التخطيط والتنميةثقافيةمقالات

نحو اعلام حر و مسؤول ..

بقلم : سعيد البدري

 

هناك نظرية اعلامية تدعى بنظرية المسؤولية الاجتماعية ،مفاد وخلاصة هذه النظرية يشير الى “ان ازاء كل حق هناك واجب” وقد  انطلقت النظرية لتؤسس لعلاقة سوية بين الاعلاميين و وسائل الاعلام التي يعملون فيها من جهة ،وبينهم وبين  المجتمع من جهة اخرى .

بعيدا عن السرد التأريخي ومحاولات الكشف عن ضرورات ومبررات وجود هذه النظرية ، التي تشير الى أن للجمهور  الحق في أن يتوقع من وسائل الإعلام مستويات أداء عالية وفعالة ، وأن التدخل في شؤون وسائل الإعلام يمكن أن يكون مبرره تحقيق هذه المصلحة العامة؛ أضف إلى ذلك أن الإعلاميين يجب أن يكونوا مسؤولين أمام المجتمع بالإضافة إلى مسؤولياتهم أمام مؤسساتهم الإعلامية.

ما تراه النظرية والذي ينبغي اسقاطه على وضع الاعلام في بلادنا  وتعاطيه مهنيا مع الجمهور  لتجنب اشكاليات عدة ليس اخرها لجوء البعض من المتحصنين خلف وسائل اعلام بعينها ،لابتزاز المؤسسات الحكومية وشخوص الوزراء والمدراء والنواب والمؤسسات الرسمية وحتى غير الرسمية  وربما المواطنين ، مستغلين القوانين وذلك الهامش الفضفاض من الحرية الفكرية ، وتوافر اسباب القدرة على النشر والتعبير لتضييع حق من يضعونهم في خانة الخصومة ، عبر خطاب مليء بالتزوير قوامه البهتان و التجني عليهم  ايضا .

ان الاعلام حاجة انسانية تفرضها متطلبات العصر واليات الرقابة لاستنهاض من يؤدون المسؤولية وتصحيح مسارهم او حتى تقديم الشكر لمن يرى المجتمع اهليتهم وكفائتهم وتقديمهم الخدمة بأفضل صورة ممكنة ، والاعلام باحث و داعٍ للحقيقة ولا شيء غيرها قطعا ،ومن يرونه بخلاف ذلك فهم خونة للامانة ، وان تمترسوا خلف ادعاءات حرية التعبير وممارسة دور الرقيب وهو امر يستدعي ان يكون للوسائل الاعلامية دور يخرجها من سطوة الابتزاز لفضاء الشفافية مع سلوك حسن ازاء جمهورها ،الذي يجد انها باتت جزءا من المشكلة لا الحل ،فتستر بعضها  على الفساد واتباعها نهج المحسوبيات سبب في تراجع الاوضاع وتفاقمها .

ان تنصل المؤسسات عن ممارسة دور مسؤول خادم للمجتمع  ، والحال ينطبق على بعض  الافراد ممن شكلوا جماعات ضغط ( لوبيات )  واتخذوا طريقا عبر تجييش المتلقين في  وسائل التواصل ،وصناعتهم  لجمهور لا تعرف دقة حجمه ووجوده وانتشاره مع شيوع  اساليب (شقلبة ) الحقائق والقفز عليها ،كما ان عدم وضوح القوانين الرادعة وغياب المواثيق التي تنظم كل هذه العملية ،ادى لنشوء امبراطوريات ابتزاز تخيف المسؤول وتدفعه لدفع الرشى ،قد يكون البعض فاسدا او ذي تاريخ تشوبه الشبهة ،لكن حتى بعض الذين لم تتلطخ ايديهم بالشبهات فهم اسارى لهذا السلوك الاصفر ،ويخشون ان يستغل هولاء سطوتهم لقلب الحقائق والاساءة لهم او اتهامهم في ظل نظام متهم بالفساد ،وجمهور لا يستثني ايا من شخوص وادوات ذلك  النظام  من هذا التوصيف .

إنّ  هذين المفهومين ( الحرية والمسؤولية  ) يكمل أحدهما الآخر، كما أن أحدهما سبب وايضا نتيجة للآخر، و ذلك لأن الحريات التي اعترفت بها الدساتير  للأفراد ليست حريات مطلقة ، إنما حريات مقيدة بحريات افراد المجتمع وترتبط بتحقيق المصلحة العامة ،التي ينبغي أن يراعيها الافراد ،كما أن المسؤولية هي من ضروريات الحرية وهي في الوقت ذاته نتيجة تقود لها، فلا توجد  مسؤولية إذا لم تكن هنالك حرية.

أن عصرنا الحالي الذي شهد ولادة وانطلاقة الاعلام الجديد الذي يمكن عدّه اليوم نظاماً عكسيا مختلفا وخطيرا لما  فيه من المرونة والحركية التي تتيح للعاملين فيه التملص والمناورة  ، بخلاف  النظام الإعلامي التقليدي الذي كان يستند إلى كم كبير  من القواعد والضوابط والقوانين التي تحكم مجاله، وتراقب توازنه، لما ينطوي عليه من نقض للتقاليد المعتادة التي سادت سابقا ،فالحرية النسبية تقابلها اليوم حرية مطلقة، والموضوعية تراجعت أمام استفحال مظاهر الذاتية المفرطة ،لذا ينبغي وجوبا ردم الهوة بين سوط رقابة الحرية الصارمة التي تفتقر للضوابط ،وبين ما يجب توفيره من بيئة تحمي المسؤول وتدفعه للنجاح وتقديم الخدمة للناس عبر قوانين تطور الاعلام وتضع له المحددات  ،وبعيدا عن العدائية السائدة ازاء موظف الخدمة العامة في بلدنا  ،فأن البلدان الناجحة التي اعتمدت معايير النزاهة والشفافية والوضوح المطلق ،قد وفرت هذه البيئة بهدف دعم النجاح وجعله منطلقا واساسا للنمو والتطور ،اما اعتماد المعيار الاخلاقي الواجب التقيد به ازاء السلطة والغرض منها ،فهو ذاتي وقد لا ينجح في توفير الحماية اللازمة لكثرة حالات الابتزاز و تعدد وجوه المبتزين واساليبهم ،وهو ما ينبغي الالتفات اليه ومعالجته لتقويم الاعوجاج ووقف الفساد ، كون الاعلام بكل ادواته سلوكياته شريك اساسي ولا يجب ان نغفل دوره سلبا او ايجابا ،في اطار حلحلة المشاكل وتوفير المعالجات وانفاذها ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى