لا يمكن بأي شكل من الاشكال وفي المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق ان نتجاوز حدث مهم إلا وهو وجود الحشد الشعبي , ففي ذلك مغالطة واضحة . فإنجازات الحشد على الصعيدين السياسي والعسكري لا يمكن انكارها .من هذا المنطلق وهذه التجربة يمكن عد انشاء قوات الحشد الشعبي نتاجاً عراقياً بامتياز , شهد خلاله العراق كل مظاهر التلاحم والوحدة في مواجهة مشاريع التقسيم والطائفية .
والتساؤلات في هذه التجربة كثيرة , ولعل اهمها يكمن في الكيفية التي نوصف بها دور ومكانة الحشد الشعبي كإنجاز للعراق ؟ وماهي مقوماته التي ستسهم في تحديد دوره المستقبلي. الاجابة على هذا التساؤل سينكشف تباعاً من خلال الكشف عن عناصر القوة والاقتدار التي بات يملكها الحشد الشعبي, فالتحول النوعي الذي قاده في العراق ادى لإعادة خلط الاوراق على الساحة العراقية, وهو ما انتج قوة داخلية للعراق جعلته قادراً على مواجهة حالة التشظي والتمزق , خصوصا بعد ان اصبح الحشد ورقة قوة على الصعيدين العسكري والسياسي في مواجهة محاولات اخضاع العراق.
اولاً: مقومات قوة الحشد الشعبي.
اكتسب الحشد الشعبي مشروعيته القانونية والدينية من البرلمان العراقي , والامتثال لفتوى الجهاد الكفائي , وبذلك يمتلك الحشد عقيدة ايمانية كبيرة لأداء التكليف الشرعي , فأفراده تطوعوا لإنقاذ العراق , فهو لم يتشكل من الاجبار ولا لغرض مادي بل ان افراده تنبعث فيهم روح التضحية وعشق الشهادة وخير دليل على ذلك قادته .
اما من الجانب العسكري فقد امتلك الحشد الشعبي خبرة كبيرة في قتال الارهاب وحرب الشوارع جعلته في صفوف الجيوش المتقدمة من حيث الخبرة والقوة العسكرية , هذه الخبرة هي بمثابة فرصة استراتيجية للحشد الشعبي يمكن ان تكون قاعدة ارتكاز له في بناء قوته ومكانته في العراق فقد ابدى الحشد قدرة عالية في القضاء على الخلايا النائمة للإرهاب داخل العراق ومسك الحدود ومنع تسلل المجاميع الارهابية للداخل من جديد , وبالتالي لابد ان يكون الحشد القوة الساندة للجيش العراقي في تثبيت امن واستقرار البلاد والوقوف بوجه المطامع الخارجية لبعض الدول الاقليمية .
اليوم وفي ضل ما تعانيه وتشهده المنطقة من صراع النفوذ وتعدد الادوار, فان بقاء الحشد امر ضروري ولازم لما يتمتع به من نقاط قوة من العقيدة والخبرة وروح التضحية , فحاجة العراق لمثل هكذا قوات ضرورة تمليها الظروف الدولية وليس خياراً للحكومات والفاعلين سياسياً ان تنتهجه. هذا من جانب ومن جانب اخر تعد القوة العسكرية النوعية التي اكتسبتها فصائل الحشد الشعبي من ابرز الفرص التي تحتم توظيفها بشكل مناسب, ذلك بحكم ان العراق عانى لفترات ليست بالقصيرة في العديد من مناطقه من تداعيات ومخاطر الجماعات الارهابية , ولأسباب تتعلق بمساحة العراق الجغرافية وطبيعة الاراضي من ناحية , والمخططات الخارجية من جهة اخرى . ولذلك يجب الحفاظ على هذه القوات ورفع من قدراتها المالية والعسكرية بعدها قوات تدخل سريع فاعلة, ومناطق التحرير شاهد على ذلك.
ان من عناصر القوة الاخرى لدى الحشد الشعبي هي المقبولية بين ابناء الشعب العراقي في ظل تمثيل العديد من فصائله في البرلمان والحكومة وهي من ابرز الفرص التي يجب العمل على تعزيزها ,لأنها بالفعل معادلة ذهبية للشعب العراقي.
لقد اثبتت قوات الحشد الشعبي جدارة عسكرية عالية في التصدي لفلول الجماعات الارهابية التي دعمتها دول عديدة مالياً وعسكرياً واستطاع الحشد من خلالها ترسيخ واقع عراقي عسكري مهم , فالاكتفاء الذاتي على الصعيد العسكري لاسيما في مكافحة الارهاب , الى جانب القدرة على تأمين الامن على المدى الطويل تعدان من اهم مقومات القوة التي يمكن ملاحظتها من خلال قراءة واقع الحشد الشعبي , فعلى الصعيد العسكري استطاع الحشد ان يؤسس لقوة قادرة على الجمع بين حرب العصابات وحرب الجيوش , وهو ما يحتاجه اي بلد لقتال خطر كتنظيم داعش الارهابي , الامر الذي عزز من تلاحم اللجان الشعبية والجيش العراقي, لتكون النتيجة انتصارات مستمرة وعديدة . وفي ظل هذه الانتصارات والنجاحات التي حققها الحشد الشعبي وجد العراقيون انفسهم قادرين على تبني مفهوم الاكتفاء الذاتي عسكرياً , فالقوة العسكرية على الارض والقدرة العالية على تحقيق الانتصارات الى جانب الاستغناء عن الاطراف الخارجية جعلت القيادة العراقية قادرة على رفض كل ما يهدد امنها القومي لتصبح هي لاعباً في قضايا البلد والمحيط الاقليمي, بعد ان كانت لسنوات عديدة رهينة السياسات والمواقف الخارجية . كل هذه العوامل هي بمثابة قوة واقتدار يمتلكها الحشد الشعبي مما يؤهله لتأدية دور مستقبلي على الساحة العراقية وعلى مختلف المستويات , هذا بالتأكيد سيعزز من مكانة ودور الحشد ضمن اطار القوة العسكرية اولاً ومن ثم مكانته ضمن الاطار السياسي للعراق ثانياً, وكذلك في اطار البنية الاجتماعية للبلد وهذا بلا شك يمنحه قوة متزايدة من مقومات القوة والقدرة التي يتمتع بها .
ثانياً. التحديات .
امام كل هذه المقومات التي عرضت في الفقرة الاولى , هناك جملة من الموانع والتحديات التي تقف بوجه دور ومكانة الحشد المستقبلية , فلا يخفى على الجميع اصوات النشاز التي تطالب بتحديد دور الحشد او تحجيم قواه العسكرية والامنية بحجج وذرائع واهية بذريعة انتهاء العمليات العسكرية الكبرى , وهذا سيولد ضغوطاً على الحكومات المتعاقبة وعلاقتها مع مؤسسة الحشد الشعبي , كذلك يشكل العامل الاقتصادي لدعم وتسليح قوات الحشد الشعبي ذريعة اخرى تتحجج بها الحكومة فتسليح هذه القوات هو بمثابة تحدي كبير للعراق الذي يعاني من اوضاع اقتصادية صعبة وضغط الحكومة في توفير التمويل اللازم للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية , اضافة الى ذلك هناك معرقلات كبيرة لتطبيق تشكيل هيئة الحشد على وفق القوانين العسكرية , كذلك هناك ضرورة ملحة لسن القوانين العسكرية التي تنظم عمل هيئة الحشد الشعبي بما يتلائم مع طبيعة وتشكيلة وخصوصية الحشد واعادة النظر بضوابط تكييف اوضاع مقاتلي هيئة الحشد الشعبي رقم (1) لسنة 2018.
ومن خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول ان هناك امكانية للتأثير في مكانة ودور الحشد الشعبي من خلال تأثير هذه المعرقلات في تثبيت اركان مؤسسة الحشد ودوره الحالي والمستقبلي.