النتيجة الطبيعية لتلك المقدمات والارهاصات التي ذكرناها في مقالاتنا السابقة وعاشها رجالات الفئة الهجينة ومن لف لفهم من الدخلاء والاعراب وشراذم وشذاذ البلدان العربية من المهاجرين الى العراق حديثا ؛ الحقد الدفين , والتنكر للمجتمع العراقي الاصيل ونبذ كل قيمه ومناقبه والتبرؤ منه وموالاة اعدائه وبغض الجنوب والوسط العراقي , والجنوبيين والفراتيين , واقتناص الفرص لتوجيه الضربة الغادرة لأبناء العراق الاصلاء ؛ ولعل السبب الاهم في هذه التصرفات السلبية والسلوكيات المرضية لهؤلاء الهجناء وتبنيهم للفكر المنكوس ؛ هي حالة الاغتراب التي يعيشها هؤلاء والتي ورثوها عن اباءهم الدخلاء واجدادهم الغرباء .
فالاغتراب حالة قد تتحول الى مرضية في بعض الاحيان ؛ يشعر من خلالها الفرد او الجماعة او الفئة بالغربة والانفصال عن المجتمع والابتعاد عن البيئة الاجتماعية العامة والنفور من المواطنين ؛ وكما توصف على انها ظاهرة متعددة الابعاد حيث استخداماتها الفلسفية والاجتماعية والنفسية بل والادبية .
لذلك دأبت الفئة الهجينة ورجالاتها على احاطة نفسها ب اسيجة عازلة ومناطق معزولة بالعزل الطائفي والقومي والمناطقي – للالتصاق بالذات والتقوقع عليها – بقوة السلاح والمال وامكانات الدولة عن الاغلبية العراقية بل عن اغلب مكونات الامة العراقية الاصيلة , واتخذت تلك الظاهرة عدة صور مختلفة اختلفت باختلاف الانظمة الحاكمة الهجينة المتعاقبة وقد بدأت بصورة واضحة تدريجيا منذ العام 1920 وقد بلغت اوجها في عهد المشنوق صدام بن ابيه ؛ لأنها تشعر بالغربة وعدم الانتماء للمجتمع العراقي الاصيل , فلا تستغرب عندما تشاهد في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عناوين تحمل : (( لن تكون زيونة شروقية )) و (( ولن تكون الاعظمية شروقية )) و (( ولا نقبل بحكم الشيعة الجنوبيين والفراتيين )) وقد صدق الهجين في ذلك ؛ فمن سابع المستحيلات تحول بقايا العثمنة والعجم ورعايا الانكليز الدخلاء وشذاذ- ( صلبية ولملوم )- البلدان العربية الغرباء الى عراقيين اصلاء او عرب اقحاح .
وقد يفضل المغترب – ( المصاب بحالة الاغتراب ) – الانسحاب من المجتمع الام ؛ من خلال عدم التفاعل معه وعدم الثقة به و الاهتمام بقضاياه وهمومه , والالتجاء الى تجمعات ضيقة متعصبة او الى الخارج , وهذا ما نلاحظه في سلوك ابناء الفئة الهجينة اليومي ؛ فهو يفضل مناقشة حقوق الشعب الفلسطيني او هموم المجتمع الاريتري او معاناة الصوماليين او تطلعات سكان جزر القمر على التطرق لمشاكل و هموم المواطن الجنوبي او الفراتي او المطالبة باستحقاقات تلك المدن العراقية العريقة ؛ فكل ما يدور في تلك المحافظات والمدن لا يمثل له من الاهمية اي شيء ولا يأبه به مطلقا ؛ الا بمقدار ما يتعلق بمصلحته الضيقة بل قد يتامر مع الاعداء الخارجيين ضدها ..!!
وقد يصاب المريض ( بحالة الاغتراب ) بشعوره بتشوش البيئة المحيطة به أو عدم وضوحها أو انعدام الألوان بها أو بأنها ثنائية الأبعاد أو زائفة , أو على جانب آخر فرط الوعي بهذه البيئة ووضوحها له … لذلك لا تندهش عندما ترى كاتبا غربيا يمتدح طبيعة الاهوار ويصفها بانها : ( جنات عدن ) بينما يكتب الهجين الذليل والاجنبي الدخيل – ( الذي يدعي الهوية العراقية زورا وبهتانا ) – عنها : بانها مسطحات مائية ضحلة وقذرة وبائسة … الخ .
وقد يصل المرء – ( المصاب بحالة الاغتراب ) – الى التمرد وهي حالة سخط من جانب الفرد المصاب على كل ما يحيط به , وحالة التمرد هذه يصاحبها رغبة في تدمير واتلاف كل ما هو موجود, وتشويه كل ما هو جميل , وعرقلة كل محاولة تطور وتنمية وازدهار ؛ و تجربة الهجين صدام وشقاوات بغداد البعثية والقومجية من اوضح الادلة الدامغة على ذلك , ولعل نضرة خاطفة لبعض افراد العوائل الدينية ذات الاصول الاجنبية من المحسوبين على مذهب الاغلبية العراقية تبين لك حقيقة الامر ايضا .
بالإضافة الى اتصاف الفرد المصاب بحالة الاغتراب الى فقدان الاحساس بالقيم الجمالية ورفض القيم الاجتماعية … ؛ وقد اكدت الدراسات النفسية الحديثة امكانية اصابة اي فرد بهذه الظاهرة المرضية بغض النظر عن المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي … ؛ ومن الممكن ان تتطور الحالة المرضية للمصاب الى اصابته بعدة اعراض ومنها المرض النفسي او العقلي او الانحراف الجنسي او الانتحار او الهجرة او ادمان الكحول والمخدرات … .
وقال المختصون بان السبب الدقيق لاضطراب تبدد الشخصية أو الاغتراب ليس معروفًا بشكل جيد , فقد يصبح بعض الناس أكثر تعرضًا للإصابة بتبدد الشخصية والاغتراب من الآخرين، وربما كان ذلك بسبب عوامل وراثية أو بيئية ؛ و قد تؤدي حالات التوتر والخوف الشديدة من المجتمع إلى بدء النوبات المرضية .
فهؤلاء قد جاء اسلافهم مع العثمانيين كمرتزقة وسبايا وغلمان نكاح وخدم وعبيد , وبعضهم جاء مع الاحتلال البريطاني وتشكيل الدولة العراقية المعاصرة كموظفين وعسكر وخدم ومرتزقة , وبعضهم هاجر الى العراق حديثا لطلب الرزق او لغير ذلك من الاسباب الدينية وغيرها ؛ فلو عاش هؤلاء الدخلاء المنكوسون بيننا الف عام لما تخلصوا من شعورهم بالاغتراب ؛ فالاغتراب يلف كيانهم وينغص عليهم حياتهم ويقض مضاجعهم ؛ وما تمسكهم بحبل الطائفة السنية الكريمة والمبالغة في التشبث بها او ادعاءهم للانتماء للعروبة بمناسبة ومن دونها الا دليل واضح على ذلك الاغتراب وضياع الهوية الاصلية .
وقد عمل هؤلاء الغرباء على تحويل العراق الى جزر منعزلة , ومناطق محجورة , و (كانتونات )عنصرية وطائفية مغلقة , ومدن متقاطعة متنافرة – والا بماذا تفسر توزيع قطعة ارض بمساحة 109 متر فقط للمواطنين في مدينة الثورة بينما توزع قطعة بمساحة 1000 متر للبعض الاخر او تقدم الخدمات في هذه المنطقة وتحرم تلك منها … ؟! – , وشرائح متباغضة … .
ومن الواضح ان الاغتراب الذي يعيشه هؤلاء الغرباء يختلف اختلافا جذريا عن الاغتراب الذي يعيشه المصلحون والمبدعون العراقيون الاصلاء او العباد والزهاد , فشتان ما بين الامرين .
وقد كتب الناقد رضا عطية موضوعه لنيل درجة الدكتوراه بعنوان : (( الاغتراب في شعر سعدي يوسف.. دراسة في النقد الثقافي )) وكان يقصد به اغتراب سعدي يوسف عن وطنه العراق ؛ ولو انصف الكاتب وسبر اغوار الحقيقة لقصد بذلك اغترابه منه وليس عنه ؛ فهو منذ انعقاد النطفة كان غريبا دخيلا ولا يمت بصلة لهذه الارض ؛ لذلك يشعر بالاغتراب من العراقيين الاصلاء ومن العراق وقيمه وامجاده ومن الجنوب الذي نشأ فيه وأكل من خيراته .
فقد حيل بين هؤلاء الهجناء(4) والمهاجرين الدخلاء والمرتزقة الغرباء وبين اوطانهم الاصلية واقوامهم الحقيقية , اذ انقطعوا عن جذورهم وارضهم , وانعزلوا عن بني جلدتهم , فإنَّ المغترب الهجين يعيش في حالة وسيطة مضطربة ، لا ينسجم تمامًا مع المحيط الجديد ولا يتخلّص كليًّا من عبء البيئة الماضية وتأثيرات الجينات الوراثية ، تضايقه أنصاف التّداخلات وأنصاف الانفصالات ؛ فيلجأ الى الادعاءات والاحتماء بالسلطات الداخلية والخارجية على حد سواء .
ومما تقدم تعرف السبب الذي دعا الشاعر الهجين سعدي يوسف عام 2014 الى القاء قصيدة منكوسة بعنوان : (مصر العروبة.. عراق العجم ؟؟!!) والتي تضمنت ثناء بالغ على مصر والوسط الثقافي المصري، وذكر فيها أسماء بعينها , وارخى قامته للمصريين ذلا وتملقا من أجل قنينة ويسكي او فودكا – شرابه المفضل – , وقد قدم اسم مصر على العراق العظيم , ونال من العراق والعراقيين الاصلاء ؛ وزور هوية العراق وبدل حقيقته بكل وقاحة وصلافة واسماه العراق العجمي وشمال العراق الاشوري نعته بمنطقة القرود …!! .
ان إساءة الشاعر الهجين المأزوم سعدي يوسف للعراق والاغلبية العراقية وبعض مكونات الامة العراقية لم تأت إلا من حالة الاغتراب المزمنة والعقلية الطائفية التي زال غطاؤها بعد فقدانه الأمل بالحصول على منصب حكومي – ( وزير الثقافة ) – في عراق ما بعد صدام، فخرج المتعصب القابع في دماغه وبان معدنه الردي واتضحت حقيقة الاجنبي الهجين والغريب الدخيل وراح يوزع الشتائم والإساءات بين الرموز الشيعية في شتى المجالات , و لم يستثن أحدا حتى الموتى الهالكين والاصدقاء المقربين …!! .
منذ مجيء هؤلاء الدخلاء وتسلط اولئك العملاء الغرباء على العراق – من عام 1920 والى 2003 – اصبح العراق والعراقيون الاصلاء في اخر اولياتهم واهتماماتهم ؛ اذ رفعوا شعارات الامة العربية والقضية الفلسطينية – ( كذبا وتدليسا لغاية في نفوسهم المريضة ) – وقد فطن العراقيون الوطنيون الى هذه المكيدة وقالوا : (أن قضية الوطن أولى بالاهتمام ) ؛ وكان قصد هؤلاء العملاء من هذه الشعارات الزائفة ؛ تبني الهوية العربية والمذهب السني عوضا عن هويتهم الحقيقية المفقودة ؛ واهمال شؤون العراق والعراقيين الاصلاء والقفز فوق امال وهموم ومشاكل ابناء الامة العراقية الانية وتجاوزها على أجنحة الشعارات الطوباوية الكاذبة والتي تهدف الى افقار العراق وتأخره واستهلاك طاقاته البشرية والاقتصادية في مسرحيات سياسية هزيلة ومعارك عروبية خاسرة لم تزحزح اسرائيل شبرا على ارض الواقع بل جلبت الويلات للعراق والعراقيين ؛ مما أدى إلى تعطيل طاقات الجمهور العراقي وحرقها في غير مكانها الصحيح ؛ لأنهم يشغلونهم أو يلهونهم بالقضايا النظرية الطوباوية والشعارات العروبية الخيالية ؛ وغالبية الناس لا تمتلك القدرة على التمييز ، وليس عندها قوة إبصار تفرق بها بين الأولوية الوطنية والقضايا العربية والاسلامية والانسانية ، ولا بين الأولوية من حيث النظرية وبينها من حيث التطبيق .
ان الفئة الهجينة تريد منا ان ننحر العراق من اجل العروبة ونذبح العراقيين لأجل عيون الفلسطينيين والسودانيين والصوماليين ؛ كما يطالبنا المنكوسون بالتضحيات الجسيمة من اجل الايرانيين وبحرق الديوانية الشيعية من اجل يزد المجوسية او حرق العمارة الجنوبية لأجل سلامة بلوچستان الوهابية او تدمير الكوت العراقية من اجل كرمنشاه الكردية ..!! ؛ يريدون منا ان ننحر قضيتنا الوطنية الكبرى على اعتاب قضاياهم … ؛ على أننا – وإن كنا ندرك أن القضيتين العراقية والعربية والاسلامية مترابطتان بمشتركات ثقافية وتاريخية – الا اننا لا نرضى أن تنحر قضيتنا العراقية الخاصة بأي حجة من الحجج ، أو ذريعة من الذرائع ؛ و ان فلسطين وغيرها لا ينبغي أن تلغي العراق , كما لا ينبغي أن يلغى وطن وتصادر قضايا المواطنين ، لحساب وطن اخر ، وخدمة لقضية اجنبية او غريبة يريد أهلها أن يخدموها ، بأي وسيلة وإن كان فيها نحر لقضايا الآخرين .
ان هذه العقلية المتآمرة والمنهج المنكوس المقلوب في التعاطي مع قضايا الامة العراقية يشكل الركيزة الاساسية للفئة الهجينة والخط المنكوس في العراق ؛ ولعل الشاعر سعدي يوسف والكاتب خالد القشطيني والارهابي طارق الهاشمي الداغستاني والمجرم عزت الدوري الشيشاني من مصاديقه .