الشيطان الرجيم أحد أعمدة الكفر، والعمود الفقري لفتنة الإنسان، وقد ينسى الإنسان أنّ إبليس وحزبه هو عدوّه الأول، والشيطان يسعى جاهداً إلى تحقيق هدفه الأول والأساسي، وهو إضلال الإنسان وخداعه، بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ
قصّة الإنسان وإبليس والحياة الدنيا والآخرة، كلّها تتلخّص في كلمة واحدة وهي الاختبار، نحن هنا في الحياة الدنيا في مرحلة اختبار لفترة زمنية محدّدة، الناجحون لهم الجنة والراسبون لهم النار.
على بني آدم أن يلتفتوا جيّداً إلى أنّه لا جنة بلا اختبار ونجاح، حتى آدم وحواء مرّا باختبار، حيث نهيا عن الأكل من الشجرة؛ ولأنّ إبليس عدوّ لهما، بدأ يعمل عمله في فتنتهما وإغوائهما، فالذين في قلوبهم مرض، فما يلقيه الشيطان في نفوسهم ما هو إلا فتنة وتحويلاً لهم عن منهج الحق والصراط المستقيم يَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
الأوجه العديدة للفتن:/
الفتنة هنا هي عملية صرف الإنسان عن الحقّ بالقوّة، يعني كأن يفرض نظام جائر على الناس شيئاً لا يريدونه ولا ينسجم مع ما يرونه أو يعتقدونه، وفي هذه الحالة إذا رفضوا يُعذّبهم ويفتنهم. هذا النوع من الفتنة الذي يُراد منه أن يحمل الناس على تغيير معتقداتهم وآرائهم وتصوّراتهم هي أشدّ من القتل، لأنّ الحرية هي جوهر إنسانية الإنسان، والإنسان الذي يُسلب حريته سواء أكان في الاعتقاد أو التعبير عن الرأي أو التصرّف المشروع، إنّما تسلب منه إنسانيته، فلا إنسانية بدون حرية، ولا حرية يمكن أن يتمتّع بها بشكل سليم ويضعها مواضعها إلا إنسان مستقيم يحترم إنسانيته ويقدّرها حقّ تقدير. من هنا تصبح عملية إكراه الناس على تغيير آرائهم ومعتقداتهم وتصوّراتهم بالقوّة وبالعنف أشدّ من قتلهم؛ لأنّها بالفعل قتل لإنسانيتهم وقتل لحريتهم. والمصداق الواضح للفتنة في أيامنا سياسة أمريكا وأذنابها في التعامل مع من لا يخضع لسياساتها.
ولقد عبّر الإمام علي عليه السلام عن كيفية نشوء الفتنة فقال: إنّما بدء وقوع الفتن، أهواء تُتَّبع وأحكام تُبتدع، يُخالَفُ فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجال على غير دين الله. فلو أنّ الباطل خلُص من مزاج الحقّ، لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، لانقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى. ففي يوم الفتنة تتمكّن الفتنة من عقول الناس، وتغلب على نفوسهم وأفكارهم، وتسلب منهم الرؤية والبصيرة، فيلتبس عليهم الحقّ بالباطل، ويلتبس عليهم أهل الحقّ بأهل الباطل، فلا يميّزون هؤلاء عن أولئك، ولا هذا عن ذاك، ولكن الفتنة تفرز قلّة يعصمهم الله تعالى منها، ويرزقهم بصيرة نافذة، فيقفون إلى جانب الحقّ، وإن قلّ أهله وروّاده، ويقارعون الباطل، وإن كثر أهله. والفتن على مرّ التاريخ لها أوجه كثيرة، فقد كانت أيام “الجمل” و”صفين” و”النهروان” و”الطف” أيام فتن في تاريخ الإسلام. فعند وقوع الفتن يختلط الحقّ بالباطل.