سياسيةعراقية

الاتفاق الايراني السعودي

  بقلم :   د. عادل عبدالمهدي رئيس وزراء العراق السابق

‏بسم الله الرحمن الرحيم

‏”ولا تبخسوا الناس اشياءهم”، sليmاني هو من اطلق الاتفاق السعودي/الايراني

‏ذو دلالات تاريخية الخطوة الاخيرة في بكين وصدور بيان ثلاثي بين الصين والسعودية وايران. كثيرون ساهموا بصناعة هذا الحدث الاستراتيجي الذي ان نجح، من شأنه ان يغير وجه المنطقة، بل العالم. فالمسألة ليست مجرد اعادة علاقات بين بلدين اختلفا، على اهمية ذلك. بل انها ستقود الى تسوية كاملة لسلسلة ملفات حساسة وخطيرة. والجديد الحساس، الرعاية الصينية للاتفاق، بكل ما تمثله من دلالات وقدرات للمساهمة باعادة بناء المنطقة. للتوثيق السريع، انقل بعض ما اعرفه، ولاشك ان اخرين لديهم ايضاً ما يعرفونه.

‏كنت في زيارة رسمية للصين (ايلول/2019). وقبل اللقاء بالرئيس “تشي جي بينغ” الامين العام للحزب، و”لي كه تشيانغ” رئيس مجلس الدولة (معادل لرئيس الوزراء) في 23/9/2019، اتصل الشهيد “sليmاني”. وقال هل تستطيع الذهاب الى السعودية. سألته عن الغرض. قال للوساطة بيننا والمملكة. والامر مستعجل. اجبته ساذهب حال عودتي الى بغداد. اخبرت الجانب الصيني بطلب الشهيد، واستبشروا خيراً بذلك. استفسرت من الشهيد عن ما يقترحونه. ومن النقاط التي طلب طرحها الاتي: – نستطيع المساعدة في حل في اليمن عن طريق حكومة وحدة وطنية. – خلاف المشاع، نرحب بتطور العلاقات السعودية/العراقية، والانفتاح على شعبه. – الحوار والتنازل مع دول الجوار سهل، خلاف الخارج. – التعهد بتهدئة لعشر سنوات. – الاحترام المتبادل ولا غالب ولا مغلوب.-  – ضمان الملاحة في الخليج. حل مشترك في سوريا وليبيا، وبقية المنطقة. – اجتماع وزراء الخارجية.

‏اتصلنا بالاخوة السعوديين، الذين سألوا عن سبب الزيارة، فكنت قد زرت المملكة في نيسان 2019. ذكرنا الطلب الايراني للوساطة. سألوا عن الطرف الايراني. قلنا “sليmاني”. فرحبوا. عدنا صباح (25/9/2019). وغادرنا بغداد مساءاً الى السعودية يرافقني السيد رئيس الوزراء السابق الكاظمي، (يومها مدير المخابرات)، والسيد وزير النفط ثامر الغضبان، والسيد محمد الهاشمي مدير المكتب. استقبلنا خادم الحرمين، ثم عقدنا جلسة متأخرة في الليل مع ولي العهد.

‏كانت منشئات ارامكو قد تلقت ضربة صاروخية، واتُهمت ايران بذلك، رغم نفيها المسؤولية. اتصل وزير الخارجية الامريكي السيد بومبيو يوم 5/9/2019 وقال ان الصواريخ انطلقت من شمال الخليج وليس من العراق كما اشيع وقتها. كان الجو في اعلى درجات التوتر. وكان ولي العهد يتكلم بتشدد. وعندما انتهى قلنا: سموكم هل تريدون الحرب مع ايران. قال كلا. قلنا اذا لم نذهب الى الحرب فاما ان تبقى الاوضاع متوترة، وتهددنا بالانفجار، او التفاوض. قال لقد جربنا هذا الامر مرات، ولم ننجح. ذكرت له كيف حُلت المشاكل بين الراحلين الشيخ الرفسنجاني والملك عبد الله. قال ماذا تقترحون. قلت لنفتح نافذة. اكتبوا رؤيتكم، وسننقلها للجانب الايراني. ونحن واثقون ان هذا سيفتح باب الحوار. قال سارسل لكم ورقة. وبالفعل وردت في (9/10/2019) بعنوان “ورقة لاستجلاء الموقف الايراني”. تتضمن 8 نقاط، طورت لاحقاً الى 9. مع ذيباجة، تقول في جزء منها: “في الوقت الذي تحرص فيه المملكة على احترام مبادىء القانون الدولي، والالتزام العميق بأعرافه ومبادئه ومن بينها مبدأ حسن الجوار، ومحاربة الارهاب ومكافحة التطرف، وتطوير علاقاتها مع دول العالم وبخاصة دول الجوار للاسهام في تمكينها من العيش في امن واستقرار ورخاء”… الخ.

‏كانت الورقة “جافة”. طلب الجانب السعودي ان كانت لدينا مقترحات حولها. قلنا نعم. لم اغير شيئاً جوهرياً، لكنني قمت بتلينها ببعض التعابير لمعرفتي بان الجانب الايراني “ناشف” ايضاً. وستكون هذه بداية سيئة. وبالفعل جاءت الورقة السعودية المعدلة، وفيها بعض الطراوة، دون الاخذ بكل مقترحاتنا. سلمتها الى الشهيد. وكان قد اطلع على الورقة الاولى. قال حسناً فعلتم، فالورقة الاولى كان سيصعب عرضها على القيادة الايرانية. سألت الشهيد قبل اغتياله باسابيع عن الجواب الايراني، فالجانب السعودي كان يطالب بذلك. قال ان القيادة الايرانية ناقشت الموضوع وساجلب الجواب عند عودتي الى بغداد قريباً. للاسف الشديد، قامت الادارة الامريكية السابقة بعمليتها الجبانة/الحمقاء. ولم يُعثر على حقيبته وفيها اوراقه.

‏تركت المسؤولية في 7/5/2020، وتسلم السيد الكاظمي المسؤولية. وفي زيارته الرسمية للمملكة، تقرر مواصلة المبادرة، وعُقدت الاجتماعات الاولى برئاسته في بغداد في نيسان/2021، وكان السيد محمد الهاشمي ينوب عنه عند تغيبه. تراس الجانب السعودي  الشيخ الفريق خالد الحميدان، والجانب الايراني نائب امين مجلس الامن السيد سعيد ايرواني. وتوالت الاجتماعات وحضرها اخرون، الى ان توجت بالاتفاق الاستراتيجي في بكين.

 

‏الطرفان يفاوضان بحزم وقوة، وما كان يمكن للاتفاق ان يرى النور لولا التطورات الاقليمة والعالمية، وتصاعد دور الصين، وان هناك ضمانات لكلا الطرفين، وكذلك رؤى لعموم مسارات المنطقة،كما يمكن قراءته من البيان الختامي. ندعو العلي القدير ان يزيل هذه الغمة عن هذه الامة، وينصر اخواننا في فلسطين وبقية شعوبنا وبلداننا.

‏الامر سيبدو سهلاً عند اجتماع الكلمة. وسيبدو مستحيلاً، وكلمة الاعداء هي الاعلى، عند التنازع والاقتتال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى