إسرائيل اليوم بحاجة إلى معجزة .. والى دفرسوار وسادات وملك حسين .. وكيسنجر
بقلم نارام سرجون
اسرائيل في محنة كبيرة .. وهي تواجه أصعب خيارات في حياتها .. وتحاول ذاكرتها ان تستعيد حرب يوم الغفران اكتوبر 1973 .. حيث نجت باعجوبة اقرب الى المعجزة .. ويحب الاسرائيليون تلك الذكرى لأن في الذاكرة الاسرائيلية كان هناك من ينذرها قبل الحرب ويطير من عمان الى غولدامائير لانذارها بموعد الحرب .. وفي الحرب هناك من أعطاها هدية الدفرسوار عندما طور الهجوم في توقيت متأخر قاتل للجيش المصري وانتظر حتى استفاقت وتهيأت ولبست دروعها ووصلت طلائع الجسر الجوي .. فكأنه كان يدعوها لصناعة الثغرة التي تنبأ بها العسكريون المصريون قبل الحرب وطلبوا الاحتياط لها .. وفي تلك الحرب كان هناك هنري كيسنجر الذي وضع سيناريو التحريك قبل الحرب .. لاطلاق عصر كامب ديفيد .. ويحلم الاسرائيليون ان هذه الحرب ستنتهي بدفرسوار وسيناريو تحريك وكامل ديفيد تكون هي أم المعاهدات .. وهذا ماعبر عنه نتنياهو الذي حلم بأن يغير شكل الشرق الاوسط ..
ولكن ماذا سينفع اسرائيل اليوم ؟ هل هو بايدن؟ ام حاملات الطائرات ؟؟ ام الذخائر والجسر الجوي والاموال؟؟ الحقيقة لن ينفعها اي شيء الا ان تدخل غزة .. وهذا امر محال الا اذا قررت ان تدفع ثمنا لاتتحمله .. واليوم هناك مقاتلون في غزة ينتظرونها ان تقوم بتطوير الهجوم .. كي تسقط هي في دفرسوار الحسابات الخاطئة ..
اسرائيل اليوم تشبه اسرائيل عام 2006 عندما أيدها العالم كله ولكنها وضعت اهم شرط لايقاف الحرب وهو استسلام حزب الله وتسليم الجنديين .. وكانت تحرق كل مايقع في طريقها .. ولكن الحرب انتهت بعد 33 يوما ولم يستسلم حزب الله بل اسرائيل استسلمت ..
في مثل هذه المواجهات الصعبة لاشيء ينقذ اسرائيل الا الخيانات العربية .. فهي عام 1948 انتصرت لأن الخيانات العربية ساعدتها .. فالملك عبدالله الاول ملك الاردن جرد فلسطين من اي قطعة سلاح وتبين انه كان يقبض من الوكالة اليهودية مليون جنيه استرليني لتحضير فلسطين واخلائها لهم عندما كان يرسل الجيش ويطلب من سكان القرى اخلاءها قبل المعارك لمنع اصابتهم في المعارك الطاحنة التي كان يعدهم بها .. وفي اليوم التالي ينسحب الجيش الذي اخلى البلدة سلفا .. ولذلك أطلق عليه الفلسطينيون النار وهو ذاهب ليصلي في المسجد الاقصى لأنهم كشفوا خيانته ..
وفي عام 1967 .. ذهب ملك عربي هو الملك فيصل ودعا اميريكا لايقاف مد عبد الناصر الذي صار مخيفا ويقال ان الحرب تم تمويلها من جيوب السعودية .. أما الملك حسين – حفيد عبدالله الاول – الذي أفرغ فلسطين من السكان عام 1948 فانه تكفل بأن ينسحب من الضفة الغربية من دون قتال عام 1967 .. والضفة قادرة على ان تكون اهم عائق بشري امام الاحتلال لتكون مثل بورسعيد في العدوان الثلاثي .. ولذلك سقطت الضفة دون قتال وايضا – وبفضل الملك حسين – كانت فارغة من السلاح بدل توزيع السلاح على السكان للدفاع عن قراهم ومدنهم .. وقد كرم الاسرائيليون الملك حسين ووضعوا صورته على طابع بريدي اسرائيلي مثل أحد ملوك اسرائيل ..
وفي عام 1973 .. كان السادات قد اتفق مع كيسنجر (قبل الحرب) على التحريك فقط .. ولكنه اتفق مع السوريين على مبدأ ان يحارب الطرفان معا ويتوقفان معا .. ولكنه بعد 24 ساعة من الحرب فقط نكث بالوعد وارسل السادات رسالة تطمين لكيسنجر انه لاينوي القتال ابعد من النقطة التي وصل اليها في اليوم الاول مما أذهل رئيس هيئة العمليات في القوات المسلحة المصرية عبد الغني الجمسي الذي عد الرسالة بأنها تسريب لسر عسكري خطير يرتقي الى مستوى الخيانة لأنها كشفت للعدو نوايا الجيش المصري .. وهذه الرسالة طمأنت الاسرائيليين الى ان الجيش المصري بالفعل مهمته انتهت بالتحريك وسينتظرهم الى ان ينتهوا من ايقاف الزحف في الجبهة السورية حيث ترك الضغط الجوي كله على الجيش السوري ريثما يصل الجسر الجوي الامريكي ..
ويومها ظهرت الثغرة الشهيرة في الدفرسوار .. وقفز هنري كيسنجر الى المشهد .. وارتفعت الضحكات بينه وبين السادات .. وانتهت الحرب بانتصار اسرائيل التي كادن تسحق بالهزيمة فاذا بها تحاصر الجيش المصري الثالث وتحتل مزيدا من أراضي الجولان .. وحصدت من الحرب معاهدة سلام .. وحصلت بذلك على مالم تحصل عليه وهي منتصرة عام 1967 .. وهو تحييد مصر وابعاد اكبر جيش عربي عن المعركة اخراجه منها كما لو انه تمت ابادته .. وهي تتصرف منذ تلك اللحظة وكأن الجيش المصري جنوبا قد تمت ابادته ..
عام 2006 لايختلف عن اية معركة الا بغياب العرب والخيانة وغياب هنري كيسنجر .. ولذلك انتصرت ثلة صغيرة من المقاتلين على جيش اسرائيل الضخم .. لادفرسوار ولاتطوير هجوم .. ولا اتفاقات تحريك .. ولا هنري كيسنجر ولا سادات .. ولاملك حسين .. ولاعبدالله الاول ..
اليوم نصر ناجز لالبس فيه .. واسرائيل تتلفت حولها علها تجد ساداتا آخر او نسخة الملك حسين .. او هنري كيسنجر .. او عمن يطور هجومه ليفتح ثغرة دفرسوار لها ..
من كل الصورة القديمة فقط لم يبق الا اميريكا وبريطانيا والجسر الجوي .. وبريطانيا نفسها لم تتغير التي تقاتل مع اسرائيل مثل كل اوروبة وكل اميريكا .. فمن يقصف اليوم ومن هو مشغول بالأمر هو ليس اسرائيل بل بريطانيا واميركيا وكل اوروبة وكأن الهجوم وقع على أرض اوروبية .. كل اوروبا وكل اميريكا هي التي تقاتل لأن هناك ادراكا عميقا ان اسرائيل تهشمت .. وهي جريحة جدا .. ومقبلة على هزيمة مرعبة .. ولن تنقذها الا ان تظهر مفاجأة وسادات آخر .. يتم البحث عنه .. هل هو في السعودية او في استانبول؟؟
الحرب اليوم تشبه حرب 2006 جدا .. لم تقدر اسرائيل على حسمها في الاسبوع الاول .. وعندها تبين ان اسرائيل خسرت الحرب .. وكما أبادت الضاحية الجنوبية ولم تقدر ان تتقدم مترا واحدا في مارون الراس .. ولم تسكت صاروخا واحدا .. وهي أبادت أبنية غزة في تكرار لنفس مشهد الضاحية الجنوبية .. ولكنها لم تقدر ان تتقدم مترا واحدا ..
اذا هزمت اسرائيل هذه المرة هزيمة مهينة جدا -وهو ماصار متوقعا – سيعاد مشهد عام 2006 .. حيث صعد محور المقاومة .. وارتفعت شعاراته .. وهبطت أصوات العملاء العرب .. وسترون ان كل من كان يعتمد على اسرائيل في المنطقة سيينخفض صوته ويصبح مثل صوت القطة .. من العملاء في لبنان .. وعملاء الثورات العربية وخاصة ثورجيي سورية .. وسيموء ألانفصاليون الاكراد كالقطط ..
الحقيقة ان عملية غزة كانت ضربة معلم من محور المقاومة .. استعاد حماس بها واعتذرت حماس عن تورطها في خدعة الربيع العربي .. وصوبت بندقيتها .. وظهر الامر على ان كل المحور انتقم من اسرائيل .. واذا استمر تدهور الجيش الاسرائيلي فان كل ملفات المنطقة ستوضع على الطاولة للتفاوض .. فلسطين وغزة والأقصى .. والجولان .. وشرق سورية .. ومزارع شبعا ..
لاأمل لاسرائيل الا بسادات ودفرسوار وملك حسين .. وكيسنجر .. ولكن ماأصعب ان تجد ماوجدته منذ خمسين عاما ..