اتفقت الجمهورية الإسلامية والسعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارات والقنصليات في غضون شهرين مقبلين؛ إذ أعلنتا ذلك في العاصمة الصينية (بكين)، في: 10-آذار-2023، ونحن قبل أن نعرض تحليلنا لهذه الخطوة المهمة للقارئ، نرتئي أولًا عرض موجزٍ للعوامل والخطوات التي صنعت التراجع السعودي، لأنَّ الأحداث لا تقفز صدفة بهذا المستوى، بل لها مصادرها الماضوية المؤثرة في مسارها المتفاعل منطقيًا بين الأسباب والنتائج.
من أجل ذلك، نعرض العوامل والخطوات المؤثرة في التراجع السعودي، في أدناه:
العوامل:
1- العوامل الإقليمية المساعدة:
أولًا: خسرت السعوديةُ في حروبها (في الوكالة) على سورية، ولبنان، واليمن.
ثانيًا: عندما حاولت السعودية، إعادة التفجيرات إلى شوارع العراق ومدنه، في: 21-كانون الثاني-2021، بتفجير مزدوج في ساحة الطيران في بغداد، تصدى لها فصيل عراقي مقاوم، وهو: (ألوية الوعد الحق – أبناء الجزيرة العربية)؛ إذ وجَّه إليها ضربة عسكرية بالمُسيَّرات مُصيبًا قصر اليمامة (قصر الحكم السعودي)، في: 23-كانون الثاني-2021، وهي رسالة في القدرة على نقل المعركة إلى داخل السعودية وإسقاط النظام الحاكم، فرُدِعَت السعودية مذّاك الحين.
ثالثًا: الجمهورية الإسلامية، دعمت محور المقاومة بالمُسيَّرات والصواريخ والتقنيات الحديثة، بما فيها فلسطين المحتلة، فكسرت التوازن العسكري الأميركي – الإسرائيلي، وسحبت بذلك ذراع القوة من ورقة (إبراهام – التطبيع) وحولتها إلى عبء على صاحبها.
العامل العالمي الأكبر
حرب الغرب على روسيا والصين وإيران في المسرح الأوكراني:
1- كنا قد كتبنا تعريفًا جديدًا لعنوان حرب أوكرانيا، وقلنا هي: حرب الغرب على روسيا والصين وإيران في المسرح الأوكراني، وكل من يتوقع أن الصين، وإيران (محور المقاومة) بعيدة عن هذه الحرب؛ فهو إعلامي محلي، وليس محللًا أو من النخبة أو قارئًا إستراتيجيًا، فهذه روسيا العظمى اليوم تُغيِّر خارطة العالم المستكبر، وتقبر النظام الغربي الذي هيمن على العالم، وتصنع نظامًا عالميًا جديدًا متعدد الأقطاب، مع الشركاء: منظمة شنغهاي، دول بريكس.
2- قال الرئيس الروسي بوتِن في مؤتمر (بريكس – BRICS)، الذي عُقِدَ في حزيران (2022): «العمل جار على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات بريكس». وهذا مشروع متكامل: عملة عالمية، نظام مصرفي عالمي، مصرف عالمي.
خطوات التراجع السعودي:
1- على هامش اجتماع ما يسمى (الدول السبع الكبار – G7) في ألمانيا يوم الاثنين الموافق: 27-حزيران-2022؛ طلب الرئيس الفرنسي (ماكرون)، والأميركي (جو بايدن) من السعودية والإمارات، زيادة إنتاج النفط وتصديره، لكنِ الدولتان الخليجيتان رفضتا المساعدة!
2- السعودية لطمت أميركا على وجهها، بتخفيض سقف إنتاج النفط (2) مليون برميل كل يوم، بدءًا من 1-تشرين الثاني-2022، بقرار اتَّخذه بالإجماع أعضاء منظمة (أوبك +)، ووقفت بذلك مع القرار الروسي.
3- عُقِدَت القمة السعودية – الصينية في العاصمة السعودية (الرياض)، وحضرها الرئيس الصيني (شي جين بينغ)، في: 7-9/كانون الأول-2022، وغيره من الرؤساء، وطلبت بها الصين من السعودية، أن تشتري الصين النفط السعودي بعملة (اليوان الصيني) وليس الدولار، وكانت السعودية تدرس الطلب.
4- منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا، في المدة: 16-20/ كانون الثاني-2023، في نسخته (53):
قال محمد الجدعان (وزير المالية السعودي) في المنتدى، الثلاثاء، إنَّ المملكة منفتحة على تداول العملات غير الدولار الأميركي من أجل «تحسين التجارة»، وقال الجدعان: «ليست هناك مشكلات في مناقشة كيفية تسوية ترتيباتنا التجارية، سواء أبالدولار الأميركي أم اليورو أم الريال السعودي».
[راجع المقال: العنوان: منتدى دافوس 2023
السعودية منفتحةٌ لبحث التداول بعملات غير الدولار
الصحيفة: المونيتور – AL-MONITOR]
5- أعلنت السعودية أنَّ مشكلة لبنان لا تُحَل بالسقوف العالية، أي: غيرت من نبرتها لتنزل من الشجرة، وتشارك في حلول معقولة باختيار الرئاسات.
6- أعلنت السعودية تقاربها مع الدولة السورية برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد، وهي تطمح لإعادة العلاقات وفتح السفارات والقنصليات، ولم تعارض خطوة وفد الاتحاد النيابي العربي، الذي ذهب إلى زيارة سورية من العراق، بتاريخ: 26-شباط-2023، وكان الوفد قد ضم رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات، والأردن، وفلسطين، وليبيا، ومصر، زيادة على رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد النيابي العربي، وكانت هذه الخطوة اعترافًا بالدولة السورية وإعادتها إلى مكانتها قبل (2011) وأكثر.