شؤون اقليمية

تركيا على مفترق طريقين في 14 مايو

بقلم - مصدق مصدق بور

رجب طيب أردوغان ، السياسي المخضرم الذي لم يخسر أي انتخابات لصالح منافس له  منذ 20 عامًا ، يواجه الآن أصعب سباق انتخابي وأكثر إثارة في حياته السياسية في تركيا.

عليه أن يواجه منافسة انتخابية في 14 مايو 2023  حيث تعتزم ستة أحزاب بارزة في تركيا تعرف باسم  أحزاب (طاولة الستة) يخطط لسحب سجادة قصر ” آق سراي” أو (القصر الابيض) من تحت قدميه واخراج غالبية المقاعد في البرلمان من قبضة الحزب  الذي يقوده .

على الرغم من أنه اعتبر جهود هذا التحالف عقيمة وحمل عليه باسلوب ساخر قرأ فيه بيتا شعريا بالفارسية للشاعر الايراني الخالد الفردوسي  وهو :”   “نشستند و گفتند و برخاستند ” أي جلسوا وقالوا ثم انصرفوا ، فان منافسه ” كمال قلجدار أوغلي ” زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض البارز وزعيم المعارضة الرئيسية في تركيا الذي اخفق حتى الان من تحقيق فوز انتخابي لوحده استطاع اليوم ان يستحوذ على  25 بالمائة من الرأي العام التركي ويقف على رأس ائتلاف انتخابي يضم عددا من السياسيين النافذين مثل ميرال أكشنار وعلي باباجان و ….

وتجلس على الطاولة السداسية ستة أحزاب وهي : “الجمهورية الشعبية” و “حزب الجيد القومي حديث النشأة،” و ” حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا)” و ” حزب السعادة”و ” حزب المستقبل” .

تنتمي الأحزاب الستة إلى أيديولوجيات متباينة، ما بين العلمانية الأتاتوركية والقومية من جهة، والتيار اليميني المحافظ الذي يشارك حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (العدالة والتنمية) خطوطه الفكرية الرئيسية من جهة أخرى.

والجامع المشترك بين الأحزاب الستة أنها تتبنى خطابا “ديمقراطيا وسطيا” يتجنب الإقصاء أو التطرف تجاه فئة محددة من الشعب، كما تجمعها معارضة الرئيس أردوغان والسعي إلى الإطاحة به خلال الانتخابات المقبلة.

من الأهداف المعلنة لهذا الائتلاف جر خط البطلان على الموروث السياسي الأردوغاني ، وملء الفراغ الذي خلقه هذا السياسي الإسلامي بين تركيا وافكار ومبادئ  مصطفى كمال باشا ، الملقب بـ “أتاتورك”.

يحظى هذا التحالف بدعم واضح من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ، وعقد العزم على التغلب بأي طريقة ممكنة على الحيل الانتخابية لأردوغان وحملاته.

اظهرت جميع استطلاعات الرأي قبل الانتخابات حتى هذه المرحلة من المنافسة  تقدم التحالف على أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”.

لكن هل سيستسلم اردوغان  البالغ من العمر 69 عامًا ، والمعروف بحيله وتكتيكاته الانتخابية التي لا يمكن التنبؤ بها في الانتخابات ، بسهولة أمام هذا التحالف القوي؟

لعل الإجابة الدقيقة والنهائية على هذا السؤال ستأتي غداة يوم الانتخبات في  14 مايو، لكن من الواضح جدًا أن جميع منافسي أردوغان في الانتخابات يعرفون أنه ليس منافسًا مهزومًا ولا يمكنهم ، حتى اللحظة الأخيرة ، أن يكونوا راضين عن استطلاعات الرأي وكاريزما أردوغان وتكتيكاته الانتخابية وتأثيرات خطاباته المثيرة في جذب الجمهور الناخب التي عادة ما تعتمد على الخطاب الشعبوي للتغطية على سجله التنفيذي .

المنافسون الانتخابيون لاردوغان بدلا من التركيز أكثر على الجوانب الإيجابية لخططهم المستقبلية يركزون فقط في الوقت الحالي على الأصوات السلبية لأردوغان ربما تكون هذه النقطة هي كعب أخيل الوحيد في هذا التحالف ، والذي في اللحظات الأخيرة من الحملة الانتخابية قد تصيبه السهام السامة للرقيب.

في هذا الوسط ، فإن خطتهم الوحيدة الواضحة للمستقبل هي إعادة النظام التركي من الوضع الرئاسي ، وهو إنجاز أردوغان في سياسته ، إلى الوضع البرلماني ، ومن خلال تسليم العمل التنفيذي لرئيس الوزراء ، يعيدون المنصب الرئاسي إلى الوضع الرمزي  السابق.

إذا تحقق انتصار للائتلاف ، ربما بهذه الطريقة ، ستكون زعيمة حزب “E Party” السيدة “مارال اكشنر” في منصب رئيسة الوزراء ، وتبلغ من العمر 75 عامًا وسيكتفي السياسي التركي كمال كليجدار أوغلو بالمنصب الرئاسي الرمزي .

بالإضافة إلى ذلك ، سيتم تعيين “اكرم إمام أوغلو”عمدة اسطنبول و “منصور يافاش” عمدة أنقرة ، كنائبين لرئيس تركيا كمكافأة على دعمهما لهذا التحالف.

إن وعود التحالف بتقسيم المناصب ومقاعد السلطة بين معارضي أردوغان كبيرة لدرجة أن رجب طيب أردوغان قال عدة مرات ساخراً:

“لا يوجد هذا القدر الكبير من المناصب والمقاعد في النظام الإداري والتنفيذي لتركيا ، الا فيما تم توفيرها في مكان آخر”

ما يمكن استنتاجه من مشهد هذه المنافسة المرهقة هو أنه على الرغم من استطلاعات الرأي وتقدم الائتلاف السداسي  ، لا يملك أي من المتنافسين الانتخابيين طريقة سهلة للفوز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وعلى الأرجح ، سيتقرر مصير هذه الانتخابات في الجولة الثانية في 28 مايو 2023 ، حتى  يتم تسجيل اللقب الرئاسي باسم “كيليجدار أوغلو” أو “أردوغان”.

 

ومن الجدير بالذكر أنه في حال فوز التحالف بقيادة كمال كيليجدار أوغلو ، فإن سياسة تركيا ستميل نحو الغرب أكثر من ذي قبل ، وبانتصار أردوغان ، سيتعين على الغرب أن يتسامح مع سياسات أردوغان الاستبدادية والمعادية للغرب لمدة خمس سنوات أخرى.

ربما يرى المراقب تقاطعات وتباعدات كبيرة بين سياسات اردوغان وطهران لكن ايران تفضل استمرار رجب طيب اردوغان في السلطة .

هل ايران مع ولاية جديدة لرجب طيب اردوغان ؟

في نظرة عامة تميزت سياسات ومواقف اردوغان خلال العقد الاخير بالعدائية تجاه ايران واتخاذ مواقف متضاربة لكن رغم ذلك ترى ايران ان السيء افضل من الاسوء وقد تفضل اردوغان للاسباب التالية:

1- الضعف الشديد لأردوغان وحزبه في المجال السياسي لتركيا بعبارة اخرى أصبح اردوغان بلا مخلب !

2-   فشل سياسات أردوغان العدوانية والاستعدائية في جنوب غرب آسيا.

3-   انتهاء النموذج الاردوغاني في النظام الإقليمي والدولي .

4-   حساسية أردوغان الشديدة ومعارضته لأي استقلال وحكم ذاتي للمناطق الكردية في سوريا والعراق وتركيا وإيران.

5-  اجبرت  حكومة أردوغان على قبول عدة ملايين من اللاجئين السوريين نتيجة لسياستها العدوانية وهؤلاء النازحون واللاجئون يشكلون الآن ضغوطًا شديدة على اقتصاد تركيا وسياستها ومجتمعها.

6-   خيبة أمل الرأي العام التركي من السياسات العدوانية لحكومة أردوغان وخاصة ضد سوريا حيث يوافق اليوم  80٪ من الشعب التركي  على إقامة علاقات مع سوريا.

7-  الصراع المكثف لحكومة أردوغان في لجة الأزمات السياسية والاجتماعية الداخلية ، مثل حركة فتح الله غولن وحزب الشعب الديمقراطي المقموع ، إلى زيادة الاستياء من أردوغان ، وتآكل الرصيد السياسي لاردوغان في تركيا وحتى في المنطقة .

8- أردوغان تاجر له اثمان مختلفة في العلاقات الدولية ، ويمكن استغلاله لتحقيق بعض ألاهداف وفقًا لاحتياجات العصر.

9-  تشكل حكومة أردوغان وتركيا حاجزاً بين عدوين شرسين ، هما إيران وإسرائيل ، وهذا ما يؤهله لتخفيف بعض التوترات بينهما.

10 –  نهج المساومة الذي تتبعه حكومة أردوغان للالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران من خلال تلقي رسوم سمسرة (عمولة) من إيران يساعد كثيرًا على مواصلة مقاومة إيران ضد الغرب.

11- لا يمكن التنبؤ بسياسات التحالف المناهض لأردوغان ، ولابد من حساب مقدار ربح وخسارة فوزهم في الانتخابات.

12- أردوغان رغم كل المنزلقات التي وقع فيها طيلة العقدين الماضيين لكنه خرج منتصرا من التحديات ، واثبت حضوره  كحاكم مطلق في النظام السياسي التركي طوال العشرين عاماً الماضية ، وهناك شعور ان لديه القدرة على هندسة الانتخابات لتحقيق نصر هش وغير شرعي في الانتخابات المقبلة. لذلك ، تراهن بعض دول المنطقة على استمرار حكم أردوغان على تركيا في السنوات المقبلة.

13 -الزلازل الكبيرة التي ضربت جنوب شرق تركيا ، وحجم أضرارها التي تجاوزت 80 مليار دولار وأكثر من 44 ألف شخص ، وضعت اردوغان في ازمة الشرعية واستمرار البقاء في المعترك السياسي لهذا البلد ، وجعلته اكثر حاجة الى الدعم الخارجي.

14- إيران  لاعب فاعل ورئيسي  في السياسة الإقليمية ودعمت أردوغان في الفترات السابقة ومكنته من  تجاوز انقلاب عام 2016.

15- وصلت هشاشة أردوغان داخليا ودوليا  إلى أعلى مستوياتها ، وتشترك ايران وتركيا في مواجهة حظر امريكي وغربي مما جعلهما في حاجة الى احدهما الآخر.

16- واخيرا وليس آ خرا ، بالنسبة لإيران ، فإن الحكومة الضعيفة والمريضة والهشة كحكومة أردوغان ، التي تعاني من  مشاكل وأزمات داخلية وخارجية واسعة النطاق ، أفضل بكثير وأكثر فائدة  من حكومة جديدة وقوية تتمتع بدعم امريكي وغربي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى