الموازنة العامة في تحقيق اهداف التنمية  مرتبطة بنحو رئيس بإمكانيات البلد النفطية فقط مع غياب مصادر الايرادات الاخرى . اما الاختلال الهيكلي للموازنة العامة فهو يتجسد في هيمنة النفقات الجارية على هيكل النفقات العامة في الموازنة. اذا تستحوذ هذه النفقات على اكثر من 75% من اجمالي نفقات الموازنة العامة . في حين تشكل النفقات الاستثمارية الى اجمالي الانفاق العام ما نسبته 25% , مع وجود عجز مالي كبير في السنوات الاخير مول بالقروض الداخلية والخارجية ,هذه الاختلالات تفرض جملة من التحديات التي تحد من مرونة الموازنة العامة وادواتها في التكيف مع الازمات وتحقيق الاهداف المطلوبة.

وكما موضح في الجدول (1).

جدول (1) المؤشرات النسبية للاختلال في بنية المالية العامة للمدة (2003- 2020)%

 

السنوات نسبة النفقات الاستثمارية الى النفقات العامة نسبة النفقات الاستثمارية الى GDP نسبة الايرادات العامة الى النفقات العامة نسبة النفقات التشغيلية الى النفقات العامة نسبة النفقات التشغيلية الى GDP نسبة تعويضات العاملين الى النفقات التشغيلية نسبة الايرادات النفطية الى الايرادات العامة نسبة الايرادات العامة الى GDP نسبة الايرادات النفطية الى GDP نسبة الايرادات الضريبية الى الايرادات العامة نسبة الايرادات الاخرى الى الايرادات العامة نسبة الايرادات الضريبية الى GDP
2003 5.9 1.0 30.0 94.1 15.6 52 98.4 54.0 68.14 0.1 1.5 0.1
2004 12.4 7.4 95.0 87.6 51.8 14 98.8 62.0 57.68 0.2 0.6 0.1
2005 12.2 5.1 76.0 87.8 36.8 34 97.6 55.0 57.54 1.2 0.8 0.7
2006 6.9 2.7 76.0 93.1 36.5 32 95.4 51.3 55.21 1.2 2.9 0.6
2007 16.8 5.9 71.0 83.2 29.4 41 94.5 49.3 52.94 3.2 2.3 1.6
2008 22.3 9.5 83.0 77.7 33.3 38 94.6 51.4 55.24 3.6 1.8 1.9
2009 17.4 7.4 99.9 82.6 35.2 53 90.9 42.3 42.97 6.0 3.1 2.6
2010 22.2 9.6 99.0 77.8 33.7 49 90.6 43.3 45.11 2.1 7.2 0.9
2011 22.6 8.2 72.0 77.4 28.0 50 94.7 50.1 53.06 1.3 4.0 0.6
2012 23.0 8.2 75.0 77.0 27.4 52 93.2 47.0 49.80 2.2 4.6 1.0
2013 32.4 12.7 94.0 67.6 26.4 55 97.3 41.6 46.00 2.5 0.2 1.1
2014 17.1 6.0 98.0 83.1 29.1 37 91.7 39.6 43.93 1.8 6.1 0.7
2015 31.2 17.1 120.0 68.8 37.6 42 83.6 45.2 29.86 2.1 14.0 1.0
2016 24.3 21.9 18.7 75.6 40.1 62 81.4 28.1 22.8 18.1 3.4 3.7
2017 25.2 12.6 102.3 74.7 37.3 55 84.1 34.2 32.7 13.9 2.9 3.1
2018 23.2 12.5 131.7 76.7 41.3 53 89.7 53.5 48.0 7.9 1.6 4.4
2019 21.8 11.4 96.3 78.1 40.8 46 92.2 50.8 46.8 6.2 1.6 2.5
2020 4.21 2.1 83.0 95.7 49.5 54 86.2 33.5 28.9 12.3 1.5 3.2
المتوسط 18.9 8.9 84.4 81.0 34.9 45.5 91.9 46.2 46.4 4.7 3.3 1.6

المصدر : عمل الباحث بالاعتماد على

  • النشرة الاحصائية السنوية ,البنك المركزي العراقي للسنوات (2003-2020)
  • التقرير الاقتصادي السنوي ,البنك المركزي العراقي للسنوات (2003-2020) .

وبالنظر الى معطيات الجدول اعلاه يتبين مدى الاختلال المتمثل في ابتعاد المؤشرات النسبية الخاصة بالنفقات ولإيرادات العامة ومكوناتها عن مستويتها الطبيعية التي رسمتها النظرية الاقتصادية . ومن خلال الجدول يمكن بيان ملامح هذا الاختلال بما يلي

1- ان نسبة النفقات الاستثمارية الى اجمالي النفقات العامة كمتوسط للمدة (2003-2020) بلغت ( 18.9%) . وهو مؤشر يدل على ضعف التخصيص الاستثماري في الموازنات العامة وهذا يعتبر مؤشر بارز للدلالة على التشوه والانحراف في هيكل الانفاق العام المنحاز بطبيعته للأنفاق الاستهلاكي .الذي نتج عنه تعطيل عمليات النمو والاستثمار في الاقتصاد العراقي .

2- بلغت نسبة النفقات الاستثمارية الى GDP (8.9%) بالمتوسط . وهذا مؤشر اخر يدلل على الضعف الشديد في الاستثمار الحكومي الذي يعتبر الرافعة الاقتصادية لتحقيق معدلات نمو حقيقي تنهض بواقع الاقتصاد العراقي .

3- كمتوسط للمدة (2003-2020) بلغت نسبة الايرادات العامة الى النفقات العامة (84.4%) وهذه النسبة تعبر عن عجز الايرادات الاخرى عن تغطية النفقات العامة مما يعني استمرار عجز الموازنة مع اثاره السلبية على مجمل النشاط الاقتصادي في البلد.

4- نسبة النفقات التشغيلية الى اجمالي الأنفاق العام سجلت كمتوسط عام (81.0%) وهذا يبين مدى تفوق الجانب التشغيلي على الجانب الاستثماري من الانفاق العام , بما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على الاقتصاد وهدر كبير للموارد وهذا المؤشر يعبر عن مقدار التضحية بالإنفاق الاستثماري في البلد مقابل الحفاظ او عدم المساس بالأنفاق الاستهلاكي.

5- يتبين من معطيات الجدول اعلاه العبء الكبير الذي يتحمله الاقتصاد لتغطية النفقات التشغيلية , اذ بلغت النسبة لهذه النفقات من GDP كمتوسط (34.9%) .

6- تشير نسبة تعويضات العاملين الى النفقات التشغيلية والتي في اغلبها هي الاجور والرواتب المدفوعة للموظفين الحكوميين من الموازنة التشغيلية والتي بلغ متوسطها العام (45.5%) الى مقدار العبء المالي الحكومي غير المرن تجاه تقلبات الايرادات النفطية مصدر التمويل الاساس

7- نسبة الايرادات النفطية الى الايرادات العامة , وقد بلغ متوسطها (91.9%) وتشير الى الاختلال الكبير المتمثل في اعتماد الموازنة شبة الكامل على الايرادات النفطية .

8- شكلت الايرادات العامة الى GDP نسبة بلغت في المتوسط (46.2%) وهي تبين مقدار الاعباء التي يتحملها الاقتصاد لتغطية الموازنة العامة .

9-  بلغت نسبة الايرادات النفطية الى GDP (46.4%) كمتوسط وهي تشير الى المساهمة الكبيرة للقطاع النفطي في GDP. مقابل انخفاض مساهمة القطاعات الاخرى

10- تفصح معطيات الجدول اعلاه عن النسبة الضئيلة لمساهمة الايرادات الضريبية في تمويل الايرادات العامة اذ بلغ متوسطها العام ( 4.7%)

11- يلاحظ من خلال الجدول اعلاه انخفاض العبء الضريبي في الاقتصاد العراقي اذا بلغت نسبة الايرادات الضريبية الى GDP  كمتوسط (1.6%) .

 

ثانياً : الاختلال الهيكلي في بنية الموازنة العامة :

في الاقتصاد العراقي يتم استخدام الموازنة العامة في تحقيق الاهداف الاقتصادية الحكومية عبر توجيه الانفاق الحكومي نحو الخدمات العامة وتعزيز البنية التحتية ورفع المستوى المعاشي لفئات المجتمع المختلفة , وبذلك فالنفقات الحكومية هي المحرك الرئيس لكافة القطاعات الاقتصادية , وتوليد فرص العمل وتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي . تعاني الموازنة من اختلال وعدم استقرار بشقيها الايرادي والانفاقي بسبب جملة من العوامل يقف في مقدمتها هيمنة المورد النفطي وتقلباته على اتجاهات الايراد والانفاق العام , فظلا عن عمق الاختلال الذي يعاني منه الاقتصاد الحقيقي . وفيما يلي نستعرض الهيكل المالي لعناصر الموازنة العامة.

1– هيكل الايرادات الحكومية:

يؤدي اختلال الهيكل الانتاجي للاقتصاد من خلال اعتماده على سلعة أولية واحدة في التصدير إلى اختلال هيكل الموارد المالية للدولة . وفي الاقتصاد العراقي فان معظم موارد الدولة تغطى من الايرادات النفطية , كونه اقتصادا ريعيا يعتمد على النفط بشكل رئيس في تمويل الموازنة والاقتصاد. والشكل (1) يبين هيكل الايرادات العامة ومصادر تمويل الموازنة العامة

 

الشكل (1) مصادر تمويل الايرادات العامة  في العراق للمدة (2003 – 2020)

المصدر:- من عمل الباحث بالاستناد إلى 

  • التقرير الاقتصادي السنوي ,البنك المركزي العراقي, للسنوات (2003-2020) .

يلاحظ من الشكل اعلاه كيف ان الايراد العام يشهد تزايدا متصاعدا منذ العام 2003 , وان الايراد النفطي يماثله في نفس الاتجاه , وان هذا الايراد طيلة المدة (2003- 2020) بقي المصدر المهيمن على تمويل الموازنة , وكأن الايرادات العامة هي دالة للإيرادات النفطية وهذا ما يصوره الشكل خلال عامي (2009 و 2015). هذه الحقائق تفصح عن عمق الاختلال في هيكل الايرادات الحكومية والحاجة لتعظيم مصادر الايرادات الاخرى لتحقيق التوازن المنشود

هذا الارتباط بدفق الريع النفطي يضع الأنفاق الحكومي ومن بعده الاقتصاد العراقي على المحك, لأن التذبذب المستمر لأسعار النفط بسبب تداخل العوامل الاقتصادية والجيوسياسية في تحديده يعني ربط الاقتصاد المحلي بعوامل وقوى خارجية .

2- هيكل النفقات الحكومية  .

بعد التغير الذي طرأ على النظام السياسي في البلاد عام 2003 وما تبعه من فلسفة تمثلت بضرورة التوجه نحو اقتصاد السوق كان من المتوقع أن تتغير طبيعة التوجه الانفاقي ووظيفة السياسة المالية من ادة اساسية للإدارة الاقتصاد الريعي إلى ادة اساسية لإدارة التحول نحو اقتصاد السوق. إلا أن الواقع الموضوعي يؤشر خلاف ذلك ,إذ أن التوجه الانفاقي للدولة حول السياسة المالية إلى قناة لتوزيع الريع النفطي من خلال الانفاق الاستهلاكي العالي والانفاق الاستثماري الخدمي  بعيدا عن شروط الكفاءة الاقتصادية للإنفاق العام , كما تشير لذلك العديد من البحوث والدراسات . ويمكن الوقوف على هيكل الانفاق العام وتطوره من خلال الشكل (2).

الشكل (2) هيكل النفقات الحكومية وتطورها  في العراق للمدة (2003- 2020)

المصدر:- الشكل من اعداد الباحث استنادا إلى  بيانات التقرير الاقتصادي الصادر عن البنك المركزي العراقي

 

المحور الثالث : مقاربات الاصلاح والسياسات المطلوبة.

 

أن التقلبات الكبيرة والمفاجئة  في أسعار النفط منذ صيف 2014 يفرض مخاطر بارزة على الافاق الاقتصادية في الاقتصاد العراقي . ولا يزال الاقتصاد شديد الاعتماد على الايرادات النفطية في دعم النمو ورصيد المالية العامة , اذ اكثر من 90% من ايرادات المالية العامة تأتي من بيع النفط الخام . هذا الاعتماد الكبير على موارد الريع النفطي يفرض العديد من التحديات الرئيسية امام صناع السياسات فالتحدي الكبير يتمثل بانتهاج افضل السبل في التعامل مع اعتماد البلاد الكبير حالياً على النفط وضمان حماية الاقتصاد المحلي الى اقصى حد ممكن من التقلبات في اسعار النفط . التحدي الاخر هو كيف يمكن عزل الموازنة العامة عن تقلبات السوق النفطية وتنويع مصادر تمويلها حتى يتراجع بمرور الوقت هذا الاعتماد الحالي على مصدر واحد في التمويل. وفيما يلي جملة من المسارات التي يمكن ان تشكل خط للشروع في تحقيق الاصلاح المالي المنشود.

اولا: استهداف تعظيم الايرادات العامة  .

يتطلب تعظيم الايرادات العامة واستقرارها ان تنصب جهود السياسة المالية على تضيم الايرادات غير النفطية لجعل الرصيد المالي غير النفطي ضمن الحدود المقبولة. وهذا يتم من خلال الاتي [1].

1- وضع اسعار مخفضة تحوطياً لأغراض اعداد الموازنة العامة , على ان يتم ايداع المبالغ الاضافية الناجمة عن تحسن اسعار النفط في صندوق مدفوعات الدين العام , لأجل تسديد كافة الديون الداخلية والخارجية , ويمكن اعتماد هذا النهج خلال السنوات المقبلة لتحقيق فوائض مالية يمكن ان تستخدم في صناديق الاجيال او صناديق الاستقرار.

2- التعاقد مع الشركات الدولية الرصينة في مجال تحصيل ايرادات المنافذ الحدودية والحد من معدلات الفساد التي ترافق كافة عمليات التحصيل الجمركي وبما يضمن تعظيم الايرادات العامة.

3- اعادة النظر بالنظام الضريبي وتحديث طرق واساليب الجباية وتوسيع الاوعية الضريبية القائمة للحد من التهرب الضريبي الحالي وضمان غزارة الايرادات الضريبية وبما يسهم في رفع نسبة اسهام هذه الايرادات من مجمل الايرادات العامة.

 

ثانياً: تحقيق التوازن الهيكلي للمالية العامة.

في ضل التقلبات الكبيرة والمفاجئة التي طالت السوق النفطية , يتعين على النفقات الحكومية ان تتكيف تدريجياً مع برامج الضبط والتقليص خصوصاً النفقات الجارية وهذا يتطلب تحسين كفاءة بنود الانفاق العام في الموازنة العامة وعلى النحو الاتي [2].

1- اصلاحات فاتورة الأجور والمعاشات في العراق كونها البند الأكبر والأسرع نموًا في الموازنة العامة للدولة ويتمثل ضبط وترشيد هذه البنود اولوية ملحة . ويمكن الاستفادة في هذا المجال من الاصلاحات المدعومة من المؤسسات الدولية لتحقيق وفورات مالية في الموازنة العامة من خلال انشاء أدوات حماية هيكلية ضد اعمال الاحتيال والتلاعب في عمليات انفاق الاجور والرواتب.

2- تعاني ادارة النفقات الاستثمارية في العراق من ضعف كبير في جوانب الادارة ومعدلات التنفيذ والرقابة , وقد ولد ذلك تراجعا حادا في جهود الاستثمار والاعمار وتفشي ظاهر الفساد والمحسوبية في مضم المشروعات الحكومية مما يحتم اعادة النظر في ادارة الاستثمارات العامة بالشكل الذي يضمن كفاءة الاحالة والتنفيذ والشراكة مع القطاع الخاص هي احدى الحلول الناجعة لتجاوز تلك المصاعب.

3- في ضل التزايد السريع لمعدلات الدين العام الداخلي والخارجي في العراق واحتياجات التمويل المتنامية , فان تعزيز ادارة الدين العام في العراق باتت ضرورية وهذا يتطلب تحسين مستويات الشفافية والمساءلة في عمليات الاقتراض العام فضلا عن تعزيز امكانيات تمويل العجز المالي الحكومي عبر تفعيل دور الاسواق المالية لامتصاص المدخرات والمكتنزات المالية .

4- اعادة النظر بنظام الرواتب التقاعدية والتأمينات الاجتماعية لما يعتريه من تشوه وانعدام العدالة وارتفاع في التكاليف , كونه يتسم بعدم الاستدامة المالية على المدى القصير , فالتامين السلامة المالية هناك حاجة ملحة لأجراء اصلاحات هيكلية ومؤسساتية تستهدف وضع تصميمات جديدة لنظام الرواتب يكون على ضوء التركيبة العمرية للسكان , من شأنها تحقيق وفروات كبيرة للمالية العامة .      

ثالثاً: اصلاح الادارة المالية العامة وتحقيق الاستدامة المالية .

تعد شفافية الموازنة العامة ركيزة اساسية في حوكمة الادارة المالية ورفع كفاءة الاداء العام ومحاربة الفساد المالي والاداري الذي تسلل لمعظم فقرات الموازنة العامة في العراق . إذ يعاني العراق من ضعف ملحوظ في مستويات الشفافية والافصاح بحسب منظمات دولية متخصصة وحقق نسب متدنية جداً في هذا المجال  اذا ما تزل المؤسسات الحكومية لا تعلن عن الكيفية التي يدار بها التمويل والمشتريات العامة وهذا يمثل احد اهم التحديات التي تمنع من تتبع الانفاق عبر المراحل المختلفة لدورة الموازنة العامة وكثيرا ما  تفتقر الوزارات المختصة والمؤسسات التابعة الى بيانات موثوقة بشأن توافر الاموال وعدم القدرة على ربطها بالنفقات, ان تعزيز الادارة المالية العامة هو امر حاسم في بناء شرعية الدولة , فضلا عن ضمان المساءلة والكفاءة في ادارة الموارد العامة  [3].

رابعاً: زيادة كفاءة القطاع النفطي.

يكتسب القطاع النفطي اهمية كبيرة في الاقتصاد العراقي , اذا تعد الايرادات المستحصلة من هذا القطاع المصدر الرئيس لعائدات البلد من العملة الاجنبية وتمارس مدفوعاته تأثيرا بالغ الاهمية على مختلف قطاعات الاقتصاد المحلي فضلا عن دوره في تمويل الموازنة العامة وتؤشر البيانات والدراسات المتاحة ان القطاع النفطي سيواصل الصدارة في الاقتصاد العراقي كمصدر للتنمية والتمويل لكافة القطاعات الانتاجية والخدمية [4]. إلا ان انتاج العراق من النفط الخام لا يظهر اتساع احتياطه النفطي ففي عام 2016 بلغ معدل احتياطي العراق الى الانتاج السنوي 93.6عاما,وهذا ضعف المتوسط العالمي البالغ 50.6عاما.هذه الامكانيات تتيح للعراق ان ينتج اكثر من ثمانية ملاين برميل من النفط الخام وفي مجال احتياطيات الغاز الطبيعي يقدر الاحتياطي بحوالي 112تريليون قدم مكعب قياسي , لكنه بالمرتبة 65 عالميا من حيث الانتاج , اذ مازالت مناطق كثيرة غير مكتشفة , لذا يتعين استكشاف العديد من حقول الغاز في اعماق اكبر, وبلغ انتاج الغاز الطبيعي حوالي 2.8 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم عام 2016 وهو معدل منخفض قياسا بحجم الاحتياطي, وقد ادى نقص الغاز الطبيعي المنتج محليا الى الاعتماد على الخارج لتشغيل المحطات الكهربائية الغازية , لذا فان استبدال الغاز بالنفط سيسمح للعراق بتقليل الاستيرادات وزيادة الصادرات النفطية وتوفير مبلغ اجمالي يقدر بحوالي 5.1 مليار دولار سنويا, لذا لا يمكن اغفال اهمية الدور الكبير الذي يلعبه القطاع النفطي في توفير التمويل وتحريك قاطرة التنمية وتحفيز القطاعات الاخرى بما يوفره من موارد ومدخلات وطاقة وعليه يبرز في هذا الاطار القيام بمضاعفة الانتاج النفطي وزيادة الصادرات, وخدمات النقل والتوزيع , مضاعفة طاقات التصفية والتكرير من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية وتوفير التمويل لاتجاهات اخرى تساعد على تحفيز النمو في قطاعات اخرى [5].

خامساً: تهيئة بيئة مناسبة لقطاع خاص قوي وتنموي.

لا يمكن تنويع الاقتصاد العراقي في ظل هيمنة القطاع العام على القطاع النفطي , ان التوسع في القطاعات الاخرى غير النفطية في النشاط الاقتصادي انما يقوم على توسيع نشاط القطاع الخاص , وهذا يتطلب معالجة القيود الكثيرة التي تعيق تطوير القطاع الخاص بما في ذلك حوكمة الشركات والهيئات المملوكة للدولة وتوفير اطار جديد للسياسات والتنظيم لأستثمارات القطاع الخاص وسياسة تحديد الاسعار , وستمكن اصلاحات القطاع المالي والبنية التحتية المالية ايضا من دعم الانشطة الاقتصادية الخاصة  وهذا يتطلب القيام بالاتي

1– دعم القدرات الاستثمارية للقطاع الخاص.

ان قرارات الاستثمار يجب ان تبنى بحسابات وامزجة اقتصادية ومالية مدروسة كونها جزء لا يتجزأ من حركة المتغيرات الاقتصادية وهذه الالية مفقودة لدى متخذي ومنفذي المشاريع الاستثمارية التي قامت بها مؤسسات الدولة العراقية . [6]. ويمكن متابعة ذلك من خلال التمعن بالموارد المالية التي وجهتها الدولة من خلال الموازنات المالية منذ عام 2003 ولغاية الان نحو القنوات الاستثمارية على مستوى القطاعات الاقتصادية والتي لم يتحقق منها شيء ينعكس على واقع الاقتصاد العراقي , اذ انها لم تتم بطرق ووسائل علمية مدروسة حيث ان الالية المعتمدة في قرارات الاستثمار لأغلب المشاريع الاستثمارية كانت تعتمد فقط على تهيئة استمارة معينة تظم معاير او مؤشرات شكلية في تحديد نسب الانجاز او التنفيذ وهو ما اكدته وزارت التخطيط في احدى الراسات من ان 30 وزارة في ضوء اعتماد هذه الالية لم تنفذ مشاريعها الاستثمارية . في حين ان الية تنفيذ المشاريع الاستثمارية على مستوى القطاع الخاص تختلف عن القطاع العام , لأن القطاع الخاص يأخذ بنظر الاعتبار مبدا الكفاءة الاقتصادية والحسابات الاقتصادية الفنية الدقيقة المبنية اساسا على تحقيق العوائد المالية الكبيرة والسريعة . وفي الحقيقة فان هناك انشطة استثمارية كثيرة في الاقتصاد العراقي على مستوى القطاع الخاص في مجال الصناعة والزراعة وهي انشطة مجدية تساهم في حل الازمة المالية الحالية ويمكن ان تكون اداة فاعلة في طريق الاصلاح الاقتصادي فيما اذا حصلت على الدعم والمساندة من قبل الدولة متمثلة بسن القوانين والتشريعات الضرورية لحماية المستثمر الخاص [7].

ان تنمية القطاع الخاص ينبغي منحها الاولوية فهناك عدد من المجالات الرئيسية التي يمكن ان تخلق قطاع خاص قوي وتنموي تتمثل بالاتي [8].

أ- اشراك القطاع الخاص في جهود اعادة البناء والاعمار وتكوين شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص في جميع المجالات ولاسيما تقديم السلع العامة

ب- دعم القطاعات ذات الاولوية في النمو والتي تشمل البناء والاشغال العامة والزراعة والاعمال التجارية والسياحة .

ج- وضع مجموعة مستهدفة من الاصلاحات لتنمية القطاع الخاص تشمل تعزيز المشتريات الحكومية وحماية المستثمرين والحد من انتشار الفساد من خلال زيادة مستوى الشفافية في بيئة الاعمال وتشديد عمليات الرقابة وحوكمة الشركات واصلاح الشركات المملوكة للدولة والتي من شأنها تعزيز مشاركة القطاع الخاص .

ت- تحسين التكامل التجاري من خلال الاتفاقيات التجارية وتطوير سياسة تجارية اكثر شمولا للعراق وذات اهداف استراتيجية واضحة بما في ذلك ابرام اتفاقيات الاستثمار الثنائية واتفاقيات التجارة التفضيلية واتفاقيات الاستثمار الدولية فضلا عن تحسين بيئة الاعمال والاستثمار وتوفير بيئة مناسبة وجاذبة للاستثمار الاجنبي.

 

2: وضع برنامج لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: ويتم عن طريق الانشطة التالية.

أ- تكوين صندوق لتوفير راس مال اولي من اجل ايجاد مصادر تمويل ميسرة وضمانات قروض للقطاع الخاص تعمل على توسعة انشطته وزيادة القدرة التنافسية وتدعيم عمليات الابتكار والعمل على اقامة مؤسسات جديدة .

ب- اعداد برنامج خاص لإتاحة الفرص للقطاع الخاص بما فيها الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة للعمل مع الشركات العامة الحكومية وتطوير المراكز الصناعية والتكنلوجية ومراكز الاعمال التجارية وحاضنات الاعمال انشاء وحدة متخصصة الهدف منها تعزيز الوعي بالمساوة بين الجنسين في القطاع الخاص وزيادة فرصة العمل للنساء في هذا القطاع , فضلا عن القيام بحملة توعوية شاملة وتقديم الخدمات الاستشارية وخدمات التوجيه وتخطيط الاعمال والتدريبات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ت- يجب ان تقوم السلطات التشريعية والتنفيذية بفتح حوار مع القطاع الخاص عند الشروع بقوانين او تشريعات تخص القطاع الخاص عبر لقاءات او ندوات لمراجعة وتبسيط الاطر القانونية والتنظيمية التي تتعلق بنشاط القطاع الخاص واصدار قوانين جديدة تنصب في مصلحة هذا القطاع وتوفير الحوافز للاستثمارات الجديدة والابتكارات وتسجيل الاعمال ولابد من ان تقوم السلطتين التشريعية والتنفيذية بالعمل على اقتراح وتطوير خطط استراتيجية وسياسات حديثة تتوجه نحو المجالات ذات الاسبقية التي تدعم القطاع الخاص [9].

ث- توفير التمويل الكافي للقطاع الخاص عبر اصدار قوانين جديد وازالة العوائق الروتينية وتحسين فرص هذا القطاع في الحصول على التمويل اللازم الذي يتناسب والفرص الاستثمارية في البلد والعمل على استحداث اليات تمويل جديدة تكون متاحة لكل مؤسسات القطاع الخاص لاسيما المتوسطة والصغيرة

ج- تبني برامج متقدمة للتدريب والتأهيل تساهم في تمكين قوة العمل العراقية من رفع مهاراتهم بحث تكون هذه البرامج متناغمة مع متطلبات سوق العمل لأجل رفد القطاع الخاص بما يحتاجه من مهارات تتلاءم ومتطلبات عمله

ح- العمل على تذليل العقبات التي تقف بوحه منح اجازات الاستثمار وتخصص الاراضي للازمة لأقامه المشاريع الاستثمارية ومنح الاعفاءات الضريبية  وحماية كمركية للسلع المماثلة لأجل تمكين القطاع الخاص من النفاذ الى السوق المحلية ومنافسة المستورد الأجنبي [10].

خ- بسبب انحسار الايرادات النفطية وما ترتب عليه من ضعف المركز المالي للدولة اصبحت في وضع صعب ان تدعم او تعيل مؤسسات القطاع العام التي هي بالغلب مؤسسات تعاني من تراجع ادائها الاقتصاد ومثقلة بالديون والخسائر . وهذا يترتب عليه الترتيب لمحركات جديدة لتنمية هذه القطاعات او الصناعات ويعد البدء بالقطاع الصناعي الحكومي خطوة باتجاه مشروع الشراكة بين القطاع العام والخاص حيث تعاني المنشئات الحكومية من انعدام الجدوى الاقتصادية والتوقف والاهمال وضعف الانتاجية وعليه لابد من توفر الاطر والصيغ المناسبة لإدخال القطاع الخاص كشريك في ادارة واستغلال هذه المشاريع مع وضع هذه العملية تحت رقابة صارمة وشفافية كبيرة توخيا من تسلل مافيات الفساد الحكومي لهذه المشاريع واجهاضها [11].

سادساً: الاصلاح الاقتصادي والقضاء على الفساد الاداري والمالي:

ينبغي على الحكومات القادمة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة ان تضع عملية الاصلاح الاقتصادي والقضاء على الفاسد الاداري والمالي في سلم اولوياتها لأن هذه الظاهرة التي اصبحت تتزايد باستمرار في اغلب مؤسسات الدولة تعد من اكثر ازمات الاقتصاد العراقي وسببا رئيسيا في هدر المال العام وتبديد ايرادات الخزينة العامة , وهذا يعيق التنمية ويضعف أداء القطاعات الاقتصادية ويقوض النمو الاقتصادي في البلد وفي هذا المجال يمكن انتهاج جملة من السياسات والاجراءات التي يمكن تقوض هذه الظاهرة منها الاتي [12]:

1- دعم انظمة الحوكمة الالكترونية حيث تعد هذه الانظمة من الوسائل المتطورة في مكافحة الفساد وتطوير سير الاجراءات الحكومية وتمكين اكبر عدد من الموظفين من حيازة المعلومات ,ان مثل هذه التكنلوجيا كالأنترنت والاتصالات تساعد في الانطلاق نحو شفافية اكبر وفساد اداري اقل , كونها تحد من بعض الممارسات الاجتهادية التي تولد الفساد , فهي مدخل للكشف عن حلات الفساد من خلال الاحتفاظ بمعلومات مفصلة بشأن الصفقات المالية مما يمكن من ملاحقة المفسدين ومتابعتهم والربط بينهم وبين تصرفاتهم واعمالهم الموحية الى الفساد ,فضلا عن ذلك انها تساعد المواطنين على كشف الفساد والاعتراض على السياسات الاقتصادية الخاطئة وغير الرشيد في ادارة المشاريع بما يخدم تصحيح المسار في تحقيق اهداف التنمية  .

2- انشاء مرجعية موحدة لأبرام وتنفيذ العقود الحكومية اذ تعاني الدولة العراقية من الفوضى في هذا المجال , اذ ان لكل وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة صلاحية التعاقد واحالة المشاريع ومتابعة تنفيذها مع اشراف يسير وغير مباشر لوزارة التخطيط وهو ما ادى الى وجود عدد كبير من المشاريع المتلكئة وغير المجدية , لذا فان الحد من فساد العقود الحكومية يتطلب انشاء مرجعية موحدة لأبرام وتنفيذ العقود الحكومية ومتابعة تنفيذها على ان تكون خاضعة لمجلس ادارة مرتبط برئيس الوزراء مباشرة , وتكون الية عمل هذه المرجعية هي استلام طلبات الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والجامعات وغيرها من المؤسسات الحكومية بشان المشاريع المراد انجازها , واعداد خطة تعاقدات موحدة وشاملة لكل طلبات العقود هذه ولسقف زمني محدد ( سنة فأكثر ) مع توحيد العقود المتناظرة بعقد موحد على المستوى الوطني , وتتولى هذه المرجعية جميع الاجراءات من قبيل تحديد المواصفات والاعلان والتعاقد والاشراف على التنفيذ وصولاً الى استلام المشروع بنحو متكامل وتسليمه الى الجهة ذات العلاقة على ان تنشر هذه الاجراءات على شبكة المعلومات الدولية لضمان شفافية التعاقد والسرعة بالإنجاز .

3- تفعيل الدور الرقابي لمجلس الوزراء فعلى الرغم من تعدد المنظومات الرقابية في العراق سواء تلك المرتبطة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية او المستقلة التي تعمل تحت اشراف مجلس الوزراء إلا ان تعدد هذه الجهات لم يحد من ممارسات الفساد الذي ضرب كل مفاصل الدولة واجهزتها والذي بات يهدد الامن الوطني والسبب هو في البنية الهيكلية لهذه الجهات الرقابية , فمكتب المفتش العام لوزارة ما مثلا يكون مرتبطاً بالوزير كأي تشكيلات التدقيق والرقابة الداخلية الاخرى , وهنا لا يمكن اتخاذ اي اجراء لمكافحة الفساد إلا بموافقة الوزير فضلا عن سلطة الوزير على موظفي مكتب المفتش العام فبأماكنه نقل الموظفين من والى المكتب , وعليه فمن اجل  تفعيل الدور الرقابي لرئيس مجلس الوزراء كونه المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة , وتمكين مكتب المفتش العام من اداء مهامه بكل استقلالية لابد من ربط منظومة المفتشين العموميين برئيس مجلس الوزراء ليشكل رقابة ادارية لاحقة على الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة بإكمالها بما فيها الوزير ويكون اداة رقابية في تشخيص مواطن الخلل وشبهات الفساد في هذه الوزارات والهيئات , الامر الذي يستدعي قيام مجلس النواب بتشريع قانون مكاتب المفتشين العموميين على ان يتضمن ربطها برئيس مجلس الوزراء وبما يناظر العمل القطاعي لديوان الرقابة المالية الاتحادية [13].

 

المحور الرابع : الاستنتاجات والتوصيات

اولا: الاستنتاجات

1-عمقت الهيمنة النفطية القائمة على تمويل الموازنة والاقتصاد من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي واصبحت قناة تنتقل من خلالها ازمات الاقتصاد العالمي للاقتصاد المحلي عبر اسعار النفط والايرادات النفطية واخذت خطوط الصد في الاقتصاد العراقي بالتراجع منذ انهيار اسعار النفط خلال العام 2014

2- ان الموارد المالية الريعية التي حصل عليها العراق بعد العام 2003 نمت بمعدلات متزايدة وحققت طفرات كبيرة مقارنة بالفترات السابقة , ولكن هذه الموارد المالية في ظل غياب التخطيط الاستراتيجي وعدم استثمارها بالشكل الامثل لم تحقق نتائج ايجابية وتحولات جديدة في هيكل الناتج المحلي الاجمالي على الوجه الذي يحقق التنوع في الهيكل الاقتصادي ويحد من تبعية الاقتصاد العراقي لقطاع النفط .

3- تمتلك الطاقة الاستيعابية لنفقات الموازنة التشغيلية المرونة والقدرة العالية على الامتصاص والانتفاع والتنفيذ المالي في حين تنحرف الطاقة الاستيعابية للمشاريع الاستثمارية وتنخفض عن معدلات الانتفاع الحقيقي والمالي بنسبة لا تتعدى 50% في التوسط.

4- تتسع الموازنة العامة بشكل كبير باتساع الموارد النفطية مولدة طبقة واسعة من شاغلي الوظائف الحكومية ولا تضيق في حقب الصدمات السالبة لموارد الريع النفطي الامر الذي يزيد من اتساع المأزق المالي للبلاد في حالة انخفاض موارد الريع النفطي.

5- غياب الرؤية الاستراتيجية للسياسات المالية احد ابرز اسباب تعثر الاقتصاد العراقي إذ غيبت البرامج الاقتصادية عن ابواب النفقات العامة والايرادات العامة التي تضمنتها موازنات الاعوام السابقة رغم الوفورات النفطية التي حققها القطاع النفطي لغاية العام 2014.

6- هنالك ضعف واضح في ادارة السياسة الإنفاقية كواحدة من ادوات السياسة المالية في العراق فعلى الرغم من ارتفاع نسبة النفقات الاستثمارية عام 2013 إلا انها عادت وانخفضت للأعوام 2014 و2015 الامر الذي يؤشر ابتعاد السياسة الانفاقية عن تعظيم مجالات الانفاق المولد لمضاعف الدخل الحقيقي وتحريك القطاعات الانتاجية.

 

تانيا: التوصيات

1- من اجل تعظيم انتفاع المجتمع من موارد الريع النفطي يتطلب ادارة الدولة بكافة مرافقها على مبدأ اقل التكاليف لتحقيق الاداء المعين , وهذا يتطلب اجراء مراجعة شاملة لجميع الانشطة (تحليل الكلفة – المنفعة المقارن ) من اجل التحول نحو اسس مختلفة للتنظيم وايجاد بدائل للإجراءات التي تخلفها صدمة الريع النفطي.

2- لابد من اعادة هندسة السياسة المالية والتوجه نحو الاستثمار في القطاع الحقيقي عبر تحريك القطاعات عالية الانتاجية واعادة تخطيط اولويات التنمية وتنفيذ سياسات اعمار رصينة والدخول في مجالات تستطيع فك الارتباط بين الايرادات النفطية والانفاق العام الذي يعد بحق محرك النمو والاستقرار في الاقتصاد العراقي.

3- لأجل تحقيق نسب انجار مستهدفة للإنفاق الاستثماري والتغلب على ضيق الطاقة الاستيعابية ينبغي رفع كفاءة وتنفيذ الموازنة الاستثمارية عن طريق انشاء صندوق ضامن للاستثمار تودع فيه تخصيصات الاستثمار السنوية او اية فوائض مالية لمصلحة توفير لوازم التنمية في الموازنات العامة . كما يجب تحويل الفوائض المتحققة من جراء ضعف الموازنة الاستثمارية الى الموازنة الاستثمارية للعام المقبل حصراً.

 

المصادر

[1]- ال طعمة , عامر عمران المعموري , ( 2017) , اتجاهات السياسة المالية في اقتصاد العراق النفطي , مجلة الادارة والاقتصاد , كلية الادارة والاقتصاد , جامعة كربلاء , مجلد (6) , العدد (24) , ص289.

– [2]  World Bank , (2016), IRAQ SECOND STRUCTURAL FISCAL CONSOLIDATION AND

INCLUSIVE GROWTH DEVELOPMENT POLICY FINANCING , R. No: AB7876, October 11, P27.

[3]- سلمان , هيثم عبد الله , ( 2018) , الاصلاح الاقتصادي والفساد في العراق , مركز البيان للدراسات والتخطيط , بغداد , ص22.

[4]- حسن , باسم عبد الهادي , ( 2016), البعد المالي في تطور بعض المتغيرات النقدية في العراق للمدة (2003-2015) , مركز البيان للدراسات والتخطيط , بغداد , ص58.

[5]- وزارة التخطيط , ( 2019) ,  المستقبل الذي نصبو اليه رؤية العراق للتنمية المستدامة 2030, ص24.

[6] الهيئة الوطنية للاستثمار , ( 2010), جريدة المدى اليومية , في 2/ 8/ 2010. شبكة الانترنت العالمية

[7]- عجلان ,حسين حسن ,( 2017) تنويع قدرات الاقتصاد العراقي في ظل الهيمنة الريعية , الواقع الراهن والحسابات المستقبلية , مجلة المنصور , كلية المنصور الاهلية مجلد , العدد 27.ص17.

[8]-  حسن , نشأت مجيد ,( 2019), مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي العراقي وسبل النهوض بواقعه الحالي , مجلة تكريت للعلوم الادارية والاقتصادية , كلية الادارة والاقتصاد , جامعة تكريت , مجلد 15 العدد, 46, ص244.

[9]- سالم, عبد الحسين, ومصعب عبد العالي ,( 2017), الاقتصاد العراقي في ضل الهيمنة الريعية ومتطلبات التنويع الاقتصادي للمدة (2003- 2015) , مجلة الاقتصاد الخليجي , جامعة البصرة , المجلد 33 العدد 34, , ص154.

[10]- ال طعمة, حيدر حسين , الشمري , هاشم المرزوك,( 2019), الاقتصاد العراقي ومقاربات الاصلاح والاستقرار المستدام , مجلة جامعة الانبار للعلوم الاقتصادية والادارية , كلية الادارة والاقتصاد , جامعة الانبار , مجلد (11) , العدد ( 27), ص177.

[11]- ال طعمة , حيدر حسين , (2019), الاقتصاد العراقي وقيود المورد النفطي في العراق ابعاد التأثير ومقاربات التغير , مجلة كلية الادارة والاقتصاد للدراسات الاقتصادية والادارية والمالية , كلية المستقبل الجامعة , مجلد ( 11) , العدد ( 4) , ص930.

[12]- المولوي , علي واخرون , (2018), نحو استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في العراق , سلسلة اصدارات مركز البيان للدراسات والتخطيط  , ص23.

[13]-  عويد , غزوان رفيق ,( 2018), اليات عملية لمكافحة الفساد في العراق , سلسلة اصدارات مركز البيان للدراسات والتخطيط , ص3.

The main features of the rentier situation in the Iraqi economy and the strategic developmental vision required to restructure it

Asst.Lect. Hani Malek Al Askari 1

 

1 Tabbin Center for Planning and Strategic Studies|| Dhi Qar || Iraq || 64001  || haniimalekk@gmail.com..

Abstract:

 The study aims to Accordingly, this research sought to analyze and diagnose the dimensions of oil hegemony over public finances in the Iraqi economy and the imbalances it left in the items of the general budget, in order to find solutions and treatments that can restore the effectiveness of the tools of the public finance portfolio and deal with crises flexibly and efficiently.

Keywords: financial imbalance, public finance, economic reform policies

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى