المقدمة
الحقيقة الغالية لدينا، هو في المفاجأة الكبرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يوم السابع من تشرين الاول|أكتوبر، ومازال الكيان الصهيوني ينتقم انتقام اليائس، ولو عدنا للماضي القريب، منذ تأسيس الكيان، يجد المتأمل للصراع الذي نخوضه ضد العدو الصهيوني يلاحظ أن هزيمة إسرائيل مرتبطة بحجم الجيوش التي تحاربها، فكلما كان حجم الجيش أو الجيوش كبيرا، كانت إسرائيل تتفوق وتنتصر، ففي بداية المأساة عام 1948 حاربت سبعة جيوش عربية الدولة اليهودية، وانتصرت إسرائيل ، وفي عام 1956 حاربت مصر وحدها، وتمكنت مصر الناصرية من تحويل الانسحاب العسكري إلى نصر سياسي كان ميلادا لحركات التحرر في العالم الثالث .
أما في عام 1967 فقد كانت الهزيمة فادحة وإسرائيل تحارب ثلاثة جيوش عربية وتنتصر عليها في ستة أيام لا غير ، وعادت مصر مع سوريا لتنتصران في حرب 1973 ، ومنذ ذلك العام لم تخض الجيوش العربية أية حرب مع الدولة العبرية ، وتحولت المعركة على أكتاف المقاومين في غزة ولبنان، ويُلاحظ أن حركات المقاومة هي التي تبنت الحرب ضد المغتصب، وحققت انتصارات مكنتها من مكاسب وإنجازات، فرغم دخول الجيش الإسرائيلي بيروت عام 1982، إلا أنه اندحر تحت وطأة المقاومة اللبنانية، أي أن خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان لم يكن خسارة لجبهة المقاومة، ولكنها كانت بداية المقاومة الفعلية، فقد أخذ حزب الله على عاتقه مقاومة الاحتلال ، وتمكن من الانتصار البارع في عامي 1996 و2006، ثم جاءت كبرى المفاجآت يوم السابع من أكتوبر| تشرين الأول 2023، ليثبت أن الكيان الصهيوني ما هو إلا مشروع استكباري استعمالي وليدة الرأسمالية العالمية الباطشة، ولذا رأينا قادة الغرب يتبارون في زيارة ودعم المشروع الغربي الذي اسمه إسرائيل.
التراجع الجغرافي للصهيونية
في الداخل الفلسطيني تمكنت المقاومة الفلسطينية إجبار إسرائيل على الانسحاب من غزة 2007، مثلما انسحبت من الجنوب اللبناني دون قيود أو شروط ، كما نؤكد على أن المشروع الصهيوني يتراجع ، لأن التوسع الذي تبنته الحركة الصهيونية هو توسع جغرافي، أي أرض الدولة الكبرى من النيل إلى الفرات، ولكن إسرائيل تنحسر ولا تتقدم على الأرض، فخرجت من جنوب لبنان ، ومن غزة ، وبنت الجدار العنصري العازل، وانكمشت حدودها.
ولذا تحاول تعويض ذلك الانكماش الجغرافي بتنامي الدور السياسي، فتعمل على تفريق الدول الإسلامية، ثم المواجهات بين الدول العربية، ثم المواجهات بين الأخوة في فلسطين ، لكي لا يتحد أحد ضدها ..
ولكن ذلك لا يمكنه تعويض الخسارة الأفقية داخل الأرض المحتلة، فغزة خرجت من النفوذ الصهيوني المباشر، ولا يمكن لإسرائيل العودة إليها، ويكمن هنا الأمل، ذلك أن انحسار المشروع الصهيوني بدأ على أيادي مقاومة، على شباب محدود العدد، كبير الإرادة ، خاض النضال من الخارج وواصله في الداخل، عدل ميزان الرعب ، فإذا كانت إسرائيل تملك الأسلحة الفتاكة ، فلدى المقاومين أجساد قابلة لتحييد تلك الأسلحة ، ومهما تحاول إسرائيل فإنها لن تتمكن من تدمير القدرة الصاروخية للفصائل المقاومة، لأن الفلسطينيين صارت عندهم الخبرة في التصنيع ، وقد ولى الزمن الذي كانت تروع فيه إسرائيل المواطنين العرب لتخرجهم من ديارهم، فبالرغم من المأساة الحقيقية التي يحياها أهالي قطاع غزة ، وقد اتخذت “إسرائيل” العديد من الوسائل الهادفة لإسقاط الحركة، بدايةً من فرض الحصار الخانق على قطاع غزة، مرورًا بإثارة الفوضى في القطاع، وبث بذور الفتنة بين فتح وحماس وما ارتبط به من مشادات وتوترات أدَّت إلى سقوط بعض القتلى من الجانبين، وانتهاءً بقطع الكهرباء عن القطاع ، وما تسبب فيه من خروج الأهالي في مظاهرات حاشدة أدَّت إلى تجاوز الحدود الفاصلة بين مصر وغزة، من أجل الحصول على الغذاء والدواء
إلا أنه ونتيجة لفشل المحاولات السابقة في دفع الشعب الفلسطيني للثورة على حركة المقاومة الإسلامية حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، لم يكن أمام الحكومة الصهيونية إلا شن غارة برية وجوية على القطاع، في محاولة يائسة منها للقضاء على الحركة، وإثبات قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار للكيان الصهيوني.
ولكنها وللأسف لم تتمكن سوى من قتل الأطفال والنساء ، هذا هو النصر الوحيد الذي تمكَّنت من تحقيقه آلة الحرب الصهيونية التي يعمل لها البعض ألف حساب، وهو نصر بطعم الهزيمة، بل نستطيع أن نقول إنه وصمة عار في جبين الجيش الصهيوني، الذي يعجز عن استهداف المقاومين فيكتفي بالأطفال والنساء والشيوخ؛ وذلك في مقابل نجاح المقاومة الفلسطينية الباسلة في قتل جنديين صهيونيين، فضلاً عن آلية صهيونية بمَن فيها من جنود يصل عددهم حسب البيانات الصادرة عن كتائب عز الدين القسام إلى ما يزيد على ثلاثين جنديًّا صهيونيًّا لم تعلن عنهم وسائل الإعلام الصهيونية خوفًا من الفضيحة .
والحقيقة أن ما تقدَّم عليه الحكومة الصهيونية، يؤكد أنه لا توجد دولة اسمها الكيان الصهيوني ، وإنما مجموعة من العصابات تعيش على سرقة وانتهاك حقوق الآخرين؛ لأنها لو كانت دولة لتحتم عليها احترام المواثيق والأعراف الدولية التي تفرض عليها احترام المدنيين العزل، وتقديم ما يحتاجون إليه من غذاء وكساء ودواء، وغيرها من أشياء ضرورية لبقاء هؤلاء على قيد الحياة .
وما يحدث في فلسطين، إن تلك العصابات الصهيونية، تسير قدمًا في اتجاه تدمير قطاع غزة، معتمدةً على الحماية التي تكفلها لها الحكومة العالمية ممثلةً في الولايات المتحدة الأمريكية التي نصبت نفسها شرطيًّا للعالم، يحمي العصابات، ويُوفِّر لها الحماية، وإنما على المجتمع والمنظمات الدولية، ممثلةً في مجلس الأمن والأمم المتحدة، اللذين عجزا عن استصدار قرار دولي يدين ذلك العدوان الغاشم على الشعب الأعزل، بالرغم من أن مهمتهما الأولى التي أنشئوا من أجلها هي حماية السلم والأمن الدوليين، وهو ما يعني موت تلك الأنظمة، واقتصار مهمتها على مساعدة المحتلين في فرض سيطرتهم وهيمنتهم على الأمم والشعوب.
ويبقى القول إن الانتصار في الحرب ضد إسرائيل، قضى معه على المشروع التطبيعي ، الإبراهيمي منه وغير الإبراهيمي، فكل الشعوب الإسلامية انتفضت ومعم ملايين من أحرار العالم..
ويمكن القول إن ما يحدث في غزة بداية هو بداية النهاية للمشروع الصهيوني، رغم وقوف كل القوى المهيمنة معها، ورغم كل الضعف الرسمي العربي، وهذا يعطينا الأمل في المستقبل، الأمل الخارج من ركام اليأس القاتل