اقتصاديةعراقيةقسم الدراسات الاقتصادية

السياحة في مناطق أهوار الجبايش في جنوبي العراق

م.م هدى أحبيني عاشور البيضاني -مركز دراسات البصرة والخليج العربي/ جامعة البصرة

 الأهوار:- عبارة عن نظام بيئي متكامل مكون من مسطحات مائية بأعماق مختلفة تصل في بعض الأحيان إلى عمق أربعة أمتار، تقع في الجزء الجنوبي من العراق في المنطقة الواقعة ما بين مدينة العمارة شمالا والبصرة جنوبا والناصرية غربا، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي هور الحويزة وهور الحمار والأهوار المركزية، وتتغير مساحة هذه الأهوار من سنة لأخرى ومن موسم لآخر تبعا لكمية المياه الواصلة إليها من مياه دجلة والفرات وبعض الأنهار المتفرعة عنهما.

وتمثل الأهوار والأراضي الرطبة العراقية نظاما بيئيا غاية في الأهمية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي حيث تجتذب مياه هذه الأهوار أعدادا هائلة من الطيور المستوطنة والمهاجرة إضافة إلى أنواع عديدة من الأسماك والنباتات، إن وجود النباتات والبيئة الطبيعية ووفرة الأسماك كلها عوامل توفر الحماية الطبيعية ومصادر الغذاء والماء لآلاف ولملايين الطيور المهاجرة أثناء فصل الشتاء خلال هجرتها ما بين أوربا وآسيا وأفريقيا، كما أن الأهوار موطن للعديد من الأصناف المستوطنة. ينظر صورة (1)

والأهوار غنية بتنوعها الحيوي وهي قادرة على دعم الاحتياجات الحياتية لسكانها فمنذ أكثر من خمسة آلاف سنة اختار عرب الأهوار هذه الأرض لتكون سكنا لهم وتمركزت حياتهم وأعمالهم الاقتصادية حول هذه المنطقة البيئية حيث يعيش سكان الأهوار على صيد الأسماك والطيور والبط ويقومون بزراعة الرز وتربية الحيوانات وبصفة خاصة الجاموس وعمل بعض الصناعات الشعبية ويعيشون في بيوت متربعة على الماء وينتقلون بوساطة الزوارق المحلية الصنع (المشحوف).

أما بالنسبة إلى النشاطات الاقتصادية السابقة فيقوم سكان الأهوار بالاستفادة القصوى من نبات القصب، الذي يؤدي دوراً مهما في دعم اقتصاديات المنطقة ويمكن اعتباره من أهم المواد الأولية في الصناعة الشعبية، فنبات القصب يستخدم في صنع الحصران وعمل الأسرة والمقاعد وبناء المساكن كما يدخل كمادة خام في صناعة الورق، ينظر صورة (2).

وعلى الرغم من الثراء التاريخي والإنساني والبيئي والحيوي والاقتصادي للأهوار فقد تضافرت عليها جملة من العوامل البشرية لتحيلها خلال مدة تقارب الثلاثة عقود من بيئة طبيعية زاخرة بالحياة والسحر إلى نظام بيئي يصارع من أجل البقاء، وهذا لم يمنع من بعض الجهود المتواضعة لإعادة الحياة إلى الأهوار العراقية بيد أن عمليات الأغمار لم تصل إلى نسبة جيدة لحد الآن فهي مازالت تتراوح ما بين ١٢-١٥٪ من مساحتها الأصلية في سبعينيات القرن الماضي وستصبح عملية إعادة الحياة إلى كامل مساحة الأهوار الأصلية أكثر صعوبة في المستقبل بسبب انعدام الرؤية السياسية وغياب الاستراتيجية الفعالة ونقص المياه الواصلة للعراق والتغيرات المناخية غير الملائمة.

الاهوار بيئة فريدة عالميا:-

تمثل الأهوار بيئة فريدة عالميا وذات أهمية تؤهلها لأن تعد محميات طبيعية للتراث الإنساني والتوازن البيئي العالمي, وذلك لتميزها بالحالات الاتية :-

  • التنوع الإحيائي: تمثل الأهوار الأنموذج البيئي الذي يتميز بانتشار الطيور بأنواعها المختلفة وانتشار نباتات الحنطة والشعير والأعشاب وسط تفرعات الأنهار فضلاً عن كونها بيئة مناسبة لتربية الأبقار والجاموس الذي انتشر في تلك المناطق الرطبة بالإضافة إلى كائنات الأنموذج البيئي المتكامل لهذه المنطقة.
  • التجمعات السكانية:- نشأ في هذا الأنموذج البيئي تجمعات سكانية حول الماء والخضراوات والغذاء مما دفعهم إلى بناء مساكن من القصب المتوفر, سميت الجبشة (وهي طبقات من القصب أو البردي تستخدم للسكن المؤقت في مياه الاهوار) تشابه ما موجود حاليا ومن ثم بنوا ما يعرف بالزقورات والجنائن المعلفة  في وسط وأطراف هذه المسطحات المائية ليمثلوا فجر الحضارات التي تعتز بها الإنسانية جمعاء .
  • الآثار المدفونة: تركت لنا تلك التجمعات السكانية آثارا مدفونة تحت ترسبات هذه الأهوار مثل موقع أم العقارب وبعض المواقع في ميسان التي يتوجب الكشف عنها وتوضيحها, علاوة على لاور وأريدو و لكش والوركاء وغيرها.
  • الاستخدامات النفطية:- نشأت في تلك التجمعات صناعات هيدروكربونية باستخدام الأسفلت من النضوحات المستخرجة شرق هذه الأهوار والتي نضحت من خلال فوالق زاكروس و النضوحات قرب نهر الفرات خلال فالق أبو جير وكما يظهر في تبطين القوارب (المشحوف) وتبليط الطرق في حضارات سومر وبابل وصناعة سلاح المكوار الذي يحتوي على كتلة أسفلت في رأس العصا و تبطين مع تثبيت أجزاء السفينة.
  • الجانب السياحي:- تشكل الأهوار مناطق سياحية بمناظرها الخلابة ومكاناتها المناسبة للصيد والنزهة بالقوارب وسط المياه, لذلك يجب الاهتمام بها من خلال بناء المرافق السياحية الملائمة مثل الجسور الخفيفة والمشحوف السياحي في هذه المناطق التي تحيطها آثار الأقوام الذكية التي استقرت قبل حوالي أكثر من ثمانية الاف سنة في هذه المنطقة.

الأهمية المحلية والدولية للأهوار والتحديات التي تواجهها:

–  تعد الأهوار العراقية بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أهم الأنظمة البيئية للترب الرطبة في الشرق الأوسط نتيجة للتنوع الحيوي النباتي والحيواني الذي تمتاز به.

–  مرت الأهوار في ظل النظام البائد في تسعينيات القرن الماضي بأسوء مرحلة عاشتها خلال مدة عمرها الموغل في القدم حيث تم تجفيف أجزاء كبيرة منها، لأسباب سياسية في الدرجة الأولى، عن طريق منع وصول مياه دجلة والفرات إليها وقد أدت عمليات تجفيف الأهوار إلى تعرض العديد من اللبائن والأسماك المستوطنة في الأهوار إلى الانقراض .

–  للأهوار أهمية تاريخية وحضارية كونها تعد جزءاً مهماً من تاريخ العراق القديم والإنسانية جمعاء.

–  إن جفاف مساحات واسعة من الأهوار أثر سلبا على عدد ونوع الأصناف النباتية المتواجدة فيها.

–  أن تقلص مساحات الأهوار أثّر سلبا أيضا على العديد من الحيوانات البرية والداجنة التي تعيش فيها

–  إن قلة المياه وتقلص مساحة الأراضي الرطبة وبالتالي قلة المصادر الغذائية وأماكن التعشيش سيؤثر على أعداد الطيور المستوطنة والمهاجرة. حيث يعيش في الأهوار أكثر من (300) نوع من الطيور وتتغير أعدادها من موسم لأخر حيث يصل عددها إلى أكثر من مليوني طير من مختلف الأنواع في موسم الهجرة الذي يمتد من شهر كانون الأول إلى شهر شباط، وتصل الطيور المهاجرة إلى الاهوار من مناطق مختلفة وبعيدة مثل غابات سيبيريا وبحر الأورال وآسيا الوسطى والبحر الأسود وتركيا والصين والبلدان الإسكندنافية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.

–  تعد الأهوار من أكبر الأحواض المائية لوجود الأسماك حيث تتخذ الأسماك نباتات القصب والبردي والنباتات المائية الأخرى أماكن للعيش والتكاثر فيها.

–  أن نقصان وتغير أعداد وأنواع النباتات والحيوانات المتواجدة في الأهوار سيؤثر من دون شك على التوازن البيئي الحالي ما بين هذه الأنواع الحية مما قد يؤدي إلى زيادة مطردة في اختفاء أنواع أخرى نباتية وحيوانية.

–  كما أن للأهوار دوراً كبيراً في الحد من التصحر والزحف الصحراوي وتلطيف المناخ .

–  تساعد الأهوار والأراضي الرطبة في الحد من أضرار الفيضانات الناتجة من الأمطار والعواصف المطرية وتعمل على إبطاء اندفاعها.

–  إن المحافظة على الأهوار والأراضي الرطبة يسهم في التخفيف من آثار التغيرات المناخية ويمكن أن يساعد في تقليل انبعاث غازات الدفيئة من الأراضي الرطبة المعرضة للجفاف وبذلك سيتم تقليل الآثار السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري.

–  ما زالت ثروات الأهوار والمناطق الرطبة العراقية النباتية والحيوانية والطبيعية غير مدروسة كما تستحق ولم يتم جردها بشكل كامل ومنظم فهي مازالت ارضاً خصبة للدراسة والبحث لغرض توثيق مكوناتها المختلفة واستغلالها بشكل مستدام.

–  تختلف مساحة الأهوار من موسم لآخر نتيجة لاختلاف كمية الموارد المائية للأنهر المغذية لها وهي دجلة والفرات وروافدهما وبعض الأنهار الأخرى.

مقترحات لتحسين النظام البيئي للأهوار العراقية

–  ضرورة الاستفادة من إدراج الأهوار العراقية على لائحة التراث العالمي بتاريخ 17/7/2016 كمحمية طبيعية ذات أهمية وطنية وإقليمية وعالمية من أجل دفع الأمم المتحدة للتحرك بفاعلية لضمان حصة مائية ثابتة من دول الجوار لأجل تغذية الأهوار باستمرار والمحافظة عليها من الجفاف حيث أصبح بموجب الاتفاقية الالتزام بتزويدها بالمياه وإبعاد خطر جفافها واندثارها.

–  تحشيد دعم دولي وإسلامي وعربي لمطالب العراق في حقه من مياه دجلة والفرات وعقد الاتفاقات والمعاهدات الطويلة الأمد مع الجانب التركي والسوري إضافة إلى الجانب الإيراني لغرض إدارة واستثمار وتحديد الحصص المائية في الأنهار الحدودية المشتركة من الناحية الكمية والنوعية واستعمال جميع الوسائل القانونية والتجارية والسياسية والاقتصادية لتفعيل ذلك.

–  عدم دراسة مشكلة الأهوار كجزء منفصل عن منظومة المياه العراقية وإنما يجب دراستها كجزء لا يتجزأ عن مجمل الموارد المائية والقيام بإدارة المياه بشكل يؤمن توفير حصة مائية تضمن استمرارها وبقائها وديمومتها مع دراسة واقع المياه الجوفية وكميتها ونوعيتها في منطقة الأهوار والمناطق القريبة منها لغرض الاستفادة منها في غمر ولو جزء بسيط منها.

–  ضرورة حماية الإرث البيئي والتاريخي والثقافي والاقتصادي المحلي وعدم المساس بالنظام البيئي للأهوار من دون دراسة وتمحيص والحرص على تطبيق مبادئ التنمية المستدامة على أسس علمية صحيحة.

–  تجنب استعمال مياه المصب العام المالحة لوحدها في تغذية الأهوار لأن ذلك يؤدي إلى زيادة المساحات المغمورة من الأهوار بالمياه ولكنه، مع مرور الوقت، سيزيد من ملوحة مياه الأهوار نتيجة ملوحة المياه الواصلة إليها وبسبب التبخر العالي ولاسيما في أشهر الصيف نتيجة لارتفاع درجات الحرارة التي قد تصل إلى (50) درجة مئوية، إن ارتفاع الملوحة في المياه يؤدي إلى تملح جزء من تربة الأهوار وفقد مكوناتها الحيوية وسيكون من الصعوبة بعد ذلك استصلاحها، ومن هنا تأتي ضرورة تغذيتها بمياه دجلة والفرات أو إنشاء محطات لمعالجة مياه البزل الواصلة للأهوار لغرض خفض نسبة الملوحة في المياه إضافة إلى التخلص من الملوثات الأخرى.

– بسبب تغير مساحة الأهوار باختلاف المواسم فانه من المستحسن استغلال الأرض التي لا تغمرها المياه في فصل الصيف لغرض زراعة الخضروات الصيفية باستعمال المياه المحلاة وطرق الري والزراعة الحديثة (التنقيط والري السطحي مثلا) والزراعة العضوية (أقل قدر ممكن من الأسمدة والمبيدات) وترك هذه الأراضي للغمر أثناء فصل الشتاء.

–  إجراء الدراسات والأبحاث البيئية والقيام بجرد جميع مكونات النظام البيئي للأهوار (نباتات، أسماك، طيور، لبائن، حشرات، زواحف،…) والسيطرة على إدخال الأصناف النباتية والحيوانية الدخيلة لغرض التعرف على العلاقات الموجودة ما بين هذه الكائنات بعضها بالبعض الآخر وبالوسط المحيط الذي تعيش فيه للوصول إلى فهم متكامل ومعرفة علمية لهذا الوسط البيئي الفريد من نوعه في المنطقة.

–  لا يمكن إنعاش الأهوار وإعادة الحياة والتنوع الحيوي لها من دون الاهتمام بالبنية التحتية (طرق، مياه الشرب الصالحة، الكهرباء، المدارس، المستشفيات،…) والجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية لسكان الأهوار، إذ إن الاهتمام بالأبعاد المختلفة للحياة في الأهوار يعمق من ارتباط سكانها بالمحافظة عليها وتحسينها ومن دون المشاركة الفعلية لسكانها لا يمكن ضمان إعادة الحياة للأهوار وإنعاشها بشكل كامل.

–  زيادة مهارات المجتمعات المحلية وبناء القدرات في القطاع السياحي والحرف اليدوية والصناعات الشعبية والحفاظ على التنوع الحيوي النباتي من القطع والحيواني من الصيد الجائر ومنع الاستغلال العشوائي للثروات الطبيعية المتواجدة في المنطقة وصيانة المنظر والمشهد الطبيعي ومنع التلوث الحضري والصناعي للأهوار والأراضي الرطبة العراقية.

–  إنشاء متحف خاص في كل قسم من الأقسام الرئيسية للأهوار لغرض جمع وعرض آثار وتراث وتاريخ الحضارات السابقة التي كانت سائدة في المنطقة إضافة إلى إقامة المعارض المتنقلة عن الأهوار والأراضي الرطبة في داخل العراق ودول الجوار والدول الغربية لتعريف العالم بأهمية وعمق واتساع حضارة العراق.

الخلاصة

يمكن اعتبار الأهوار بأنها نظام بيئي متكامل ذو جدوى اقتصادية واجتماعية وأهمية بيئية وحيوية وتراثية وسياحية ومناخية وترفيهية، وعلى الرغم من هذه الأهمية فأن الاهوار تتعرض لمصاعب جمة أهمها قلة المياه الواصلة إليها التي ستؤدي مستقبلا إلى تحولها إلى ارض جرداء تعصف فيها الرياح إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة للحفاظ عليها وإدامتها فقد تناقصت مساحتها بشكل متسارع خلال العقود الثلاثة الماضية مما يجعل مستقبل وجودها مجهولا وسيصبح حالها حال بحر آرال في آسيا الوسطى. وبسبب الأهمية البيئية وجمال الطبيعة وتنوعها الحيوي وجمالية هندسة بناء بيوتها فان إحدى طرق إدامة الأهوار والأراضي الرطبة العراقية يمكن أن يكون عن طريق جعلها مناطق سياحية ذات بعد محلي وإقليمي ودولي. ولعمل ذلك ينبغي توفير البنية التحتية الأساسية ومتطلبات السياحية البيئية من جهة ووضع خطة استراتيجية إعلامية بيئية ذات فعالية من جهة أخرى للمساهمة في المحافظة عليها وتوفير المياه لها بضمن اتفاقية رامسار فهي بحق يمكن اعتبارها جنة عدن من دون منازع كما أشارت لذلك المصادر التاريخية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى