عراقيةمقالات

*هل يعود المالكي إلى رئاسة الحكومة… أم يبقى صانع الملوك؟*

ناجي الغزي/كاتب وسياسي

الحديث عن عودة السيد نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة ليس فرضية خيالية ولا احتمالاً مستحيلاً، بل هو خيار واقعي يرتبط، قبل كل شيء، بـ *رغبته الشخصية* وبمدى *إجماع شركائه داخل الإطار التنسيقي*. فالمعادلة الحقيقية التي تحكم (البيت الشيعي) اليوم تقوم على التفاهم الداخلي لا على الضغوط الخارجية، وعلى قدرة الإطار على إنتاج رئيس وزراء يملك الشرعية السياسية والدستورية من داخل بيئته.
أما القوى السياسية الأخرى الشريكة في السلطة (الكردية والسنية) فلا تبدو مؤثرة بصورة حاسمة في منع هذا الخيار أو فرض بدائل عنه. فالدورة السياسية العراقية أثبتت أن *مفتاح اختيار رئيس الوزراء يبقى داخل البيت الشيعي*، مع احترام بقية الشركاء للمخرجات النهائية طالما جاءت ضمن السياقات الدستورية.
ومن الزاوية الإقليمية والدولية، لا توجد معارضة حقيقية لعودة المالكي كما يُشاع في بعض المنابر الإعلامية. فالدول، مهما كانت مواقفها، تتعامل مع العراق ضمن منظومة سياسية ودبلوماسية تحكمها قواعد واضحة، وتدرك أن اختيار رئيس الوزراء هو شأن وطني عراقي بحت. لذلك، ما يُتداول من “اعتراضات دولية” أو “فيتو خارجي” ليس أكثر من تخرصات إعلامية ساذجة، تهدف إلى تقزيم النظام السياسي، وإيهام الرأي العام بأن القرار العراقي مرتهن للعامل الخارجي.
في المحصلة، يبقى السؤال الحقيقي: هل يريد المالكي العودة إلى رئاسة الحكومة؟
وإذا أراد، هل يتجدد الإجماع داخل الإطار التنسيقي لدفع هذا الخيار إلى الواجهة؟
فالاحتمال موجود، والفرصة قائمة، وكل ما عدا ذلك *ضجيج خارج دائرة الفعل السياسي الحقيقي*.

*وفي حال لم تتحقق عودته… كيف تُدار معادلة البديل؟*

وفي حال تعذّر على السيد المالكي تلبية هذه الرغبة، سواء لأسباب شخصية أو سياسية تتعلق بحسابات الإطار، أو لاختلاف تقديرات الشركاء، أو نتيجة تنازلات تُفرضها طبيعة المرحلة، فإن أولوية الخيارات ستبقى مفتوحة داخل الإطار التنسيقي، ولكن ضمن معايير واضحة يضعها الإطار وعلى رأسهم المالكي نفسه عبر تجربته الطويلة في إدارة الدولة وصناعة القرار.
فالرجل، الذي رسّخ موقعه كصانع ملوك، لا يتخلّى عن دوره القيادي حتى لو لم يكن هو المرشح الأول. بل على العكس، يصبح أكثر حرصاً على *اختيار شخصيةٍ موثوقة، مجرّبة، أمينة على المشروع السياسي، وطامحة لمهمة الإصلاح لا طامعة بكرسي السلطة*. شخصية تحافظ على ثوابت النظام السياسي، وتضمن استمرارية الدولة، وتتمتع بقدر من الجرأة والكفاءة يسمح لها بالعبور من تعقيدات المرحلة المقبلة.
وهذا الاختيار ليس تفصيلاً تقنياً، بل هو جوهر المعادلة: فمن سيمنحه المالكي تزكية سياسية سيجد تأييداً واسعاً داخل الإطار، وقبولاً لدى أغلب الشركاء، واحتراماً من المجتمع الدولي، لأن التوافق الداخلي هو العامل الحاسم لا أسماء الأفراد. وبذلك، يبقى المشهد مرسوماً بخطين متوازيين: إمّا عودة المالكي إذا توفرت الإرادة والإجماع… أو خيار بديل يراه المالكي مناسباً، ويمنحه شرعية التجربة وسقف المسؤولية، ليبقى هو مهندس التوازنات وصانع الملوك وصاحب البصمة الأقوى في تشكيل السلطة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى