التخطيط والتنميةمقالات

التربية والعالم الافتراضي

أ.د. حيدر محسن الشويلي - مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية

ان إيمان الباحث بالمجال التربوي هو دافع أسمى إلى إجراء الكثير من البحوث ، فالمجتمع بشكل عام يتطلب الالتزام بمحددات تربوية ودساتير ولوائح قيمة ينطلق منها العاملون في ممارستهم المختلفة . وفى إطار التقدم الهائل في المجالات المتنوعة فإنه – أي المجتمع- أحوج ما يكون إلى تلك المحددات التي تدعم صواب ما يقرره وما يفعله كل فرد عامل بها ، في ظل الظروف الراهنة والأحداث المتوالية وانتشار المفاهيم الخاطئة بين المجتمع.

فضلاً عن ذلك فإن أي مجتمع إنساني له بناءه وثقافته التي يتميز بها عن غيره من المجتمعات ، وله تركيبه السياسي والاقتصادي ، وله عقيدته وتراثه وقيمه التي ينشأ حولها فكره وتفكيره وله عاداته وتقاليده ومُثُله العليا التي ينبثق منها توجهاته الفكرية وانتماءاته العقائدية .

لذلك نجد أن المجتمع حينما يصوغ أهدافه ومبادئه فإنه يسعى جاهداً لأن تكون هذه الأصول متلائمة مع عقيدة المجتمع وفكره والقيم التي يؤمن بها فتعمل على إعداد الإنسان في إطاره الاجتماعي بواسطة الأهداف والغايات التي تحددها الفلسفة العامة للمجتمع والمبادئ الأساسية التي يؤمن بها الأمة والمعتقدات التي يعتنقها أفرادها بعد ان سادت متغيرات عديدة شكلت العالم المعاصر .

وفي غمرة التحولات الإنسانية الجديدة وفي نسق التغيرات الاجتماعية العاصفة في عصر الصدمات الحضارية تأخذ التربية بأساليبها المتنوعة أهمية بالغة الجدة والخطورة ففي زمن الذي بدأت فيه الأمم والشعوب تتلمس مخاطر وجود الارهاب وتلملم أطراف هويتها إزاء عصف التغيرات العلمية الجديدة بدأت التربية تطل بدورها  الجديد كصمام أمن وأمان بمنح الأمم قدرة متجددة على بناء هويتها والمحافظة على وجودها.

ولقد استلهمت التربية واستمدت قواعدها من أصول القرآن الكريم ، لتزويد الانسان بمبادئ الدين والقيم الأخلاقية السامية ، ويعدّ النبي محمد ( صل الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) المثل الأعلى للإنسان في أخلاقه وسلوكه وفيما يتحلى به من محاسن الصفات والخصال.

وتعنى التربية كذلك بالسلوك الإنساني وتنميته وتطويره وتغيره أي أن هدفها أن تنقل أفراد الأجيال الصغرى المهارات والمعتقدات والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة التي تجعل منهم مواطنين صالحين في مجتمعهم متكيفين مع الجماعة التي يعيشون فيها. بناء عليه فإن التربية هي عملية تعليم وتعلم الأنماط المتوقعة من السلوك الإنساني. وبناء عليه فالتربية هي نظام اجتماعي يحدد الأثر الفعال للأسرة والمدرسة في تنمية النشء من النواحي الجسمية والعقلية والأخلاقية حتى يمكنه أن يحيا حياة سوية في البيئة التي يعيش فيها، فالتربية أوسع مدى من التعليم الذي يمثل المراحل المختلفة التي يمر بها المتعلم ليرقى بمستواه في المعرفة .

إذن فالتربية هي عملية عامة لتكييف الفرد ليتمشى ويتلاءم مع تيار الحضارة الذي يعيش فيه، ولهذا تصبح التربية عملية خارجية يقوم بها المجتمع لتنشئة الأفراد ليجاروا المستوى الحضاري العام.

وإذا كانت دروس التربية تشمل التوعية العلمية المبسطة لجميع الأبعاد المختلفة المؤثرة في حياة الأسرة المعاصرة والتي تؤثر بالتالي في تنمية المجتمع خصوصاً وأن الأسرة المعاصرة تعيش في عالم متغير محاط بموجات متتالية من التغيرات على المستوى المحلي والعالمي، هذه التغيرات والمتغيرات يتأثر بها الفرد في الأسرة مهما كان البعد المكاني عن مركز التغيرات بعد اتساع شبكة الاتصالات ، فيعيش الفرد الآن في قرية صغيرة وهذا يتطلب منه أن يعرف من هو وطبيعة دوره المتغير وكيف يستطيع أن يحيى خلال الصراع الأبدي بين قوى الشر والخير.

وتعتبر شبكة الانترنت من اهم الانجازات في تاريخ البشرية ومن اعظم الانجازات في تاريخ الحاسوب والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث تعتبر من التقنيات التي احدثت ثوره في اسلوب التعامل بين المهتمين بأمور الحاسوب عامه والعاملين في قطاع العلوم الاخرى خاصة.

فضلاً عن ذلك فأن الشبكات  الاجتماعية مواقع تؤسسها وتبرمجها شركات كبرى لجمع المستخدمين والاصدقاء ومشاركه الانشطة والاهتمامات وللبحث عن تكوين صداقات والبحث عن اهتمامات وانشطه لدى اشخاص اخرين.

ان  معظم الشبكات الاجتماعية الموجودة حاليا هي عبارة عن مواقع ويب تقدم مجموعة من الخدمات للمستخدمين مثل المحادثة الفورية والرسائل الخاصة والبريد الالكتروني والفيديو والتدوين ومشاركة الملفات وغيرها من الخدمات ومن الواضح ان تلك الشبكات الاجتماعية قد احدثت تغير كبير في كفية الاتصال والمشاركة بين الاشخاص والمجتمعات وتبادل المعلومات.

وتعد الشبكات الاجتماعية من اكثر المواقع التي يستخدمها الانسان في الآونة الاخيرة لما لها من  مميزات وانتشار وتفاعل وتستخدم للتعبير الحر عن ما يراه الانسان وتشجعه على رصد افكاره بصفه مستمرة واشتراكه مع الاخرين في نفس الافكار او تشجيع فكر معين او راي معين او تقديم مجال اهتمام واحد

ويعد الفيس بوك احدى وسائل العالم الافتراضي وهو منظومة من الشبكات الإلكترونية التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والميول، أو جمعه مع أصدقائه.

ومن خلال اطلاعنا لمدى انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تبين أنها أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة المجتمعات بل أصبح الأفراد يقبلون على استخدام تلك المواقع لدرجة قد تصل إلى الإدمان في بعض الأحيان، ولا شك أن تلك المواقع باتت تلعب دورًا هاما في حياة الأسر بل وفي حياة الشعوب والأمم بأسرها سلبا وإيجابا، ولا يخفى علينا مدى التأثير الذي يقوم به مواقع التواصل الاجتماعي مثل “الفيس بوك، تويتر، انستجرام” وغيرها من المواقع التي تجذب العديد من الفئات العمرية في المجتمعات المختلفة وخاصة الشباب من فئة المراهقين وهم الأكثر متابعة والأقل إدراكًا بمجريات الأمور فهم لا يستطيعون رسم صورة كاملة وتصور شامل لما يتابعونه من خلال وسائل الإعلام المختلفة فهم لا يزالون محدودي الخبرة ويلزمهم الكثير للحكم الصائب على الأمور وبالتالي فهم يقعون فريسة في براثن الإعلام الذي يؤثر في الكثير من شخصية المراهقين لأنهم يتعاملون بعواطفهم ويندفعون نحو ما يؤثر فيهم سواء بالسلب أو بالإيجاب دونما أي تفكير.

لا سيما إنّ التربية عملية تنمية، وتوجيه للسلوك الانساني، وقدراته في اتجاه مرغوب فيه، وهي عملية سلوكية انسانية، واجتماعية، وحضارية، يكتسبها الانسان، نتيجة لتفاعله المباشر مع البيئة الطبيعية والاجتماعية بامكاناتها المادية والمعنوية. ويعد الشباب طاقة متجددة, فهم أدوات الحاضر وأهم طاقاته وقدراته.

والشباب هم العنصر الرئيس في بناء المستقبل، وعلى عاتقهم ستواجه التحديات المستقبلية، وعليهم يتوقف نجاح المجتمعات وتطورها في حسن استثمار وتوظيف طاقاتهم وقدراتهم بعدِّهم رأس مال بشري للمساهمة في نهضة المجتمع وتقدمه ، فالشباب هم الطاقة الحقيقية التي ينفق في إعدادها الكثير، وُتعقد عليها الآمال في دفع مسيرة التنمية الشاملة، ممثلين طليعة التغيير.

وتعد الأسرة أول مؤسسة تربوية يتلقاها الإنسان في حياته ومنذ أن يرى النور، فهي القادرة على تشكيل شخصية الطفل وصقلها، وهي أفضل وسيلة لتلقي الأفكار من قبل الكبار على الصغار، وهي الانتماء الأول للطفل، والمصدر الأول للتعلم وإشباع الحاجات، فالأسرة عبارة عن وحدة تربوية شاملة والتي تعد أساساً للمجتمع، بحيث أنها تنتج الأفراد الصالحين للمجتمع، وبالتالي هي الأساس في استقرار المجتمع وتحديد كيانه، ولا بد للأسرة أن تشتمل على نظرة تربوية صحيحة بعيدة عن الأخطاء التي ستؤثر بشكل سلبي وبشكل قوي على أفرادها، فيجب على كل أسرة أن تعي جيداً مفهوم التربية السليمة، فالتربية ليست تلبية احتياجات الاطفال المادية بل هي صقل شخصية الطفل والمقدرة على زرع الأخلاق الحميدة في نفسه وإبعاده عن الجوانب السيئة فيه، ومن المهم جداً أن تعتني بكافة الجوانب لرعاية أطفالها، كالجانب النفسي والاجتماعي والصحي، فتلبية كافة الجوانب سيؤدي إلى خلق شخصية متوازنة للطفل مما تجلعه مواطناً فعالاً في المستقبل، وكذلك تمده بالكثير من الثقة بالنفس والمهارات والقدرات المتعددة.

وفي ضوء ما تقدم يمكن القول ان هناك للأسرة أهمية كبيرة جداً ولها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة، والطمأنينة في نفس الطفل، فمنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم، والاتجاهات، وقد ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلّم الإنسان قواعد الآداب والأخلاق.

لذلك لا بد من الانتباه إلى هذا الموضوع لكونه يشكل خطوة على طريق تقدم المجتمع العراقي ويستفيد منها كل مطلع مهتم بشؤون المجتمع .

ووضع ضوابط ومعايير لتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للحد من انتشار الظواهر السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى