لا يستطيع أحد إقناع أحد في العالم، بعد مسيرة عمرها سنوات، أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي هيئة محايدة سياسياً وتعتمد معايير مهنية صرفة في تقاريرها وعلاقاتها، وان الوكالة التي شكلت رأس الحربة في الهجوم على إيران وفقاً لتقارير استخبارية أميركية وإسرائيلية، هي ذاتها التي توجّه مديرها الى طهران لصياغة تفاهم مع الوكالة الإيرانية للطاقة، والإعلان عن مرحلة جديدة من التعاون، وأن التفاهم الذي تم التوصل إليه بهذه السرعة ليس تعبيراً عن تفاهمات سياسية سبقته بين الغرب وإيران، جاءت التفاهمات مع الوكالة الدولية بهدف تظهيره من جهة، وتقديم المبررات لما يليه من جهة موازية؟
واشنطن التي تدير دفة التعامل مع الملف النووي الإيراني والعلاقة الغربية مع إيران، وعبرها مع التوازنات والمعادلات التي فرضها محور المقاومة، تجد نفسها أمام حقيقة هي الجهة المعنية بالسؤال حول طبيعة المتغيرات التي فرضت على واشنطن الاستدارة مجدداً إلى الملف النووي الإيراني، بعين البحث عن مخرج مناسب لإعادة إحياء التفاوض مجدداً، من بوابة الاستناد إلى تقارير إيجابية تصدر تباعاً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقاً لما يقرأ بين سطور التفاهم الذي تمّ بين الوكالة والجانب الإيراني؟
تبدو واشنطن أمام معادلة جديدة متسارعة في الحرب الأوكرانية عنوانها حتمية النصر الروسي، كما تقول مؤسسات الدولة الأميركية العميقة، سواء لجهة عدم القدرة على توفير توازن في القدرة البشرية القتالية بين الجيشين الروسي والأوكراني، بعكس الشهور الأولى من الحرب، أو لجهة عدم القدرة على مجاراة سلاسل إمداد الذخائر والعتاد العسكري إلى جبهات القتال، بعكس الشهور الأولى من الحرب، بعدما تكفلت هذه الشهور باستنزاف ما لدى الغرب من ذخائر، وما لدى أوكرانيا من قدرات بشرية، وعلى واشنطن بالتالي أن تسارع الى ترتيبات تحتوي النزاعات التي يمكن أن تنعكس عليها سريعاً تحولات ما بعد حرب أوكرانيا ما لم تشهد تسويات تسبق تظهير النهاية المؤلمة للحرب الأوكرانية.
واشنطن نفسها تبدو معنية بتأمين سلاسل توريد الطاقة إلى أوروبا، ببدائل عن الموارد الروسية التي وضعت واشنطن ثقلها لتدميرها، وتسعى بكل ثقلها لمنع عودتها بعد الحرب، والبديل الوحيد المجدي اقتصادياً هو نفط وغاز الشرق الأوسط، حيث الساحات المشتعلة تضع بين أيدي قوى محور المقاومة القدرة على التحكم بالممرات المائية التي يتوقف عليها تأمين سلاسل توريد الطاقة، من مضيق هرمز الى مضيق باب المندب وصولاً إلى البحر المتوسط، والتسويات بالمفرق مع قوى هذا المحور إذا تركت لحلفاء واشنطن الآخذين بالتفلت تدريجياً من السيطرة الأميركية، يعني التسليم بخسارة الشرق الأوسط حيث “إسرائيل” أمام مخاطر وجودية، وحيث يمكن للغياب الأميركي ان يشجع مجانينها على التفلت من السيطرة أيضاً وتوريط واشنطن بخيارات صعبة.
واشنطن نفسها تعلم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانيةالتي تمثل العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة، والتي يشكل ملفها النووي محور العناوين التي ترسم مستقبل العلاقة بين إيران والغرب، قد بلغت في برنامجها النووي مرحلة متقدّمة، صار معها التخصيب المرتفع النسبة كافياً لما تسميه واشنطن باللحظة الحرجة، حيث يمكن لإيران وفق الخبراء الأميركيين، تصنيع قنبلة نووية متى أرادت، والطريق الوحيد لعودة إيران الى خارج دائرة القلق الأميركي النووي هو طريق العودة الى الاتفاق النووي، ولو بمخارج تحفظ ماء الوجه من بوابة تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تمّ استعمالها في تغطية التصعيد بوجه إيران وتعطيل التفاهم معها، لتستعمل مجدداً في الاتجاه المعاكس لتبرير العودة إلى التفاهم.
– مراقبة العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي المؤشر الذي يضيء على اتجاه مسارات أكبر بكثير مما يوحي بها ظاهرها.
https://alasrmag.com/