أمريكا تتصرف كوحش كاسر في قفص الأسر، كيف لا وهي تشعر بالإهانة وأنعدام الحيلة؟ وأكثر ما يقلق ساستها المبهوتين اليوم هو أن تتكرر هزيمة فيتنام، بل أنهم قلقون بأن تكون التداعيات أكثر كارثية من فيتنام؛ فقد قادها ساستها عديمي البصيرة إلى فخ يكاد يزهق كل ذلك الغرور الذي تعاملت به مع المنطقة الحيوية التي تطلق عليها اسم “الشرق الأوسط”، وها هي آثار سوء التدبير تتكاثف حول المشهد الذي قادتها إليه إسرائيل.
أكثر ما يؤلم ساسة أمريكا اليوم هو أنهم تورطوا وحدهم هذه المرة، وفي ظل إنعدام المبرر الذي يضمن لهم تمويل حملتهم العسكرية على اليمن، فإن هذه المعركة ستمثل عبئا على الميزانية الأمريكية المتعبة أصلا! وحتى لو وجدوا تمويلا من بعض الأنظمة التي أعتادوا أستنزافها، فهذا لن يكون كافيا نظرا للفخ العسكري المعقد الذي أوقعها فيه الجيش اليمني هذه المرة، ولعل سوء هذا الوضع ناتج عن العناد الأمريكي الذي أعلن وقوفه منذ البداية مع المخطط الإسرائيلي المجنون؛ فلو أنهم قالوا “لا” لإسرائيل لما وصل الحال لما هو عليه اليوم!
محاولات الضغط على السفن التي تعبر باب المندب يوميا بسلام لتغير وجهتها بأتجاه طريق (رأس الرجاء الصالح) ليست عملية، وستكلف شركات الشحن البحري المزيد من التكاليف الباهضة، ومنذا سيقبل أن يخسر أمواله فقط ليثبت أن أمريكا على صواب؟! وحتى لو أمتثلت بعض الشركات لذلك فإن هذا يعطي الأفضلية للشركات التابعة لدول لا تدور في الفلك الأمريكي كالصين وروسيا وغيرها من الدول التي ستستطيع أن تشحن سلعها وسلع الآخرين بسعر أقل بكثير من سعر الشركات التي ستوافق على التوجه الأمريكي!
لمحبي مصطلح “المطبخ السياسي” الأمر يشبه (العصيدة)، والتدخل العسكري الأمريكي غير مضمون من حيث مدته وتكلفته ونتائجه، والحل السياسي ليس مطروحا على الطاولة في ظل إستمرار الجرائم الإسرائيلية والحصار الذي يتعرض له الفلسطينيين، وقد تمت محاولة أستقطاب اليمن ولبنان لضمان أستبعادهما من الواجهة دون جدوى، والوضع معرض للتفاقم بما يضر بالمصالح الأمريكية وحلفائها أكثر فأكثر، ولكن لسنا نحن المعنيون بالقلق، وكما يقول المثل اليمني: “عصيدتكم متنوها”، ولله عاقبة الأمور.